Al-Quds Al-Arabi

موريتانيا: قضية الحوار السياسي تعود للواجهة والموقف الرسمي منه لم يتضح بعد

- نواكشوط «القدسالعرب­ي»: من عبد الله مولود

عادت مسألة إطلاق حوار سياسي يناقش ويحسم مجموعة من القضايا الوطنيــة الكبرى أمس إلــى الواجهة، حيث تحدثت مصــادر صحافية عن لقاءات تحضيرية لهذا الحوار بين الحزب الحاكم وأبرز حزبين في المعارضة التقليدية هما تكتل القوى الديمقراطي­ة بزعامة أحمد ولد داداه، واتحاد قوى التقدم بزعامة الدكتور محمد مولود.

وتعود قضيــة الحوار للواجهة دون أن تظهر للعلن مؤشــرات رســمية على التوجه إليه والتخلي عن الموقــف الذي أعلنه الرئيس الغزواني مرات بخصوص «عدم وجود حاجة إليه ما دام البلد لا يعاني أزمة سياسية.»

فقد واصل الرئيس الغزواني أســلوبه الذي بدأ به حكمــه والقائم على التشــاور الفردي بين زعماء الأحزاب السياســية المعارضــة، حيث التقى الثلاثــاء الأخير بإبراهيــم مختار صــار، رئيس حزب التحالــف من أجل العدالة والديمقراط­ية/حركة التجديد المعارض، وبحث معه آخر المستجدات السياسية والأوضاع العامة في البلد.

وأدرج مصدر رســمي هذا اللقاء «ضمن اللقاءات التشاورية التي يجريها الرئيس ولــد الغزواني مع قادة الأحزاب السياســية وقادة الرأي والمجتمع المدني .»

وأعلن محمد ســالم مرزوق، وزيــر الداخلية الموريتاني، فــي مقابلة مع صحيفة «لســولي» الســنغالي­ة، خلال رده على ســؤال حول الحوار، «أن موريتانيــ­ا لا تعاني من أزمة تســتدعي تنظيم حوار سياســي» مبرزاً «أن المشــاورا­ت مع رؤســاء الأحزاب السياســية وقادة الرأي والمجتمع المدني متواصلة لم تتوقف .»

ومع وجود هــذه التصريحات العازفة الحوار، فقــد اعترف نائب رئيس الحزب الحاكــم محمد يحيى حرمة، أمس، في مقابلــة مع صحيفة «لوكلام» الصادرة بالفرنسية، بأن «المكتب التنفيذي للحزب الحاكم اطلع في اجتماعه الأخير على المجهودات التي تبذلها أطراف في الساحة من أجل فتح مشاورات موســعة حول عدد من القضايا الوطنية بينهــا الوحدة الوطنية والحكامة» مبرزاً «أن المكتب التنفيذي للحزب الحاكم ســينظر في هذا الموضوع من أجل تنضيجه وتأطيره. وقال: «الموضوعات المقترحة للتحاور تســتحق مضافة لموضوعات أخرى، أن تدرس لإيجاد حلول لها.»

ونقلت صحيفة «الســراج» الموريتاني­ة المســتقلة، الجمعــة، عن مصادر مطلعة قولها: «إن لقاءات تمت وجلسات عقدت تحضيراً لإطلاق حوار وطني يرغب النظام الموريتاني فى إعلانه خلال الفترة القادمة.»

وأوضحت المصادر «أن الحزب الحاكم وحزبين من المعارضة تبادلا نقاشاً بعضه مكتوب وبعضه شــفهي حول مضمون الحوار، حيث عقد المدير العام لمينــاء الصداقة القيادي بالحزب الحاكم ســيدي أحمد ولــد الرايس، عدة لقاءات مع رئيس «تكتل القــوى الديمقراطي­ة» ورئيس «اتحاد قوى التقدم» تطرقت إلى عدد من القضايا التي ينبغي أن يناقشها الحوار.»

وأكــد المصدر «أن الجهات التي تناقش مضمون الحوار حصلت على ضوء أخضر من النظام الموريتاني لنقاش الكثير من الملفات فى عناوين ثلاثة، هي: الوحدة الوطنية بكل تفاصيلها، والحكامة الرشيدة، والانتخابا­ت.»

وأوضح المصدر «أن اللقاءات المحضرة للحوار محاطة بالسرية حتى يتم إخراج الحوار بشــكله النهائي» مشــيراً إلى «أن خلافاً لم يتم حله بعد بين النظام من جهة وحزبي المعارضة من جهة أخرى، حول الجهة التي ينبغي أن تكون راعية للحوار، حيث يفضل النظام أن يبقي النقاش والحوار مع الحزب الحاكم، بينما يرى تكتل القــوى الديمقراطي­ة واتحاد قوى التقدم أن الحوار يجب أن يجري برعاية رسمية من الرئيس ليحمل طابع الجدية».

وفي هذه الأثناء، أكد لــو غورمو عبدول، نائب رئيس حزب قوى التقدم، الناشط في قضية الحوار، «أن الحكومة الحالية رفضت منذ البداية مصطلح «الحــوار» الذي طالما طالبت به المعارضة، مفضلــة صيغاً أخرى أقل ارتباطاً بأوضاع إدارة الأزمات المفتوحة».

وقال في تدوينة له أمس: «بالنســبة للســلطة، فــإن «الحوار» و»الأزمة المفتوحة» مرتبطان، فالحوار يجب أن يجري باللزوم إذا وجدت أزمة».

وقــال: «في هذا النطــاق، تندرج تصريحــات وزير الداخليــة الأخيرة لصحيفة «لسولي» السنغالية التي أثارت لغطاً كبيراً» مضيفاً: «هذا هو نفس الطريق الذي سلكه مؤخراً ما يســمى بـ «الحوار الاجتماعي» الذي حاولت جهات معارضة للحوار بين النظام والمعارضة أن تنظمه».

وأوضح لو غورمو عبدول «أن وزير الداخلية أعاد التأكيد على أن الرئيس الغزواني مستعد للتشــاور بشكل مفتوح» مشــيراً إلى «أن شركاء المشهد السياســي يفضلون منذ عدة أشهر تهدئة الســاحة، وهو ما مكن أطرافاً في النظام والمعارضة من القيام ببعض اللقاءات لإخراج البلد من بعض الأزمات البنيوية التي يعاني منها».

وتســاءل الإعلامي بكاري غــي، المدير الناشــر لصحيفة «إنســياتيف نيوز» الآنية، في افتتاحية له أمــس، عما «إذا كانت عودة تنظيم الحوار في موريتانيا إلى الواجهة، تنم عن استعداد حقيقي للرئيس غزواني للانخراط في لعبــة صريحة مع معارضة تتدحــرج في الطحين، أو هــي مجرد خدعة

جديدة لتسلية المعارضة والحفاظ على الوضع الراهن».

وقال: «من الضروري إجراء حوار واسع النطاق بشأن القضايا الرئيسية في الوقت الحاضر، لا سيما وأن السياق ملائم حالياً لذلك، فالإجماع المقدس حــول الرئيس غزواني نعمة حقيقية، أظهــرت المعارضة من خلالها التحلي بالمســؤول­ية والوطنية. ونتيجة لذلك، فإن عــودة المصعد ضرورية لتنظيم حوار شامل يتم خلاله تطهير الحالة السياسية».

وأوضح بكاري «أن القانــون الانتخابي، ولجنــة الانتخابات الوطنية، والمجلس الدســتوري، والقائمة الانتخابية وغيرها، كلها مسائل رئيسية لا تزال تحتاج للدراســة والاتفاق، كما أن الأمور على المســتوى الاجتماعي لا تقل أهمية، فهناك قضايا الإقصاء وعدم المساواة، وتقاسم الثروة، والوحدة الوطنية، والملفات الإنســاني­ة، والرق، والحكم الرشــيد، فكل هذه المسائل وغيرها من المســائل تتطلب حواراً وطنياً، بل أيضاً وقبل كل شــيء، توافقاً وطنياً كاملاً».

تشــير كل هذه التطورات إلى وجود تحضيرات لحوار سياســي وطني جامع، وهو ما يدعو إليه إســاميو حزب التجمع واعتبروه الطريق الوحيد المؤمن لموريتانيـ­ـا من الانزلاقات، ويعــزف عنه الرئيــس الغزواني وكبار معاونيه.

ولعل الأمور تتجه لحل وســط هو إجراء حوار سياســي لا دخل لرئيس الجمهورية شــخصياً فيه ولا للحكومة، بل حوار بين الحزب الحاكم محاطاً بأحزاب الأغلبية وأحزاب المعارضة بشقيها المتشدد والمهادن.

لكن هل ســتقبل المعارضة المتشددة التي يحمل إســاميو حزب التجمع لواءها، بـ»نصف حوار» أي بحوار بين الأحزاب وليس بين الســلطة بأعلى هرمها والمعارضة بجميع أطيافها؟

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom