Al-Quds Al-Arabi

هل منع صدام حسين «البيبسي» خلال فترة حصار العراق؟

- *كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

في لقاء رغد صدام حسين الأخير، أثيرت قضية منع صدام «البيبســي» التي باتت قصة شــهيرة إعلاميا في الآونة الأخيــرة، وهي تدور حول أن صدام حســن كان يمنع عائلته من شــرب البيبسي، لأنه ممنوع عن الشعب العراقي كذلك، بفترة الحصار الأمريكي بعد عام 1991.

وما جعل هــذه القصة تروج أكثر هو مــا كتبته حرير حســن كامل ابنة رغد، عــن موقف حصــل معهم عندما حاولوا إخفاء شــرب البيبسي عن جدهم صدام، إذ روت في مذكراتها أنه في أحــد الأيام وهم يتناولون الغداء في القصر، ويشربون البيبسي، جاء أحد العاملين في القصر راكضــا وصرخ محذرا لوصول «عمنــا الريس» وتواصل حرير القصة قائلــة «نهضنا جميعا علــى الفور لنتدارك ما يمكن تداركــه قبل وصول الرئيس، قمنــا بإخفاء آثار الجريمة )البيبســي( عن الطاولة بسرعة، وإتقان مثل كل مرة، النقطة الوحيدة هي أن الوقت لم يكن كافيا. وبالفعل ثوانٍ قليلة وأطل جــدي، كانت إحدى أقوى مواهب جدي المذهلة هي قدرته على قراءة لغة الجســد، وفراســته في قراءة الوجوه. بدأت نظراتــه تتنقل بين وجوهنا بهدوء شــديد وبطء، حتما سننكشــف. ولكن جدي جلس إلى الطاولة بهدوء، ما جعلني أعتقد أن الأمر قد مرّ على خير. بدأنا نتبــادل أطراف الحديث بشــكل اعتيادي، ثم فجأة وبلا مقدمات، أمســكت يد صدام حســن إحدى الكؤوس البلوريــة، وأخذ يحركها يمينا ويســارا، ثم قلب الكأس. ورويــدا رويدا كانت قطرة البيبســي الوحيــدة في قعر الكأس تتحرك إلى الأســفل بفعل الجاذبية. وتتابع حرير حســن كامل أن صدام قال لهم: عندما أصدر قرارا فعائلة صدام حســن يجب أن تكون أول الملتزمين به. من العيب أن يمنع صدام البيبســي عن الشــعب العراقي، ثم يكون حاضرا على مائدته.

ويبدو أن انتشــار هذه القصة جعل طرحها في اللقاء المتلفز أمــام رغد صدام أمــراً ملحاً، فمــا كان منها إلا أن تجاهلت الموضوع، وتحدثت عن تقنــن صدام للماء بعد الحصار، وترشيد استخدامه، وهكذا ظلت قصة البيبسي بدون تفســير وتوضيــح للجمهور. فور انتهــاء المقابلة تحدثت مع رغد، وســألتها عن ســبب عدم توضيح الأمر،

فقالت إنها لا تراه موضوعا مهما يســتحق التعليق أصلا، لذلك فضلت عــدم الحديث عنه. في الحقيقــة أن الأمر لم يكن يتعلق بالبيبســي، وقد اطلعت عليه خلال وجودي في العراق منتصف التسعينيات للدراسة الجامعية، الذي حصل هو أن العراق بعد حــرب الكويت 1991 والحصار، أراد الحفــاظ على أســعار المــواد الغذائية الأساســية منخفضة، ومنها الســكر والطحين وهما أهم عنصرين في نظام البطاقــة التموينية، التي كانت توزع على المواطنين لدعم أمنهم الغذائي في فتــرة الحصار الخانق، ولحماية أســعار الســكر من الارتفاع، تقرر حينها منع استخدامه في أي صناعة غير أساســية مثل الحلويات والمشروبات الغازيــة )البيبســي( باعتبارها كماليــات، ومنع كذلك اســتيراد البضائع من الخــارج، وبحكــم أن جاري في منطقــة الجادرية هو وكيــل توزيع البطاقــة التموينية في المحلة التي نســكن، )وهو الحاج حيــدر اللامي حفيد الوجيــه العراقي المعــروف حجي ناجــي اللامي، الذي كانت المس بيل البريطانية تكن لهم احتراماً كبيرا( بحكم هذه الجيرة، كان لي اطلاع لســنوات على توزيع الحصة التموينيــ­ة، وأســلوب الدولة العراقية آنــذاك في تقنين استخدام الطحين والسكر بالذات، حتى لا ترتفع أسعاره بالســوق، وكذلك تزداد كلفة حصة المواطــن التموينية على الدولة العراقية المحاصرة آنذاك. وهكذا كان العراق حتى عام 1994 كما أذكــر، ولكن بعدها بعام واحد أو أقل، قام التجــار بالالتفاف على القرار، فقد قاموا ببيع الصودا لوحدها مع خلطة منفصلة للبيبسي أو الميرندا، وتغاضت الحكومة عن ذلك، وعندما كنا نشتري البيبسي من بائعي الرصيف والأكشــاك كان يســألنا أي نكهة تريد، كولا أو ميرنــدا أو ســفن آب، ثم يقوم بخلط المحلــول الخارجي المركز مع الصودا، وكانت نكهة الميرندا أقرب لـ»الرارنج» الفاكهة العراقية الشهيرة، وكأنها اكتشاف جديد، بعدها بعام أو عامين رفع الحظر، وتمت إعادة صناعة البيبســي محليا في العراق كمــا توفرت علب «قواطي» البيبســي المستورد من الأردن.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom