Al-Quds Al-Arabi

هل تمارس الصين ضغوطاً على تركيا وتربط لقاحات كورونا بملف الأيغور؟

- إسطنبول ـ «القدس العربي» من إسماعيل جمال:

في وقت مبكــر، أعلنت تركيا أنها ســوف تكون من أوائل الدول التي ســتحصل على اللقاح الصيني المضاد لفيروس كورونا، لكنها اليــوم تواجه صعوبات وبطئــاً في عمليات التسليم ما أثار الشــكوك وفتح الباب واسعاً أمام الكثير من التســاؤلا­ت أبرزها حول ما إن كانت الصين تمارس ضغوطاً على تركيا وتحاول ربط ملف الأيغور المعقد بلقاحات كورونا.

وحسب تصريحات ســابقة للرئيس رجب طيب اردوغان ووزير الصحة، فخر الدين قوجه، فإن تركيا ســوف تحصل -في المرحلة الأولى- على 50 مليون جرعة من لقاح كورونا الصيني، على أن تتوصل لاتفاقيــا­ت جديدة للحصول على كميات أكبر في أقرب وقت ممكن.

وفي نهاية/كانون الثاني العام الماضي، وصلت أول دفعة مــن اللقاح الصيني إلى تركيا وبلغت 3 ملايين جرعة، قبل أن تصل الدفعة الثانية تباعاً نهائية يناير الماضي، حيث تشــير التقديرات إلى أن إجمالي ما وصل تركيا حتى الآن لم يتجاوز الـ10 ملايين جرعة من أصل قرابة 50 مليون تم الاتفاق عليها بين البلدين.

وهذه الوتيرة في التســليم لا تؤشــر على الإطلاق على

إمكانيــة أن تصل 100 مليون جرعة لتركيا بحلول نيســان/ أبريل المقبل، حســب تصريح ســابق لوزير الصحة التركي تحدث فيه لصحيفة محلية عن أن بلاده ســوف تستلم 100 مليون جرعة بحلول هذا التاريخ الذي بات قريباً.

وبناء على هذه الأرقــام، طرحت المعارضة التركية الكثير من التســاؤلا­ت علــى الحكومــة تركزت حول مــا إن كانت تتعرض لضغوط صينية لتســليم الأيغور مقابل اللقاحات، وحول مــا إن كانت الحكومــة التركية قد رضخــت بالفعل لبعض الضغــوط الصينيــة المتعلقة بملف الأيغــور ومنها تســليم مطلوبين أو عدم ممارسة ضغوط سياسية على بكين لوقف انتهاكاتها ضد الأيغور الأتراك أو الحد من نشاطهم في تركيا.

وعلى الرغم من أن الصين صادقت، مؤخراً، بشــكل نهائي على اتفاقية تبادل تسليم المطلوبين مع تركيا، إلا أن تركيا ما زالت تماطل حتى اليوم فــي التوقيع على الاتفاقية التي كان يتوقع أن يصــادق عليها البرلمان التركي فــي يناير/كانون الثانــي الماضي، حيث اتهمت بالســابق المعارضــة التركية الحكومة بالرضوخ لضغوط صينية للمصادقة على الاتفاقية من أجل تســليم أيغور لبكين، إلا أن الحكومة نفت ذلك، ولم تمرر الاتفاقية بالفعل حتى اليوم.

وفي تصريح ســابق، قال وزير الخارجية التركي، مولود جــاوش أوغلــو، إن المصادقة علــى اتفاقية تبادل تســليم المطلوبين مع الصين «حتى وإن تمت لا تعني أن تركيا سترحل أفراداً من الأيغور للصين» مشــدداً على أنه «ليس من العدل القول إن هذه الاتفاقية هدفها ترحيل هذه الأقلية».

كما نفت تركيا بشــكل قاطع تقارير نشرتها صحف دولية عن أنها رحلت عشرات من الأيغور كانوا محتجزين في مراكز الترحيل إلى الصين عبر دولة ثالثة هي طاجكســتان. وقبل أيام، أصدر وزارة الداخلية بياناً رسمياً نفت من خلاله إعادة مجموعــة من الأويغــور إلى الصين، بســبب دخولهم تركيا بجوازات سفر مزورة.

وجاء في بيــان دائرة الهجرة التابعة للــوزارة: «مزاعم ترحيل أتراك الأويغور إلى الصين لدخولهم )تركيا( بجوزات سفر مزورة عارية من الصحة» مشيرة إلى أن المجموعة التي تحدثت عنها منصات التواصل الاجتماعي تضم 11 شخصاً، وصلوا مطار أتاتورك بمدينة إســطنبول في 29 ديســمبر/ كانــون الأول 2018 و «بعد إجــراء التحريات اللازمة بحقهم تبيّن أنهم من أقلية أتراك الأويغور، وسُمح لهم بدخول تركيا، بتعليمات صادرة عن الوزارة.»

ورغم ذلك، ما زالت المعارضة التركية بتوجهاتها المختلفة توجــه اتهامات قاســية للحكومــة بالتخلي عــن الأيغور الذيــن يعتبرون من أصــول تركية ويتحدثــون لغة قريبة منها. وتتزامن اتهامات المعارضــة مع تصعيد الأيغور الذين يعيشون في تركيا لتحركاتهم لإبراز قضيتهم للعالم للضغط على الصين من جانب، ولمنع تركيا من تسليم أي منهم للصين حيــث يقولون إن بكين تمــارس ضغوطاً هائلــة على أنقرة لتسليمهم.

ويعيش قرابة 50 ألف من الأيغور في تركيا، نجحوا خلال العقود الماضية في الوصول إليهــا بطرق مختلفة خاصة في الســنوات الأخيرة التي صعدت فيها الصــن من إجراءاتها ضدهم، وفي الأيــام الأخيرة نظموا تظاهرات شــبه يومية

أمام الســفارة الصينية في أنقرة وقنصليتها في إســطنبول للمطالبة بمعرفة مصير أقاربهم في الصين.

وفي ظل هــذه المعطيات، تبــدو الحكومــة التركية أمام خيارات صعبة، فهي مــن جانب بحاجة إلى أكبر كمية ممكنة من لقاحات كورونا في أقرب وقــت، والحفاظ على علاقاتها ومصالحها الاقتصادية المتزايدة مع الصين، ومن جهة أخرى الوقــوف بجانب أتــراك الأيغور الذين يعتبرون بالنســبة لشريحة واسعة من الشــعب التركي قضية وطنية يمكن أن تثير الشــارع ضد الحكومة لو ثبت بالفعل أنها سلمت أفراداً منهم للصين.

ورغم ممارســة الضغوط ضغوطاً أخــرى على الحكومة التركية من أجل عدم إبراز ملــف الأيغور المتصاعد عالمياً، ما زالت وكالة الأناضول الرســمية ووسائل الإعلام الحكومية المختلفة تبرز بشكل شبه يومي أخباراً وتقارير حول معاناة الأيغور والانتهاكا­ت الصينية ضدهم، وهو ما يظهر بشــكل أوضح صعوبة استجابة الحكومة التركية للضغوط الصينية في ملف معقدة وحساس بالنسبة للشعب التركي.

ويتوقع أن تواصل الحكومة التركية سياستها المتبعة في الســنوات الأخيرة والمتمثلة في محاولة الموازنة بين الأمرين وعدم ربط مصير العلاقــات التركية الصينية بملف الأيغور وهي سياســة نجحت ولو جزئياً خلال الســنوات الماضية، ولا يعرف إلى أي مدى يمكن أن تنجح هذه السياســة خلال الأشهر والسنوات المقبلة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom