هل تبشّر الانتخابات الفلسطينية باللحمة الوطنية واستعادة الجسد والروح والحلم؟
رغم عراقيل إسرائيل
ترتبط المصالحة الفلسطينية واحتمالات إنجازها بالانتخابات العامة بعلاقة سببية لكن مصير كل منهما غير واضـح بعد في ظل مؤثرات محلية وإسرائيلية وإقليمية محتملة. وعُـقـدت آخـر انتخابات فلسطينية للمجلس التشريعي «البرلمان» مطلع العام 2006 وأسفرت عن فوز «حماس» بالأغلبية، فيما سبقها بعام انتخابات للرئاسة وفاز فيها الرئيس الحالي محمود عباس. حاليا تسير الاستعدادات للانتخابات الفلسطينية المحتملة، المقررة بعد الانتخابات الإسرائيلية بـشـهـريـن، عـلـى مــا يــــرام وسـط حماس شعبي لها كما يستدل من إقــبــال واســـع جــدا على تسجيل أصــحــاب الاقــتــراح لأنفسهم في سجل الناخبين، وبالتزامن تتواصل مداولات المصالحة ومحاولة تفكيك مـا تبقى مـن معضلات ومشاكل عالقة وسط تساؤلات عما إذا كانت فعلا ستتكلل بالنجاح بخلاف مـــحـــاولات سـابـقـة كــثــيــرة. على مستوى القاعدة ونظرا للإقبال على تسجيل أسماء الراغبين بالمشاركة فــي الحـسـم الـديمـقـراطـي، كانت لجنة الانتخابات المركزية قد مددت موعد إغــاق بـاب التسجيل بعدة
ساعات. وعللت لجنة الانتخابات ذلـك بالإقبال المتزايد على مراكز الاستعلام والتسجيل، والضغط المـتـواصـل على تطبيق التسجيل الإلكتروني، ومن مبدأ اتاحة فرصة أكبر أمام المواطنين للتسجيل. كما قالت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية على موقعها الرسمي إنها انتهت من تسجيل 93.3 في المئة مـن أصـحـاب حـق التسجيل البالغ عددهم 2.809 مليون مواطن من المتوقع أن يشاركون في أول انتخابات عامة منذ 15 عاما. وتابعت اللجنة المركزية «هذه الأرقام تعكس إقبالا كبيرا على عملية التسجيل، مــا يـعـكـس رغــبــة المــواطــنــن في المـشـاركـة بالعملية الانتخابية» مشيرة إلى أن عملية التسجيل جرت «بــدون أي مشاكل تـذكـر». ويرى رئيس لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية حنا ناصر أن الإقبال الكبير للمواطنين على التسجيل الإلكتروني دليل قاطع على مدى تعطش أبناء الشعب الفلسطيني للمشاركة في الانتخابات واختيار من يمثلهم في مواقع صنع القرار، معبرا عن أمله في أن يعيد ذلك الأمل لإنهاء الانقسام وعودة الديمقراطية للأراضي الفلسطينية.
ويستعد الفلسطينيون لإجـراء الانتخابات البرلمانية في 22 مايو/ أيــار المقبل بموجب مرسوم صدر عن الرئيس محمود عباس. وينص المــرســوم الــرئــاســي عـلـى إجـــراء الانـتـخـابـات الفلسطينية على 3 مــراحــل؛ بــدايــة بالتشريعية في 22 مـايـو/أيـار، فالرئاسية في 31 يوليو/تموز، ثم انتخابات المجلس الوطني )خــارج فلسطين( في 31 أغسطس/آب. وذكرت اللجنة أنها ستفتح في 20 مـــارس/آذار المقبل باب الترشح لهذه الانتخابات التي ستكون، وللمرة الأولـــى، بموجب التمثيل النسبي الكامل من خلال الترشح عبر قوائم انتخابية. ويعطي القانون الأساسي لمن بلغ 18 عاما يوم الانتخابات الحق في المشاركة بعملية الاقـتـراع بشرط أن يكون اسمه مدرجا في سجل الناخبين، وحـــدد عـمـر المـرشـحـن لعضوية الــبــرلمــان بعمر 28 عـامـا فأكثر. وكانت قد أجريت آخـر انتخابات برلمانية عام 2006 وفازت بها حركة المقاومة الإسلامية «حـمـاس» في أول مشاركة لها في انتخابات عامة. وأصـــدرت محكمة دستورية عام 2018 قرارا بحل المجلس التشريعي، الذي بقي معطلا منذ عام 2007 بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وبموجب القانون الأساسي، تحال صلاحيات المجلس التشريعي للرئيس في حال تعذر انعقاده أو تعطله لأي سبب.
عقبات إسرائيلية
ومنذ الـيـوم الأول لـإعـان عن مرسوم الانتخابات الفلسطينية طــرحــت تـــســـاؤلات عــن احـتـمـال عرقلتها من قبل سلطات الاحتلال خـاصـة بمــا يتعلق بسيرها في مدينة القدس المحتلة. وفعلا اتهمت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» إسرائيل بأنها تستهدف التأثير على مسار الانتخابات الفلسطينية المقررة ابتداء من أيار/مايو المقبل. وقال مصدر مسؤول في حماس لوكالة الأنباء الألمانية «د.ب.أ» إن إسرائيل بـدأت منذ أيـام باستهداف واسع للحركة وقياداتها في الضفة الغربية بغرض التأثير على الانتخابات والتحضيرات لها. وأشــار المصدر لاعتقال الجيش الإسرائيلي أربعة من كبار قــادة حماس في الضفة الغربية وعـــددا آخــر مــن الصف الثاني فضلا عن تهديده العشرات من كـوادر الحركة بعدم الانخراط في العملية الانتخابية. واعتبر أن ممــارســات إسـرائـيـل تعد تدخلا مـبـاشـرا فــي التحضير الجـــاري للانتخابات الفلسطينية، ومحاولة مكشوفة لتقويض وإضعاف حماس ومنعها من خوض الانتخابات بقوة في ساحة الضفة الغربية. ومن بين المعتقلين النائب السابق عن حركة «حماس» ياسر منصور، والقيادي في الحركة عدنان عصفور، وهما من أبرز قادتها في الضفة الغربية. وسبق ذلك اعتقال قياديَين آخرَين الأسبوع الماضي في مدينة جنين هما عبد الباسط الحاج، وخالد الحاج. كما تأتي الاعتقالات بعد عشرات الاستدعاءات والاتصالات الهاتفية للمخابرات الإسرائيلية مع قيادات وعناصر «حماس» تحذرهم فيها من خوض الانتخابات بأي شكل من الأشكال، حسب مصادر في الحركة تحدثت لوكالة «الأناضول».
يرى وصفي كبها، الوزير السابق في الحكومة الفلسطينية العاشرة )التي شكلتها حماس بعد فوزها بانتخابات (2006 في الاعتقالات «تــدخــا إسرائيليا مـبـاشـرا في الانتخابات الفلسطينية». منوها أن «التهديدات الإسرائيلية صريحة، وتقول إنهم لن يسمحوا بإجراء عملية انتخابية، ولــن يسمحوا لحـمـاس بــأن تـأتـي مــرة أخـــرى». وأضاف أن الملاحقات والاعتقالات تـأتـي أيـضـا ضمن «ضـغـوط على غزة من أجل إعطاء معلومات حول الجنود والجثث )المحتجزين لدى حـــمـــاس)». وتحـتـجـز «حــمــاس» أربعة إسرائيليين في قطاع غزة، وتـرفـض الكشف عـن مصيرهم، قبل إفـــراج إسرائيل عـن عشرات المعتقلين الفلسطينيين. وشنت إسرائيل منتصف عام 2006 حملة اعتقالات واسعة في الضفة الغربية، طالت أغلب نواب حركة «حماس» في المجلس التشريعي في حينه، عقب أسر الحركة الجندي جلعاد شاليط في غــزة. ويقول كبها إن «حملة الاعتقالات الأخيرة مقصودة وانـتـقـائـيـة، والمـعـتـقـلـون ليسوا
أناسا عـاديـن، بل لهم مسيرتهم وحضورهم وتأثيرهم في العقود الأخيرة». وخلص للقول إن «اعتقال الشخصيات المؤثرة والُملهمة لا شك سيؤثر على العملية الانتخابية، وإن كــان بنسبة ضئيلة». ومع ذلــك أعــرب عـن أمله فـي أن تكون الملاحقات «دافعا لممارسة الشعب الفلسطيني لحقه فـي الانتخاب، وإفشال المخططات الإسرائيلية». من جهته، يُذكّر فؤاد الخفش، مدير «مركز أحـرار لدراسات الأسـرى»، بانتخابات مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية وبانتخابات المجلس التشريعي في 2006 والتي كانت تسبقها اعتقالات إسرائيلية. ويقول بهذا المضمار أيضا إنه «في كل مرة كان الاحتلال يحاول التدخل فــي المشهد الانـتـخـابـي باعتقال بعض الأشخاص الذين يعتقد أنهم مؤثرون وفاعلون، فهذا شيء متوقع وليس غريبا، بهدف خلط الأوراق». وأشار إلى أن الاعتقالات في الضفة الغربية مستمرة ولا تتوقف، لكن حدتها تشتد في المناسبات مثل الانتخابات وذكرى تأسيس بعض الحـــركـــات وخــاصــة «حــمــاس». وأشار الخفش إلى وجود «اتصالات واستدعاءات وتهديدات إسرائيلية، واضــــحــــة وصـــريـــحـــة، طــالــت شخصيات فلسطينية محسوبة على حركة حماس، بعد إعـان مواعيد الانـتـخـابـات». ويستبعد «وجــود أي ضمانات بعدم تدخل إسرائيل في الانتخابات» مضيفًا: «هذا قرار للاحتلال، بأنه لن يسمح لحماس بالعمل في الضفة الغربية».
في المقابل يـرى الدكتور أحمد رفيق عـوض، مدير «مركز القدس للدراسات» في تقييمه للمشهد أن «من الممكن جدا أن تؤثر الاعتقالات على العملية الانتخابي»ة. ويرجح أن كــل الــســيــنــاريــوهــات ممكنة للتأثير على الانتخابات، مشيرا إلى «المتابعة الأمنية الإسرائيلية الدائمة، والاعتقالات الممنهجة لقيادات في حركة حماس وغيرها مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين». ويقول إنه من الممكن أن تؤثر الاعتقالات عـلـى الانــتــخــابــات لافــتــا إلـــى أن التأثير المـبـاشـر لـأشـخـاص في العملية الانتخابية، فالانتخابات في فلسطين تقوم على الأشخاص. ويــضــيــف «تــغــيــيــب أشــخــاص أو تـخـويـفـهـم، يــؤثــر سلبا على المشهد الانتخابي، لأنها لا تعتمد على البرامج بقدر ما تعتمد على الأشخاص».
الانتخابات والقدس المحتلة
ومـــنـــذ أن صـــــدور مــرســوم الانـتـخـابـات الفلسطينية تلتزم إسرائيل الرسمية الصمت، فيما يتناولها معلقون إسرائيليون ويـراهـا كثيرون منهم «مـنـاورة» وسـط تشكيك بها وتحريض على الفلسطينيين ودعوة لمنع الانتخابات في القدس المحتلة. ويرى المحاضر فــي شـــؤون الــشــرق الأوســـط في جـامـعـة تــل أبــيــب الـبـروفـيـسـور
أيـــال زيـسـر أنــه «حـتـى لــو توجه الفلسطينيون إلى التصويت، فإن هـــذه الانـتـخـابـات لــن تـقـدم ولـن تؤخر، وفي أقصى الأحوال ستمنح الوظائف والتشريفات للمتنافسين، ولكنها لن تحـدث تغييرا حقيقيا على الأرض وسـتـكـون إسرائيل مذنبة». ويقول زيسر المحسوب على قوى اليمين الصهيوني، إن الرئيس عباس يشغل منذ 16 سنة منصب رئـيـس السلطة ويحكم باسمها الفلسطينيين في الضفة الغربية، ولكنه يخشى منذ اليوم من إجراء انتخابات مثلما يخشى من النار، ولا يشعر بالحاجة لأن يحظى من خلالها بالشرعية في نظر رعاياه وفي نظر العالم. ويمضي في مزاعمه «كــان يمكن دومــا اتهام إسرائيل بأنها تضع المصاعب والعراقيل التي تمنع إجراء الانتخابات. ولكن للحقيقة، فإن الرئيس عباس نفسه لا يريد انتخابات بل ويخاف منها. فبعد كل شيء، كانت آخر انتخابات اجــريــت فــي عــام 2006 وأوقـعـت مصيبة عليه وعلى كل الفلسطينيين. مثلما في المجتمعات الشرق أوسطية الأخـرى، غير المعتادة على الإجراء الديمقراطي بل وغير ناضجة له، في الحالة الفلسطينية أيضا حققت حركة حماس الأغلبية وبذلك شقت طريقها للسيطرة على قطاع غزة».
المستشرق الإسرائيلي زيسر الذي يدعو بطريقة غير مباشرة لمنع حماس من المشاركة في الانتخابات، يخلص للقول إنه مهما يكن من أمر فإن الإعلانات عن الانتخابات في السلطة الفلسطينية تضع إسرائيل أمــام معضلة. منوها أنـه في عام 2006 بضغط من إدارة جورج بوش، سمحت إســرائــيــل لحــمــاس بـأن تتنافس في الانتخابات، مع أنها رفضت الاعتراف باتفاقات أوسلو. ويضيف «النتيجة معروفة، وهذه المرة محظور على إسرائيل أن تقع في الفخ أو ان تستسلم للضغط. في كل الأحوال، مشكوك أن تجرى الانتخابات».
اتفاق الفصائل
وفــي الخلفية كانت الفصائل الفلسطينية توصلت لاتفاق بشأن معظم القضايا الخلافية المتعلقة بـإجـراء الانتخابات الفلسطينية وفق الجداول التي تضمنها مرسوم الرئيس الفلسطيني. يشار أنه بعد الجلسة الافتتاحية لأعمال الحوار الوطني الفلسطيني في العاصمة الــقــاهــرة قـــال مـصـدر فلسطيني لـــ«الــقــدس الــعــربــي» إن رئيس المخـابـرات العامة المصرية عباس كامل شارك في الجلسة إلى جانب ممثلين عن 14 فصيلا، بالإضافة إلى مستقلين. وأكد هذا المصدر أن الجلسة الافتتاحية تناولت ملفات الانتخابات العامة ومنظمة التحرير، بالإضافة إلى تأكيد رؤساء الوفود على ضـرورة التوافق على برنامج وطني ومرجعية وطنية موحدة. وكـــان الـبـيـان الخـتـامـي للحوار الفلسطيني في القاهرة قد أكد على ضرورة ضمان حياد الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة وعدم تدخلها في الانتخابات، واتخاذ آليات تضمن إجراء الانتخابات في مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة من دون استثناء ترشحا وانتخابا، والتعهد بـاحـتـرام وقــبــول نتائجها. كما أكد البيان ضـرورة معالجة نتائج الانقسام على أسس وطنية شاملة وعادلة، والاتفاق على الإفـراج عن كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الـرأي، والتوقف عن الملاحقة على خلفيات فصائلية، وضـمـان حق الفصائل في العمل داخـل الضفة وغزة.
الجهاد الإسلامي
ورغــــم الــتــطــورات الـداخـلـيـة الإيـجـابـيـة قـــررت حـركـة الجهاد الإســـامـــي عـــدم المــشــاركــة في الانتخابات المقبلة، وبررت ذلك بأن سقفها اتفاق أوسلو «الــذي أهدر حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته» فـي حـن أبـــدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تحفظها على البيان الختامي لكونه لم ينص على التمسك بقرارات المجلسين الوطني والمركزي بالتحلل من اتفاق أوسلو. على صعيد متصل يشار أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس تلقى في الأسـبـوع المنصرم اتصالا هاتفيا من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية عقب إصدار البيان الختامي لحــوار الفصائل الفلسطينية في القاهرة. وأكد هنية للرئيس عباس موقف حماس المتعلق بـالاسـتـمـرار فــي الحـــوار وصــولا لإنجـاح إجــراء الانتخابات وإنهاء الانـقـسـام. وأشـــاد هنية بنتائج الحوار، مشددا على أن هذه النتائج ما كانت لتتحقق لولا دعم الرئيس عباس وتوجيهاته. وسبق أن قال إسماعيل هنية إن الحركة «منفتحة على حوار شامل يفضي إلى ترتيب البيت الداخلي وينهي الانقسام ويؤسس لنظام سياسي يقوم على أســاس مبدأ الشراكة والتعددية السياسية.» وأكــد ضــرورة إعـادة بناء المرجعية القيادية المتمثلة في منظمة التحرير، عبر انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني. ودعا قــيــادات الـفـصـائـل الفلسطينية المـشـاركـة فـي حــوار الـقـاهـرة إلى تحمل المسؤولية التاريخية، وتجاوز ما وصفها بالمرحلة الخطيرة للقضية الفلسطينية. وأكـــد أن حماس مستعدة لاتخاذ الإجراءات المطلوبة في غزة من أجل إنجاح الانتخابات المقبلة، معربا عن أمله في اتخاذ الإجراءات ذاتها في الضفة الغربية وتـأمـن الانـتـخـابـات فـي القدس المحتلة. وتأتي اجتماعات الفصائل بـعـد نـحـو 3 أسـابـيـع مــن إصـــدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوما بإجراء انتخابات تشريعية في مايو/أيار المقبل، ورئاسية في يوليو/تموز، وذلك لأول مرة منذ عام .2006