Al-Quds Al-Arabi

أزمة كورونا تحتفظ بمفتاح عودة السياحة إلى مصر

- ابراهيم نوار

بـعـدمـا يــقــرب مــن عـــام عـلـى توقف السياحة في مصر، ما يزال مفتاح عودتها في يد أزمة كورونا، التي تسببت في شلل واحد من أهم قطاعات الاقتصاد المصري، وأدت إلى فرض إجــراءات إغلاق جزئي متقطع في البلاد منذ منتصف اذار/مارس الماضي، بعد شهر من ظهور أول حالة إصابة إيجابية في البلاد، ثم ظهور عشرات الحـالات المصابة في الأسبوع الأول من اذار/مارس على ظهر إحدى مراكب النيل السياحية العاملة في الرحلات بين الاقصر وأسوان.

ومع أن مصر اتخذت إجــراءات كثيرة لإعادة فتح القطاع السياحي بعد 3 أشهر من إعلان الإغـاق الجزئي، وقـررت فتح أبواب البلاد للسياحة رسميا منذ تموز/ يوليو الماضي، فإنها لم تتمكن من إعادة القطاع إلــى حالته الطبيعية وخسرت ما يقدر بنحو 90 في المئة من ايراداتها السياحية خـال 12 شهرا الماضية في أسـوأ أزمـة يتعرض لها قطاع السياحة منذ حادث تفجير الطائرة الروسية، عندما هبط عدد السائحين إلى 5.3 مليون سائح.

وقد أدت تداعيات أزمة فيروس كورونا إلى هبوط أشد، حيث بلغ العدد 3.5 مليون سائح فقط في عام 2020 منهم 2.4 مليون

في الربع الأول فقط، ثم 1.1 مليون في بقية العام. بنسبة هبوط للعام كله بلغت 73 في المئة، علما بأن 80 في المئة السياح الوافدين في النصف الثاني من العام جـاؤوا من دولة واحدة هي أوكرانيا. ثم امتدت أزمة قطاع السياحة إلى العام الحالي، حيث يعاني القطاع كله تقريبا من حالة شلل، أدت إلـى تشريد الأغلبية الساحقة من العاملين فيه، وزيادة حدة القلق بشأن قرب التعافي والعودة إلى الحياة السياحية الطبيعية، وتردي حال الكثير من المنشآت السياحية بسبب عدم القدرة على إجراء أعمال الصيانة والتجديد الملائمة.

وقــد وقــع المـسـؤولـ­ون عـن السياحة

في وهم أن العالم سيتغلب على جائحة كورونا خلال أشهر قليلة، لكن هذا الوهم الـذي سيطر على كثيرين في العالم، لم يلبث أن سقط مع انتشار الفيروس في كل أركان الأرض تقريبا، وأحدث شللا في حركة انتقال الأفراد عبر الحدود بوسائل النقل المختلفة. وتحصل مصر على أكثر من نصف عدد السائحبن القادمين اليها من أوروبا بنسبة 53 في المئة، بينما يسهم العرب بنحو الثلث، وتأتي النسبة الباقية من الولايات المتحدة والصين وبقية بلدان العالم. ويبلغ متوسط الإنفاق للسائح الواحد حوالي 1000 دولار خلال زيارته لمصر التي تستغرق 10 ليالي بمتوسط انفاق يقل عن 100 دولار لليلة الواحدة مقابل 550 دولارا للسائح فـي الليلة الواحدة في دبي.

وكان عدد السائحين الوافدين إلى مصر في عام 2019 قد بلغ حوالي 13 مليونا، بما يتجاوز مليون سائح شهريا، بزيادة 15 في المئة عن العام السابق، وهو ما يعادل ضعف متوسط الزيادة في منطقة الشرق الأوسط، وما يقرب من أربعة أمثال معدل الزيادة العالمي، حسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة للسياحة العالمية. وتشير تقارير المنظمة إلى أن معدل الزيادة في عدد السائحين القادمين إلى دول الشرق الأوسط في العام نفسه كان أعلى المعدلات

في العالم بنسبة بلغت 8 في المئة، في حين أن معدل الزيادة العالمي بلغ 4 في المئة فقط. تقديرات متفائلة

وعلى هذا الأساس فإن مصر وضعت تقديرات متفائلة بنمو عدد السائحين في عام 2020 إلى 15 مليون سائح، وزيـادة عدد الليالي السياحية بنسبة 15 في المئة إلـى 150 مليون ليلة، وزيــادة الإيــرادا­ت

بنسبة 30 في المئة إلى 16 مليار دولار، بما يعيد قطاع السياحة إلى ممارسة دوره الطبيعي فـي حفز النمو الاقتصادي، وتـوفـيـر نسبة مهمة مــن دخـــل مصر بالعملات الأجنبية. ويقدر معهد التخطيط القومي نسبة المساهمة المباشرة وغير المباشرة للسياحة في الاقتصاد بحوالي 12 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وأنها تستخدم حوالي 3 ملايين مشتغل سنويا، أي ما يزيد عن 10 في المئة من قوة العمل المتاحة. كما أن إيـرادات السياحة تعادل حوالي 40 في المئة من حصيلة الصادرات، وتسهم في إنعاش أنشطه الطيران والنقل السياحي والفنادق والترفيه.

لكن جائحة كــورونــا قلبت مـوازيـن السياحة المصرية كلها رأسا على عقب منذ شباط/فبراير من العام الماضي حتى الآن. ورغم أن معدل توافد السائحين إلى مصر استمر أعلى من مليون سائح شهريا في أول شهرين من العام الماضي، فإن ظهور فيروس كورونا في الصين، ثم اتتشاره في بقية أنحاء العالم أدى إلى تراجع عدد السياح الوافدين إلى مصر بنسبة 60 في المئة في شهر اذار/مــارس، مع انخفاض الدخل السياحي بنسبة مماثلة تقريبا، ليبلغ عدد السائحين في الربع الأول من العام حوالي 2.4 مليون سائح فقط.

وفي منتصف اذار/مارس أعلنت مصر إغلاقا جزئيا للاقتصاد، وبدأت في تنفيذ قائمة شاملة من الإجــراءا­ت الاحترازية، شملت تعليق رحلات الطيران بين مصر والعالم إلى نهاية شهر ايار/مايو، وغلق جميع المنافذ البرية في محافظة جنوب سيناء، وغلق المطاعم والكافيتري­ات والنوادي جزئيا حتى نهاية اذار/مارس. لكن زيـادة حدة انتشار فيروس كورونا على مستوى العالم أدت إلى تمديد العمل بسياسة الإغــاق الجزئي، حتى قررت الحكومة في حزيران/يونيو فتح الأبواب للسياحة من جديد اعتبارا من أول تموز/ يوليو الماضي، وذلك في محاولة لتعويض الخسائر التي تعرضت لها خـال فترة الإغـاق، وقررت أيضا اعتبار محافظات البحر الأحمر وجنوب سيناء ومطروح مناطق آمنة خالية من فيروس كورونا، وأعلنت تقديم العديد من الحوافز مثل إلغاء رسوم تأشيرات الدخول حتى نهاية الـعـام، وتخفيض رســوم زيـــارة المواقع الأثرية والمتاحف، لكن هذه الإجراءات لم تحقق الأهداف المطلوبة.

هبوط الإيرادات

تراجعت الإيرادات السياحية في الربع الأول من عـام 2020 بنسبة 11 في المئة فقط لتبلغ حوالي 2.5 مليار دولار، حسب تقديرات البنك المركزي المصري. وبسبب الإغلاق الجزئي والإجـراءا­ت الاحترازية، ازدادت حدة الهبوط في الإيـرادات خلال الربع الثاني لتبلغ 301 مليون دولار مقابل مقابل 3.2 مليار دولار في الفترة المقابلة من العام السابق بنسبة هبوط تبلغ 90.5 في المئة. وعلى الرغم من قرارت الحكومة باستئناف العمل في القطاع السياحي والمنشآت الفندقية مع تطبيق إجـراءات احترازية اعتبارا من أول تموز/يوليو 2020 فإن تدفق السائحين من الخارج كان في حدود 100 ألف سائح شهريا، أي ما يقل عن 10 في المئة من المتوسط السنوي، وذلك على عكس التوقعات. وإضافة إلى ذلك فقد تراجعت إيرادات شركات الطيران بقيمة 328 مليون دولار بسبب انخفاض أعداد المسافرين من وإلى البلاد تأثرا بانتشار وباء كوفيد. تشدد البلدان المصدرة للسياحة

وحتى الآن يبدو أن مصر قد خسرت تماما إيـــرادات السياحة لموسم الشتاء الأخــيــر مــع تفشي المــوجــة الثانية من فـيـروس كــورونــا. ولا تـبـدو فـي الأفـق مؤشرات مبشرة بأن السياحة في البلاد قد تتعافى في موسم إجـــازات الربيع، وذلك نظرا لتشدد الدول الأوروبية، وهي المورد الرئيسي للسياحة في مصر. ويعود هذا التشدد إلى ظهور سلالات جديدة من الفيروس أسـرع انتشارا، مما أدى إلى تعليق حركة السفر عبر الموانئ والمطارات ومراكز العبور البرية. وأصدرت هذه الدول لمواطنيها تحذيرات بعدم حجز إجـازات في الخارج لصيف العام الحالي، تحسبا لاحتمالات تمديد الإغلاق واستمرار العمل بــالإجــر­اءات الاحــتــر­ازية، وذلــك على الرغـــم من اتساع نطاق حملات التطعيم ضد الفــيروس، باســـتخدا­م اللقاحات التي أصبحت متاحة للمرة الأولــى هذا العام.

وهــكــذا فــإنــه مــع اســتــمــ­رار تهديد الإصــابــ­ات بفيروس كــورونــا، وظهور سلالات جديدة منه، وانتقالها بسرعة عبر الاختلاط والسفر، فإن مصر لن تجد طريقا لإنعاش قطاعها السياحي إلا بمحاولة تنشيط السياحة الداخلية، اعتبارا من موسم إجازات الربيع وأعياد شم النسيم، على أمل بدء تعافي السياحة في النصف الثاني من العام. لكن حظ السياحة السيئ هذا العام يأتي مع ترافق هذه الإجـازات مــع دخـــول شهر رمــضــان، واسـتـمـرا­ر الموجة الجديدة من الإصابات بفيروس كـورونـا فـي مصر، مـع ضعف مستوى الالتزام بتطبيق الإجــراءا­ت الاحترازية، وعجز الحكومة عن توفير وسائل الوقاية والعلاج اللازمة، وغياب برامج الفحص والمسح والتتبع، وهـي البرامج اللازمة لاكتشاف حالات الإصابات مبكرا للحد من انتشار الـعـدوى، إضافة إلـى نقص إمكانيات العلاج في قطاع الرعاية الصحية الحكومي، وانخفاض الكمية المتاحة من اللقاحات.

وتقدر منظمة الصحة العالمية أن نسبة واحــد فـي المئة فقط مـن مواطني دول الشرق الأوسـط، باستثناء إسرائيل، قد حصلوا على جرعة واحــدة أو أكثر من اللقاحات الواقية من الفيروس. أما في مصر فـإن النسبة تقل كثيرا عن تقدير المنظمة، وتبلغ جزءا ضئيلا من واحد في المئة.

وطالما أن معظم دول أوروبا قد حذرت مواطنيها من السفر للخارج خلال فصل الصيف، فإن حظوظ السياحة المصرية في جذب سياح أوروبيين تظل محدودة جدا. وسيتوقف تدفق السياح خـال صيف العام الحالي على قدرة الإدارة المصرية في إقامة ممرات آمنة للسياحة مع البلدان الأخرى المصدرة للسائحين إلى مصر مثل روسيا وأوكرانيا والسعودية والكويت،

وهو ما يتطلب تطبيق إجـراءات للسلامة الصحية والوقاية من فيروس كورونا في المنتجعات السياحية الساحلية على وجه الخصوص التي تجتذب وحدها ما يقرب من 90 في المئة من السائحين.

ولا شك أن الــدول المصدرة للسياحة تراقب عن كثب الأوضـــاع الصحية في بلدان المقاصد السياحية، للتأكد من سلامة مواطنيها وضمان ألا يحمل واحد منهم معه لدى عودته عدوى بفيروس كورونا أو إحدى السلالات الجديدة له، تنتشر بين السكان. ولهذا فإن مفتاح عودة السياحة إلى مصر يتوقف على مدى قدرتها في محاصرة الفيروس محليا وتنفيذ برنامج شامل لإجراء الفحوص المجانية، والالتزام بإجراءات العزل والرعاية الصحية الكافية لدى اكتشاف الحـالات المصابة. والأهم مـن ذلــك هـو تنفيذ بـرنـامـج للتحصين باستخدام اللقاحات الواقية من الإصابة بالفيروس. ونظرا لأن السفر والاختلاط هو أهم مصادر العدوى، فإنه بدون تلك الإجــــرا­ءات والـبـرامـ­ج الوقائية ستظل السياحة في مصر رهينة لخطر إصابة السائحين بفيروس كورونا، وهو خطر يتعلق بصحة وحياة السائح الفرد، قبل أن يكون مسؤولية حكومة بلاده.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom