رحلة «التهويد» تبدأ بـ«كنيس»
رحلــة الألف ميل تبــدأ بخطوة واحدة، كما قالــه الزعيم الصيني الراحل ماوتســي تونــغ، ورحلة «التهويد» أيضــا تبدأ بـ»كنيس واحــد»، هذا هو مبدأ الحركة الصهيونية. وهذه هي الخطوة الأولى. لم يمض سوى ستة أشــهر على الإعلان عن أول اتفاق تطبيعي بين دولة الاحتلال ومحمد بن زايــد نائب رئيس نظام إمارة أبــو ظبي، بدعم مــن حاكم دبــي ونائب رئيس وزراء الإمارات محمد بن راشــد آل مكتــوم، حتى بدأ الإســرائيليون يتحدثــون عن الوجــود اليهودي في الخليج، وضرورة إقامة الروابط بينهم، للحفاظ عليهم وعلى هوياتهم.
وأول الغيــث قطــرة كما يقــول المثــل.. ونحن هنا بصــدد الحديث عــن الرابطة التي أعلن عن تشــكيلها «يهود الخليج» مؤخرا، باسم «رابطة تجمع المجتمعات اليهودية في دول الخليج العربيــة». رابطة لتجمعات يهوديــة في الخليج، وهــم يعرفون ونحــن نعرف أن لا وجود لمثل هــذه التجمعات.. ويعرفــون أيضا أنهم يكذبــون، ولكنهــم كعادتهــم يكــررون الكذبة حتى يصدقونهــا هم أولا، ويصبح ســماعها أمرا مقبولا على الآذان ليصدقها من بعدهم الآخرون.
جاء الإعلان عــن انطلاق هذه الرابطــة، من وزارة الخارجية الإسرائيلية. وقال موقع «إسرائيل بالعربية» الذي تديــره الخارجية، «جرى تأســيس الرابطة في الدول الخليجية الســت، وستضم الرابطة وهي الأولى مــن نوعها، يهــوداً من الإمــارات والبحريــن وعمان والســعودية وقطر والكويــت». وذكــرت هيئة البث الإســرائيلية، أن رئيس الجالية اليهودية في البحرين أبراهــام نَونَو، ســيرأس هــذه الرابطة. وقــال نَونَو لهيئة البث «الهدف من هــذه الرابطة هو توحيد موارد المجتمعات، مثل طعام الكوشــر )الحلال وفق الشريعة اليهودية(، والمســاعدات الدينية، والدفن وغيرها من الأمور». وأضــاف «كل هذه الخدمات يجــب أن تكون موجودة ومتاحة لجميع اليهــود في الخليج، وهذا هو الهدف الأساســي للرابطة»، التي قالــت ضمن تغريدة الإعلان عن نفسها «نحن ملتزمون بنمو وازدهار الحياة اليهودية، في دول الخليج». أما هيئة البث الإسرائيلية فقالت، إن «الغــرض من الرابطة الجامعــة، هو تقديم الخدمات الدينية لليهــود، الذين يأتــون إلى البلدان المعنية في الخليج، سواء للاستقرار أو السياحة».
في مصطلح «الاستقرار» يكمن مربط الفرس، خاصة بعد قوانــن التملك والإقامة، التــي أصدرتها الإمارات لتشــجيع الناس على الاســتقرار في أراضيها، وهذه فرصة سانحة للإسرائيليين للشراء، استعدادا إلى ذاك «اليوم الموعود» الذي تعلن فيه في منطقة الخليج إقامة لوبي يهودي إســرائيلي يتحكم بالقــرارات المصيرية. وأن غدا لناظــره قريب. أصبحت هنــاك حياة يهودية فــي الخليج، ولا بــد أن تزدهر. يوهمونــك بأن اليهود في الخليــج يعدون بمئــات الآلاف، بينمــا لا تتجاوز أعــداد الأصليين منهــم بضع عشــرات، يتمركزون في البحرين. ولكن ليس هؤلاء هــم المعنيين، إنما اليهود/ الإسرائيليون الجدد الذين سيغزون الدول الخليجية، وبرضــى القائمــن عليها، الذيــن سيســمحون لهم بالاســتقرار والإقامة في السنوات المقبلة. إنهم يبدأون بالتدريج وبسلاسة ونعومة، وفق المثل القائل «تمسكن حتى تتمكن» وفي اللحظة التي يتمكنون فيها ينقضون على فريستهم.
إنــي لأرى النكبة الفلســطينية تتكرر فــي الخليج، أو في بعــض بلدانه من جديد، وهــذه المرة تتم بمزاج بعــض أنظمته. هكذا بدأوا في مطلــع القرن الماضي في فلســطين، حتى وقوع النكبــة1948 ، بإعــان الكيان الصهيوني. وهذا هو حال الفلسطينيين اليوم فإسرائيل
لا ترفض تقاســم فلسطين مع أصحاب الحق، حتى وفقا للقــرارات الدوليــة )%78 إلى %22( فحســب، بل يســعون للســيطرة على نصف الـ%22 الذي زرعوه بمئات المســتوطنات. إنهم، كما أســلفنا، يتحدثون عن جاليــات يهودية غير موجودة أصلا فــي أي من الدول الخليجية الست، باســتثناء البحرين. وحتى في حالة البحرين فــا يزيد عدد اليهــود الأصليين عن الأربعين حســب إحصائيات 2017 فقط، وهم يتمتعون بأكثر من حقوقهم السياسية والاجتماعية كمواطنين بحرينيين.. كما أنهم ليســوا بحاجة إلى رابطــة، إلا إذا كانت هناك أغراض أخرى في نفس يعقــوب. أما الوجود اليهودي في بقية دول الخليج فيعــادل الصفر، رغم الحديث عن وجود ما عدده بضع مئات في الإمارات، ولكنهم ليسوا مــن المواطنين الأصليــن، بل من المســتوردين لغرض الإعــداد للتطبيع. وعلى رأســهم، روس كرييل المتحدر من جنوب افريقيا، الذي انتقل للعيش في الإمارات عام 2008، وهو يرأس الجالية اليهودية المســتحدثة هناك، وتُعد أول تجمع يهودي تم تأسيســه خارج إســرائيل، بعد الحرب العالمية الثانية في الشــرق الأوسط، حسب صحيفة ألمانية. ويقول كرييل فــي هذا الصدد: «يُمكننا أن نعيش حيــاة يهودية بشــكل طبيعي هنــا وبدعم حكومي»، مضيفــاً: «الإمارات وطننا، ونحن ســعداء للغاية». وفي عــام2013 أحضر كرييل زوجته وأطفاله للعيش في دبــي.. ويُقدر كرييل عــدد اليهود في دولة الإمــارات بنحو 500 إلى 600، وحســب مصادر أخرى، فإنهم يُقــدرون بنحــو 1500. يذكر أيضا، أنه حســب الإحصائيات الإسرائيلية فإن نحو 130 ألف إسرائيلي، زاروا الإمارات منذ اتفاق التطبيع قبل نحو ستة أشهر. والحديث عن فضائحهم يسبقهم.
وفي قطر وعمان والكويت والســعودية، وباعتراف كرييل «لا توجــد جاليات حقيقية، ولكــن هناك يهودا يمكننــا تقديم جميع أنــواع الخدمات لهــم». وثمة من يزعم أن حوالي %2 من الشــعب السعودي هم يهود، ويمارسون طقوسهم الدينية بصمت خوفا من العقاب.
وأختتم بخبر يعكس الوضع الذي وصلت إليه بعض الأنظمة المهرولة والمطبعة في تعامل الكيان الصهيوني معها، بعــد أن نال مــراده منها. فبعدمــا كان نتنياهو لا يترك بابــا إلا ويطرقه من أجل القبــول به، أصبحنا نحن، أو بالأحــرى هذه الأنظمة هي التــي تطرق بابه وتســتجديه لإرســال وفود للمشــاركة في معارضها. وهذا مــا فعلته بالضبط إمارة أبو ظبــي بقيادة محمد
بن زايــد «رائد التطبيع المهرول» مع دولة الاحتلال. فقد اضطرت لاستخدام الاغراءات المالية في محاولة لإقناع نتنياهو بإرســال بعثة أمنية إلى دبــي، بعد أن رفضت لجنة الاستثناءات الإســرائيلية طلب البعثة للمشاركة في المعرض الأمني الدولي في أبوظبي»أيديكس» الذي يفترض أن يفتتح يوم الأحد ويســتمر حتى 25 فبراير/ شباط الحالي، وينظم مرة كل عامين. وستشارك فيه هذا العام 100 دولة. وتحججت لجنة الاستثناءات بإغلاق مطار تل أبيب في ظل تدابير الوقاية من عدوى كورونا. وأوضحت صحيفة «غلوبس» العبرية أمس أن منظمي المعرض أبرقوا إلــى نتنياهو مطالبين إياه بالتدخل كما جاء فــي تقرير لـ»القدس العربــي» حتى يتمكن مئات الراغبين من إسرائيل المشــاركة، في المعرض. وحسب الصحيفة «تضم البعثة الإسرائيلية 270 عضوا يمثلون 50 شركة أمنية اسرائيلية. وجاء في الرسالة التي بعثت إلى نتنياهو والموقعة من سائد المنصوري، أحد مديري المعــرض أنه أحد اهم المعارض في العالم، ويســتقطب مستثمرين من كل أنحاء الكرة الأرضية، الذين يرغبون بالاجتماع مع الإســرائيليين الذين يشاركون لأول مرة في المعرض. ووصلت المحــاولات حد الإغراءات المالية، إذ قالت الرســالة، إنه في أجواء اتفاقيات التطبيع فإن المعرض يشــكل فرصة أولى للصناعات الاســرائيلية بعــرض منتجاتها لدول الخليج، وباقي المشــاركين من انحاء العالم. وشــددت الرســالة على أهمية المشاركة الإسرائيلية بتقوية العلاقات بين البلدين.
وحذرت الرســالة من أن عدم المشاركة الإسرائيلية، لن يسبب فقط خســائر مالية تقدر بملايين الدولارات، وضيــاع التجهيزات التي اســتمرت أشــهرا، مع إلغاء اجتماعــات نظمت مســبقا بــن مســؤولين إماراتيين والبعثة الإســرائيلية، إنما أيضا سيتسبب بضرر مالي كبير للشــركات ولدولة إسرائيل. وأضافت أن «حكومة أبو ظبــي قلقة للغاية من التطــورات ومن عدم وصول البعثــة الإســرائيلية، وأن الأمــر لن يتســبب بضرر اقتصادي كبير، انما ســيلحق ضــررا بالعلاقات التي تتشكل بين البلدين».
وســبحان مغير الأحوال.. لقد اصبح نظام أبو ظبي الأكثر حرصا على مصالح إسرائيل والعلاقات مع دولة الاحتلال واعتقد أن المقبل أعظم يا نظام محمد بن راشد.
في مصطلح «الاستقرار» يكمن مربط الفرس، خاصة بعد قوانين التملك والإقامة، التي أصدرتها الإمارات لتشجيع الناس على الاستقرار في أراضيها