Al-Quds Al-Arabi

السودان يخفّض قيمة عملته المحلية: ترحيب أمريكي ومخاوف من ارتفاع الأسعار

«الحرية والتغيير» اعتبرت الخطوة «قفزة في الظلام» ورضوخا للبنك الدولي

- الخرطوم ـ «القدس العربي» من عمار عوض:

خفّض بنــك الســودان المركزي قيمــة العملة المحليــة خفضا حــادا، أمــس الأحــد، معلنا عن نظــام جديد «لتوحيد» ســعر الصرف الرســمي وسعر السوق الســوداء، في مسعى لتجاوز أزمة اقتصادية معقــدة والحصول علــى إعفاء دولي من الدين. وفيما عبــر مواطنون عن مخاوفهم من ارتفاع الأسعار مجدداً، رحبت السفارة الأمريكية في الخرطوم بالقرار.

وقــال وزير المالية الجديــد جبريل ابراهيم إن «اتخاذ قرار توحيد سعر الصرف تم بعد التشاور مع كل الوزارات والجهات ذات الاختصاص وبعد اتخــاذ حزمة مــن التدابير الكفيلــة بالتحكم في جانبي العرض والطلب علــى العملات الأجنبية والاطمئنان على انسياب الســلع الاستراتيج­ية لفترة زمنية حيث تتوفر كميات كافية دون انقطاع والاطمئنان علــى توفر قدر معتبــر من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي.»

وعن المخــاوف من الآثــار التضخمية لمثل هذا القرار، أشار إلى «اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير التي ستؤدي إلى استقرار وتحسن سعر الصرف للعملة الوطنية من جهة، والقضاء على العجز في الموازنة العامة .»

«التحلي بالروح الوطنية»

وتابــع « لدينا منح وصلت إلينــا وأخرى في الطريق، يمكن أن تمثــل الاحتياطي اللازم، كما لا يشمل هذا القرار سعر الدولار الجمركي.»

وأهــاب بالمؤسســا­ت والمواطنــ­ن المتعاملين بســوق العملات الأجنبية بــأن «يتحلوا بالروح الوطنية الخالصــة ويبتعدوا عــن المضاربة في ســوق العملات ســعياً لتحقيق مكاســب آنية» موضحاً أن «ما يتحقق للجميع والاقتصاد الوطني من خير مرتجى نتيجة هذا الإصلاح أشــمل وأكبر وأكثر ديمومة من مكاسب المضاربات المؤقتة.»

وقال البنك المركزي في بيان «صدرت منشورات وضوابط موجهة للمصارف وشــركات الصرافة لتنفيذ الرؤية الإصلاحية للدولة اعتباراً من الأحد وذلك بتوحيد سعر الصرف.»

وبــن أن على «المصارف إعلان أســعار صرف العملات الأجنبية بناء على قوى العرض والطلب في الســوق على لوحة العرض قبــل التعامل مع الجمهور .»

وعلــى إثر ذلك أظهرت اللوحــات الإلكتروني­ة بالمصارف، الأحد، أن ســعر صــرف الدولار 375 جنيها للشــراء و393 جنيها للبيع وســعر صرف اليورو 451 جنيهــا للشــراء و474 جنيها للبيع. وهذه الأســعار أعلى من سعر الصرف في السوق المــوازي للعملة، فــي محاولة فيمــا يبدو لجذب العملات الصعبة للبنوك.

وأكــد المركــزي أن السياســات الجديدة من شأنها توحيد واستقرار ســعر الصرف وتحويل الموارد من الســوق الموازي الى الســوق الرسمي واســتقطاب تحويــات الســوداني­ين العامليين بالخارج وتدفقات الاستثمار الأجنبي.

وأوضح أن هذه السياســات تساهم أيضا في تطبيع العلاقات مع مؤسســات التمويل الإقليمية والدولية والدول الصديقة، بما يضمن استقطاب تدفقــات المنــح والقــروض وتحفيــز المنتجين والمصدريــ­ن والقطاع الخاص والحــد من تهريب السلع والعملات.

كما أفاد بأن من شــأن هذه السياســات ســد الثغرات لمنع استفادة المضاربين من وجود فجوة ما بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازي والمســاعد­ة في العمل على إعفاء ديون السودان الخارجية بالاســتفا­دة من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون.

وأجــاز المركــزي للمصارف تعديل أســعارها المعلنة في أي وقت خــال اليوم، لكن بعد إعلانها على لوحة الأسعار.

وأكــد أنــه سيحتســب لاحقا ســعر الصرف التأشــيري للدولار على موقعه الإلكتروني بناء على سعر الصرف الذي تم التعامل به في السوق بواسطة البنوك والصرافات خلال اليوم السابق، قبل بداية دوام العمل.

وقال محافظ البنك المركزي، محمد الفاتح زين العابدين، للصحافيين إن الســلطات «لن تتحكم في سعر الصرف».

وزاد: «القرار ليس تعويما ولكن سياسة المرن المدار».

وأبلغ مواطنون في وســط الخرطوم «القدس العربي» عن تخوفهم من سياســة تحرير ســعر الصرف على حياتهم المعيشية.

أحمد الذيا، يعمل موظفــا في القطاع الخاص، قال: «نحن لا نتعامل بالدولار، لذا لا نهتم بسعره، ولكننا نخشــى من أن تقود عملية توحيد السعر هــذه إلى ارتفــاع تكاليف الحياة مجــددا مثل ما حدث عند تحرير سعر الوقود والدقيق )الطحين( حيث تحولت الحياة إلى جحيم لا يطاق بفعل هذا التحرير، وصار الراتب لا يكفي لشراء احتياجات ثلاثة أو أربعة أيام بفعل التضخم في أسعار السلع الاستهلاكي­ة .«

وســارت فاطمــة )اكتفت باســمها الأول( في الاتجاه نفسه، وقالت: «نحن أصبحنا مسحوقين، وحالنا يغني عن ســؤالنا بفعل سياســات هذه الحكومة التي وعدتنا بتقديم دعم مباشر للفقراء بفعل سياســات تحرير سعر الوقود، لكنها لم تف بوعدها الذي كررته اليوم أيضــا، مع أني لا أفهم في ســعر الدولار لكن ما أراه من سياسات سابقة يجعلنــي غير مطمئنــة وبهذه الطريقــة الناس ستأكل بعضها من الجوع الذي استفحل.»

وفي الســياق ذاته، قال نائــب رئيس اللجنة الاقتصادية لقوى «الحرية والتغيير» عادل خلف الله، إن الطاقم الاقتصــاد­ي للحكومة لم يبلغهم

بتوفــر أي احتياطات نقدية مــن العملة الصعبة لاتخاذ قرار توحيد صرف الجنيه.

واعتبر في حديــث لموقع «ســودان تربيون» الخطــوة «قفزة في الظــام» ورضوخا لمطلوبات البنك الدولي الذي ســيزور فريق المراقبين التابع له الســودان مطلع مــارس/ آذار المقبــل وأكد أن القرار يمثل تجاوزا لموازنــة عام 2021 التي أقرت تحقيق نمو في حدود 1٪ بينما القرار ســيقلص النمــو إلى ســالب 4، فضلا عن زيــادة التضخم لمستويات قياسية أخرى رغم أن الموازنة خططت أن يكون في حدود 95٪

«في صالح الكادحين»

لكن القيادي في حزب «المؤتمر السوداني» نور الديــن عثمان، دافع عن الخطــوة، وقال في مقال نشــره أمس الأحد «اتخاذ هــذا القرار في ظاهره ضد الطبقــات الضعيفة، تماماً كقضية رفع الدعم، ولكن في الحقيقة هذا القرار في مصلحة الكادحين والمعدمين وعمال اليومية والموظفين وكل الطبقات المقهورة».

وتابع «اعتقد أن أي وقت مر في الســابق، كان خصماً على قرار تعويم الجنيه وكل وقت ســيمر

في المستقبل سيكون خصماً على هذا القرار، وكل المعطيات التي يســوقها الرافضون للقرار تتحقق الآن في الواقع دون حتى تطبيقه، دعونا نخوض هذه التجربة بشجاعة وسنجني ثمارها قريباً.»

إرباك في الأسعار

وحسب ما قال مصدر حكومي مطلع لـ«القدس العربي» فإن «القرار سيولد حالة سباق محدودة بين الســوق الموازي والســعر الذي تشــتري به البنوك، ما سيخلق ارتباكا في أسعار السلع، لكن لوقت محدود ما بين شهرين إلى ثلاثة مثل ما حدث عند تعويم الجنيه في مصر، ولكن بعدها ســيبدأ السعر بالاستقرار».

وتابع، دون كشف هويته «لدينا مبلغ احتياطي نحو 800 مليون دولار ونتوقع أموالا من الولايات المتحدة والدول الغربية والعربية التي اشترطت معالجــة اختلال ســعر الصــرف حتــى لا تبتلع السوق الســوداء الأموال التي سيدفعونها. وهو ما فعلناه الآن وستبدأ أموالهم بالتدفق قبل نهاية منتصف العام الحالــي، بما في ذلك الاقتراض من البنك الدولي وإعفاء الديون، وهي مكاسب كبيرة ســتبدأ تظهر في حياة المواطن قبــل نهاية العام،

وما كان لنــا أن نحصل على هــذه الهبات والمنح والإعفاءات والقروض بــدون معالجة الخلل في سعر الصرف .»

الخبيــر الاقتصــاد­ي محمد النايــر، اعتبر أن سياسة تحرير سعر الصرف تتطلب امتلاك الدولة احتياطيا نقديا لا يقــل عن )5( مليارات دولار في خزينتهــا لتلافي الآثــار الكارثية التــي يمكن أن تحدث نتيجة لعدم التطبيق السليم للقرار.

وتخوف من زيادة الــدولار الجمركي، خاصة وأن البنك المركزي لم يتحــدث عن قضية توحيد سعر الصرف التي تخص الدولار الجمركي بشكل مباشر.

وأضاف أن الســوق الموازي سيكون في حالة ترقب، ومن ثم يبدأ مرحلة الصعود التي ستؤدي لمزيد من تدهور العملة الوطنيــة في حالة لم يتم الإعــان عن قيمة الاحتياطــ­ي النقدي ومحفزات جــذب تحويلات المغتربــن والتدفقــا­ت النقدية لخزينة الدولة.

إلــى ذلك رحبت فيــه الســفارة الأمريكية في الخرطوم، بقرار الحكومة.

وقالت فــي بيان على صفحتها الرســمية على فيسوك «يمهد هذا القرار الطريق لتخفيف الديون ويزيد بشــكل كبير من تأثير المســاعدة الدولية، والتي كان يتعين في الســابق إنفــاق الكثير منها بســعر الصرف الرســمي مما يوفر جزءا صغيرا فقط من قيمتها المحتملة للسودانيين.»

وأكــدت أن القــرار «سيســاعد بشــكل كبير الشركات السودانية ويزيد الاســتثما­ر الدولي، حيث لن تواجه الشركات المحلية.»

وتأتي هذه الخطوة بعد أســبوعين من تعيين رئيس الوزراء عبد الله حمــدوك حكومة جديدة لتضم جماعــات متمردة وقعت اتفاق ســام في أكتوبر/ تشرين الأول، من أعضائها إبراهيم.

ويعمل حمــدوك تحــت مظلة مجلــس مدني عســكري مشــترك تولى الســلطة عقب الإطاحة بحكم عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019.

ونجــاح العملية الانتقالية ضــروري لتحقيق الاســتقرا­ر في منطقــة مضطربــة، بينما يخرج السودان من عقود من العزلة الدولية.

ورفعــت الحكومة العام الماضــي معظم الدعم عن الوقود تلبية لمطلب رئيســي آخر للمقرضين، وحذفــت الولايات المتحدة اســم الســودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب بعد موافقة قادته على خطوات نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

لكــن الأزمة الاقتصاديـ­ـة التي أشــعلت فتيل الاحتجاجات الحاشــدة ضد البشــير مــا زالت مستمرة، ومن أبرز سماتها شــح الوقود والخبز وانقطاع الكهرباء، وتسارع التضخم السنوي إلى أكثر من 300 في المئة، وهــو من أعلى المعدلات في العالم.

واندلعت احتجاجات عنيفــة على غير المعتاد هذا الشــهر في عدة مناطق في البــاد، واتهمت السلطات فلول النظام السابق بالمسؤولية عنها.

وتأجل بســبب فجوة ســعر الصرف، برنامج لدعم الأسر ممول من المانحين، يهدف إلى تخفيف وقع تخفيضــات الدعم، لكن زين العابدين قال إن الأموال الي ســتُنفق على أساس ســعر الصرف الجديد ستُصرف لوزارة المالية اعتبارا من اليوم الإثنين. وقال بعــض الاقتصاديي­ن إنهم يتوقعون أن يكون تأثير خفض قيمــة العملة محدودا على التضخم، لأن معظم المعاملات تجري بالفعل بسعر السوق السوداء.

 ??  ?? أحد الأسواق في السودان
أحد الأسواق في السودان

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom