Al-Quds Al-Arabi

سيف الرحبي: «بومة منيرفا»

-

أصدر الشاعر العُماني البارز سيف الرحبي أكثر من 15 مجموعة شعرية، كانت الأولى بعنوان «نورسة الجنون»، 1981؛ ولكنه اعتاد أيضاً إصدار مختارات من المقالات التي تتناول رحلاته الكثيرة بين شرق وغرب، وكذلك المقالات التي تستهل أعـداد مجلة «نـزوى» التي يـرأس تحريرها. وهـذا الطراز من الإصــدارا­ت لم يكن مجرد استجماع لافتتاحيات تأملية متعددة الاهتمامات، أدبية وفكرية وسياسية، فحسب؛ بل كان، أيضاً، مناسبة القارئ للوقوف على نثر الشاعر في مستوياته البيانية والجمالية والفلسفية، وعلى سلسلة الخصائص اللغوية والتعبيرية والبنيوية التي تجعل مقال الرحبي النثري مرآة عالية الاستقلال ولا تعكس بالضرورة سمات قصيدة النثر المتميزة التي اعتاد كتابتها.

مختاراته الجديدة، «بومة منيرفا»، تأخذ عنوانها من إحدى المقالات داخل المجموعة، ولكنها بالطبع تعود إلى عبارة الفيلسوف الألماني فردريك هيغل عن البومة التي كانت ترمز إلى الحكمة والفلسفة عند قدماء الإغريق، ولا تحلق إلا في الظلام حتى ساءت

سمعتها وتحولت إلى رمز للشؤم والخـراب. و«في المنحى العربي الشرقي»، يكتب الرحبي، «نجد البومة في أسوأ صورها، حتى لدى حيوانات ابن المقفع، حيث يقوم الغراب بقذف البومة بأقبح الصفات صورة وصوتاً وسلوكا». في الكتاب وصف لثلاث رحـات، أبرزها طنجة التي تفتتح المــوادّ؛ تليها 11 مقالة متنوعة الأغراض، لا تخلو من انزياحات شعرية لامعة بين حين وآخر، كما في النصّ التالي: «غروبٌ على دير الراهبات يسيل شبقاً على النحور والشفاه غروب على ثكنة للعسكر غروب على ضفاف الأحلام غروب على مكبرات للصوت تنعق بالكوابيس والوعيد غروب على الصبايا المراهقات يتقافزن على حبال الأمنيات غروب على المقابر والجوامع والاسطبلات غروب على الشعراء والعشاق على الجلادين والسجون غروب يحمل البلاد إلى حتفها في مقبرة السُلالات... ٭ ٭٭

بعد قليل تذهب الأشجار إلى غروبها تعانق الظلال والأشباح ٭ ٭٭ القرويات يحملن الغروب في جرار الفخار على الرؤوس والأكتاف الحطابون، أحلام الشجر المكسور وقوداً لشتاء قادم رجال الأعمال يحملون الحقائب الُمثقلة بالمظالم والجروح.. ٭ ٭٭ عطر حضورك يملأ آفاقي بحكمة الورد وجنون الأطفال.

 ??  ?? الآن ناشرون، عمّان 2020
الآن ناشرون، عمّان 2020

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom