Al-Quds Al-Arabi

بين هجمات أربيل ومعارك سنجار: أمن العراق رهينة مخططات إقليمية ودولية

هجمات الفصائل الولائية ضد الأهداف المحددة ستستمر ضمن سيناريو الصراع الإيراني الأمريكي في العراق طالما عجزت حكومات بغداد وأربيل وواشنطن عن اتخاذ قرار المواجهة.

- بغداد ـ «القدس العربي»: مصطفى العبيدي

لم يكن القصف الصاروخي على أربيل، التصعيد الأمني الوحيد هذه الأيــام في العراق، بل هو صفحة في سيناريو إقليمي، تضاف إليه تهديدات فصائل مسلحة ولائية بمواجهة الــقــوات التركية التي تخوض معارك ضد قواعد حزب العمال الإرهـابـي شمال العراق، وتصاعد عمليات تنظيم «داعش» الإرهـابـي­ـة، بالتزامن مع تصعيد استهداف الناشطين والإعلاميي­ن والمشاركين في الانتخابات المبكرة، وكــل ذلــك بهدف خلق الفوضى والانــفــ­ات فــي الــعــراق، لخدمة مخطط إقليمي يسعى لإحكام سيطرته على البلد، إضافة إلى جر الإدارة الأمريكية الجديدة إلى مائدة المفاوضات أو المواجهة مع إيران وحلفائها.

وشـكـل الـهـجـوم الـصـاروخـ­ي الجديد على أربيل شمال العراق، الـــذي أسـفـر عـن خسائر بشرية ومادية في قاعدة أمريكية ومطار أربـيـل ومنشآت مدنية عراقية، صفعة جـديـدة لحكومتي بغداد وواشــنــط­ــن، مــن قـبـل الفصائل الولائية. وهو الهجوم الثاني على تلك الـقـاعـدة خــال أشـهـر، دون رد عـلـى المـهـاجـم­ـن «المجـهـولـ­ن المعروفين» الذين استخدموا نفس الأسـلـحـة والأســالـ­ـيــب المعتمدة في هجمات الفصائل السابقة. ورغم إعلان منظمة وهمية «سرايا أولــيــاء الــــدم» مسؤوليتها عن الــهــجــ­وم الأخـــيــ­ـر، بــهــدف خلط الأوراق، إلا أن الحزب الديمقراطي الـكـردسـت­ـانـي، بزعامة مسعود بارزاني، اتهم فصيلا يتبع «الحشد الشعبي» بالوقوف وراء قصف أربيل، فيما أعلن مستشار بارزاني، مسعود حيدر ان «خطر الميليشيات أصبح أكبر من خطر داعـش على العراق .»

والحقيقة أن الهجمات الجديدة لــم تـكـن مستغربة، ســـواء على القاعدة الأمريكية في أربيل، أو اســتــمــ­رار مهاجمة قــوافــل نقل معدات التحالف الدولي في مناطق جنوب العراق، في ضوء مواقف العجز والـتـراخـ­ي مـن حكومتي بــغــداد وواشـنـطـن وغــيــاب قــرار ردع الفصائل المنفلتة. ولـذا خيم الإحباط على العراقيين والمراقبين وهـــم يـتـابـعـو­ن ردود الأفــعــا­ل العراقية والأمريكية والدولية على اسـتـفـزاز­ات الفصائل الولائية، الــتــي اكــتــفــ­ت بـتـشـكـيـ­ل لجــان التحقيق وإصـدار بيانات الشجب والاستنكار والتهديد التي تذكرنا ببيانات الجامعة العربية تجاه الاعــتــد­اءات الإسرائيلي­ة، وسط تمسك إدارة بايدن بالدبلوماس­ية فـي التعامل مـع قضايا المنطقة العربية، وهـي السياسة التي لا تعترف بها طـهـران، بل تخدمها وتـعـيـنـه­ـا عـلـى المــضــي بتنفيذ مخططها الإقليمي بشكل أسرع من السابق، وهو ما نراه الآن في العراق واليمن وسوريا من تصاعد هجمات الفصائل الولائية بشكل أوسع.

وحتى قيام الولايات المتحدة، بــابــاغ مجلس الأمـــن الــدولــي، «إن تهيئة بيئة مـواتـيـة لإجــراء الانتخابات في العراق في وقت لاحـق هـذا العام تشمل مواجهة الفصائل المسلحة المدعومة من إيـــران وأنـشـطـة إيـــران لزعزعة الاستقرار في البلاد» يبدو نشاطا سياسيا أكثر منه إجـراءات عملية رادعة، ولا يختلف عن شجب الأمم المتحدة وتقارير بعثتها «يونامي» عن أوضاع العراق.

أمــا عـن ردود أفـعـال حكومة بغداد، فقد حفلت المواقع الإعلامية

ومــواقــع الـتـواصـل الاجتماعي بالسخرية، مــن قـــرار الكاظمي تشكيل لجنة تحقيق فـي قصف أربـــيـــ­ل، أو اســتــقــ­بــال رئـيـس الجمهورية برهم صالح للقيادي فـي الحشد الشعبي )والقيادي في كتائب حزب الله( عبد العزيز المحمداوي، لبحث الاعتداء المذكور وإجــراءات ضبط الأمـن! مع تكرار التعهد الحكومي بحماية البعثات الأجنبية في العراق.

ووسط هذه الأجواء الضبابية، يمكن الـوقـوف عند إشـــارة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في تغريدته على تويتر، بأن «الهجوم عـلـى مــطــار أربـــيـــ­ل، والأحــــد­اث الأخـيـرة قـد تكون مقدمة لإلغاء زيـارة البابا إلى العراق، أو إلغاء الانتخابات المبكرة» وهو اقرار بان الهدف هو خلق حالة من الفوضى وخلط الأوراق وتصعيد المواقف في العراق خدمة لأجندات محلية وأجنبية.

وفي شأن ذو صلة، جاء إعلان الحكومة عـنإلـقـاء القبض على عناصر من «عصابة الموت» المتورطة بعمليات اغتيالات طالت مسؤولين وناشطين وصحافيين في محافظة البصرة جنوب البلاد، وفرار بعض قادتها إلى إيران المجـاورة، ليكون مناسبة جديدة لمدى قدرة الحكومة على الصمود أمام ضغوط تمارسها قــوى شيعية لإطـــاق سراحهم وغـلـق القضية، كما حصل مع العشرات من الحــالات المشابهة، رغم ان هذه العصابة مفتاح هام لكشف «الطرف الثالث» الذي قتل الناشطين والشخصيات الوطنية والفكرية العراقية والجهة التي تقف وراءها.

وانسجاما مع أجواء التوترات، تشن الفصائل الشيعية، حملة تصعيد ضد تركيا بحجة وجود معلومات عن نيتها إرسـال بعض قواتها إلى منطقة سنجار لملاحقة عـنـاصـر حـــزب الـعـمـال التركي المعارض، الذين يتواجدون هناك مـنـذ ســنــوات، والــذيــن تربطهم علاقات مع الحشد الشعبي. وقد هددت فصائل ولائية، بالتصدي لـلـقـوات الـتـركـيـ­ة، )إذا( قــررت الـدخـول إلـى الأراضـــي العراقية، إضافة إلى قيام الحشد الشعبي بإرسال تعزيزات إلى بعض مناطق سنجار لهذا الغرض، كما نظم أتباع الفصائل تظاهرة احتجاج أمام السفارة التركية بالعاصمة بغداد.

وكـــان الـرئـيـس الـتـركـي طيب اردوغــان، أكد عقب ارتكاب حزب العمال مجزرة قتل 13 من الأسرى الأتــراك قبل أيـام في منطقة كارا شمال العراق، انه»بعد مجزرة كارا لم يعد بإمكان أي دولة أو مؤسسة أو كيان أو شخص مسائلة تركيا عن عملياتها في العراق وسوريا» و«لــم تعد قنديل ولا سنجار ولا سوريا مكانا آمنا للإرهابيين بعد الآن» كاشفا عن اتفاق مع حكومتي بغداد وإقليم شمال العراق على «اجـتـثـاث المنظمة الإرهـابـي­ـة من جـــذورهــ­ـا». علما بــان حكومات بغداد منذ 2003 تجاهلت وجود عناصر حزب العمال الإرهابي على الأراضــي العراقية التي ينطلقون منها لتنفيذ عملياتهم ضد تركيا، مما يضطر الأخيرة إلى شن هجمات على قواعدهم داخل العراق.

ومـع قناعة عامة بـأن هجمات الفصائل الولائية ضد الأهــداف المحـــددة، ستستمر طالما عجزت حكومات بغداد وأربيل وواشنطن عــن اتــخــاذ قـــرار المــواجــ­هــة، فإن التصعيد الأمني في أربيل وغيرها، هو مجرد جزء من تحرك إقليمي للضغط على الإدارة الأمريكية الجــديــد­ة واســتــفـ­ـزازهــا، ضمن سيناريو الصراع الإيراني الأمريكي فــي الـــعـــر­اق، والــهــدف المرحلي الآن هو جر واشنطن إلـى واحد مـن خيارين، أمــا رفــع العقوبات الأمريكية عن إيــران أو المواجهة الشاملة عبر الحلفاء.

 ??  ?? من قصف مطار وقواعد أمريكية في أربيل
من قصف مطار وقواعد أمريكية في أربيل

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom