Al-Quds Al-Arabi

ترامب... الخروج الصاخب

- *كاتب عراقي

تجمعت المعطيات لدى نواب الحزب الديمقراطـ­ـي للضغط سياســيا على دونالد ترامــب لإخراجــه نهائيا من المشهد السياسي للبلد. وواجهوا بسبب موقفهم هذا العديد من الشــكوك، بينما بدا موقف الحــزب الجمهوري متذبذبا وغير محســوم، فهل ســيدينون ترامب في دعــوى العزل التي طالب بها الديمقراطي­ون؟ أم ســيقفون معه في محاولة لإغلاق هذه الصفحة الإشكالية من تاريخهم.

موقف الحزبين الأمريكيين من دعوى عزل وإدانة الرئيس الســابق ترامب يمكــن قراءتهــا بايجاز كما يلــي؛ الحزب الديمقراطي طالب باتهام دونالد ترامب لأنه حرّض أنصاره على اســتخدام العنف في الهجوم على مبنى الكابيتول يوم 6 كانون الثاني/يناير، لذلــك رأى الديمقراطي­ون أن ترامب يمثل خطرا على الحياة السياســية وقيــم الديمقراطي­ة في الولايات المتحــدة الأمريكية. في المقابــل كانت حجة معظم أعضاء الحــزب الجمهوري في الدفاع عــن ترامب، هي نفي قيامــه بالتحريض على العنف، وأن إثــارة موضوع العزل قبيــل انتهاء ولايــة الرئيس بأســبوع واحد فقــط وبهذه الطريقة، لن يخدم جهود المصالحــة التي يدعو لها الرئيس بايدن، كما أفاد الجمهوريون بأن العملية ســتجري بسرعة

ومــن غير تحقيقــات كافية، لذلــك هم يفضلــون طي هذه الصفحة مع خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض.

بعد تســلم الرئيس بايدن مهامه، توقع البعض أن الأمر قد انتهى، ولا حاجة للاســتمرا­ر في إجراءات عزل الرئيس، الذي بات خــارج البيت الأبيض، إلا أن صقور الديمقراطي­ين أصروا على المضي قدما في إجراءات محاكمة وإدانة ترامب، والانتقال للخطــوة الأهم وهي المطالبة بالتصويت على منع الرئيس الســابق من تولي أي منصب فيدرالي مســتقبلا، وبذلك يتــم القضاء على مســتقبله السياســي ومنعه من الترشح لدورة رئاسية مقبلة.

طعن عــدد مــن الجمهوريــ­ن فــي مجلس الشــيوخ، بدستورية المحاكمة، كونها المرة الأولى التي تتم المطالبة فيها بعزل رئيس هو أصلا خارج سلطاته الرئاسية، وبالتالي لا معنى منطقــي للمحاكمة، وأن الدســتور الأمريكي وفقراته الخاصة بعزل الرئيس لا تنطبــق على حالة دونالد ترامب، ما حدا بمجلس الشيوخ يوم 9 شباط/فبراير إلى التصويت على دســتورية إجراء المحاكمة، وتم تمرير قرار الاســتمرا­ر بالمحاكمة بالحصــول علــى الأغلبية البســيطة، إذ حصل التصويــت على موافقة 50 عضوا من الحــزب الديمقراطي، بالإضافــة إلــى موافقة خمســة أعضاء مــن الجمهوريين، وبناء على ذلك تم تحديــد موعد المحاكمة، وانتظر المراقبون الإجراءات التي ستتم مع توقعات بعدم قدرة الديمقراطي­ين على تمرير قرار الإدانة. ابتدأت إجــراءات المحاكمة يوم 10 فبراير، ومنح كل جانب )الادعاء والدفاع( 16 ســاعة لتقديم مرافعاتهم. قدمت الشــهادات والدفوع، وعرضت تسجيلات فيديو لأحداث اقتحــام مبنى الكابيتول، الذي قام به أنصار ترامب الذيــن كانوا يرتــدون قبعات حملتــه الانتخابية، ويرفعون اللافتــات المؤيدة له، وعلى مدى ثلاثة أيام لاحقة تناوب فريق من تســعة نواب على اســتعراض أدلة أحداث الشــغب التي وقعت مصحوبة بخرائط مبنــى الكابيتول، التي أظهرت كم كان المقتحمون قريبين من ساســة أمريكيين، بينهــم نائب الرئيــس الســابق مايك بنس. لكــن محامي دفاع ترامــب أصروا علــى أن الرئيس الســابق، لم يوجه أو يطلب مــن مؤيده القيام بهذا الســلوك، ولا يوجد إثبات على تحريضه على العنــف. تم تمديد وقت المحاكمة، نتيجة طلب الديمقراطي­ين لتقديم المزيد من الشــهادات، ما يعني أن محاكمة ترامب كانت ستستمر لأيام أخرى لاحقة، لكن تغير القرار بشكل مفاجئ إلى عدم الاستمرار بالاستماع لشهادات

جديدة، والذهاب للتصويت على قرار الإدانة. تم التصويت على القرار في مجلس الشــيوخ الأمريكي يــوم 13 فبراير، ولم يحصــل إلا على 57 صوتا أيدوا إدانــة ترامب مقابل 43 صوتا مع براءته، وبذلك لم يحصل قرار الإدانة على أغلبية الثلثين، فتمت تبرئة ترامب من جميع التهم المنسوبة إليه.

لم ينته الأمر عند هذا الحد من وجهة نظر بعض المراقبين، الذين توقعوا ما وصفــوه بالعاصفة القضائية، التي تنتظر دونالد ترامب بعــد خروجه من البيت الأبيض، إذ أن هنالك العديد مــن القضايا التي اســتطاع ترامب وهو في ســدة الرئاســة من التأثير فيها وإغلاق ملفاتهــا، ومن بينها ملف التهرب الضريبي، والعديد مــن القضايا المالية المعقدة التي تواجــه امبراطورية ترامــب العقارية فــي نيويورك، ومن المتوقــع أن يقدم ترامب طعناً أمام المحكمــة العليا ضد طلب تســليم إقراراته الضريبية، وربما تتم هناك تســوية الأمر، لكن يبقى الأمر محفوفا بالمخاطــر، إذ علق جوناثان تورلي أستاذ القانون في جامعة جورج واشنطن على هذه النقطة في تصريح صحافي قائلا ؛ «أهم التحقيقات الجنائية هي تلك التي تبحث في سجلات دونالد ترامب الضريبية والمصرفية، ولكن هل هناك قضية جنائية، هذا أمر لم يتضح بعد». كذلك قادت المدعيــة العامة لولاية نيويــورك ليتيتيا جيمس منذ مارس/ آذار 2019 تحقيقاً مدنياً بشــأن ما إذا كانت مؤسسة ترامب قد قامت باحتيال عقاري، وتعود جذور هذا التحقيق إلــى تصريحات مايــكل كوهــن محامي ترامب الســابق، الذي أخبــر الكونغرس في جلســة اســتماع وتحقيق في فبراير2019 ، حين قال كوهــن إن ترامب قام بتضخيم قيمة أصول ممتلكاته لتأمين قروض، ثم قلل من قيمتها لتخفيض ضرائبه. وقد أعطت شهادة كوهين أسباباً لجيمس كي تطلب الاطلاع على معلومات بشــأن امبراطوريـ­ـة العقارات التي يملكهــا ترامب، وعليهــا الآن أن تحارب داخــل المحاكم من أجل الحصول على تلك المعلومات. كمــا يتوقع المراقبون أن يواجه دونالد ترامب اتهامات متنوعة من بينها تهم بالفساد واستغلال السلطة في قضايا قبول هدايا وامتيازات، يمنعها الدستور الأمريكي، بالإضافة إلى خمس قضايا تتعلق بسوء السلوك الجنسي.

ميتــش ماكونيل زعيــم الأقلية الجمهوريــ­ة في مجلس الشــيوخ تقلب موقفه في غضون الأسبوعين الفاصلين بين تصويت مجلس النواب علــى إدانة دونالد ترامب، وانتقال الأمر لمجلس الشــيوخ للتصويت على الإدانة، فبعدما صرح عدة تصريحات أضمرت موقفا ســلبيا من ترامب، بعد أزمة اقتحام مبنــى الكابيتول، تغير موقفه إلــى دعم ترامب في التصويــت في مجلس الشــيوخ، أو على الأقل ســعى لطي هذه الصفحة بكل مشاكلها. لكنه عاد بتصريح ناري يوم 13 فبراير قــال فيه، إنه على الرغم من تصويته لتبرئة الرئيس الســابق في قضية التحريــض على التمــرد، إلا أن ترامب «مســؤول عملياً وأخلاقياً» عن الهجوم الدموي الذي أوقع خمســة قتلى. وذهب ماكونيل أبعد من ذلك، مشــيراً إلى أن ترامب قد يواجه اتهامات بعد تركه منصبه، مشــدداً على أن الأخير «لم يُفلِت من أي شيء بعد». وقال ميتش ماكونيل أن إتاحة المجال لترامب في الانتخابات المقبلة غير وارد، مؤكدا أنه هو الذي ســيؤثر فــي اختيار المرشــحين الجمهوريين. وقال لموقع )بوليتيكو؛) «قد يكون البعض أشخاصا يحبهم الرئيس السابق والبعض الآخر قد لا يكونون كذلك، الشيء الوحيد الذي يهمني هو أن يتمكنوا من الفوز.»

هذا التصريح أجج غضب ترامب، الذي دعا يوم 16 فبراير، أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إلى عزل زعيمهم ميتش ماكونيل. وقال في بيان، إن الحزب الجمهوري لن يتمكن من أن يكون مجدداً قوياً مع «زعماء سياسيين من أمثال ماكونيل على رأســه»، وأضاف أن «ميتش سياسي متجهّم وعبوس ولا يبتســم، وإذا كان أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون ســيبقون معه، فلن يفــوزوا مرة أخرى». وفــي بيانه، قال ترامب إن اســتطلاعا­ت الرأي تشــير اليوم إلــى أن «أرقام ماكونيــل هي أدنى حتى ممــا كانت عليه في الســابق، إنه يدمر الجهة الجمهورية من مجلس الشيوخ، ويلحق أضراراً جســيمة ببلدنا». ولم يكتفِ ترامب بذلك، بل وسّــع نطاق هجومه ليشمل زوجة ميتش ماكونيل وزيرة النقل السابقة إيلين تشاو، المولودة في تايوان، والتي كان ترامب قد عينها وزيرة للنقل في منصب اســتمرت فيه تقريباً طوال سنوات عهدته الرئاسية. وجاء في البيان أن «ماكونيل لا يتمتع بأي مصداقية فــي ما يتعلّق بالصين، بســبب المصالح التجارية الكبيرة التي تمتلكها أســرته هنــاك». كل هذا الهجوم الذي تعرض له ترامب فــي غضون الأيام الماضيــة لم يمنعه من الاحتفــال بانتصــاره الثاني بعــد التصويــت في مجلس الشــيوخ بعدم إدانته، وصرح في بيان صحافي، هاجم فيه خصومه، وقال؛ «إن مشواره السياسي قد بدأ للتو.

يتوقع المراقبون أن يواجه ترامب تهما بالفساد واستغلال السلطة في قضايا قبول هدايا وامتيازات، يمنعها الدستور الأمريكي

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom