Al-Quds Al-Arabi

معاناة المرأة الخليجية وتهافت السياسة الغربية

- ٭ كاتب بحريني

■ الاهتمــام البريطانــ­ي الرســمي المفاجئ بقضية لطيفة المكتوم كان لافتا للنظر، ويســتبطن أسبابا غير واضحة حتى الآن، ويطرح تساؤلات مشروعة تتجاوز هــذه القضية وتتصل بقضيــة معاناة المــرأة العربية عموما والخليجية بشــكل خاص. وليس جديدا القول إن ما يظهــر من اهتمام غربي بين الحــن والآخر بهذه القضية إنما هو سطحي ومؤقت وانتقائي، ولا يعبر عن موقف مبدئــي إزاء معاناة المرأة التي هي أحد مصاديق موضوعة حقوق الإنسان.

الأمر المؤكــد أن ما يضفي أهمية علــى ما يطرحونه بــن الحين والآخــر امتلاكهم منظومــة إعلامية كبيرة تمتلك تأثيرا على الــرأي العام في أغلب مناطق العالم، وتمثل أحد أركان النفوذ البريطاني. ولا شــك أن القوة العسكرية البريطانية لها دورها للاحتفاظ بهذا النفوذ، ولذلك يصــر البريطانيـ­ـون على تطويــر منظومتهم العسكرية بشكل متواصل، ويتحاشون تقليص إنفاقهم العسكري حتى في حالات التراجع الاقتصادي وتصاعد الديون. ومن التساؤلات هنا: لماذا الاهتمام الآن بقضية لطيفة المكتوم؟ لماذا لا يكون هناك اهتمام مماثل بنساء أخريــات يعانين أوضاعا أشــد، خصوصــا المعتقلات الرازحات وراء القضبان اللاتــي يتعرضن للتعذيب؟ هل لدى المشروع الغربي أرضية متينة مدعومة إنسانيا وأخلاقيا لطرح قضية المرأة الخليجية؟

وأخيــرا هل يســتطيع البريطانيو­ن تجــاوز إرثهم الاستعماري المؤسس على الابتزاز والجشع والمصلحة المادية البحتة، ليروّجوا إصلاحا سياســيا في المنطقة التــي ما يزالــون يعتبرونها «ســاحتهم الخلفية » بعد نصف قرن من الانسحاب منها؟ فبريطانيا التي أصرت على بث فيلــم «موت أميرة» قبــل 40 عاما حول إعدام إحدى الأميرات الســعوديا­ت بســبب علاقتها مع ابن عمها، ليســت نفســها اليوم، إذ أصبحت أكثر انتقائية وأشــد اهتماما بأمن حلفائها في الريــاض وأبوظبي، لذلك يستعصي هذا التصعيد على الفهم.

معانــاة الشــابة لطيفة ليســت جديــدة، بل تعود

لعشــرين عاما. فقــد حاولت الفرار مــن عائلة والدها مرتــن، في عامي 2002 و2018 ولكــن محاولاتها باءت بالفشل. في المرة الأولى سجنت من قبل والدها في دبي لأكثر من ثلاث سنوات، أما في المحاولة الثانية فأعيدت قسراً إلى دبي أثناء إبحارها قبالة الساحل الهندي، ولا تزال قيد الإقامة الجبرية. ففي مثل هذه الأيام قبل عامين حاولــت الهروب الى الهند عن طريــق البحر، مع طاقم استأجرته لتلك المهمة، ولكن القارب وقع بأيدي القوات الهنديــة التي قامت بتســليم لطيفة للإمــارات. وقبل أسرها كانت قد سجلت مناشــدة لانقاذها تم تسريبها ونشرها، ولكن القضية لم تحظ باهتمام واسع. ولكنها حظيت باهتمام مبعوثة الأمم المتحدة الســابقة لحقوق الإنســان، ورئيســة الدولة الإيرلندية السابقة ميري روبنســون، التي كانت قد وصفت لطيفة ســابقا بأنها «شــابة مضطربة» بعــد أن التقت بها في عــام 2018. واعترفت روبنسون بأن «أسرة الشيخة لطيفة خدعتها بشكل مروّع». وبرغم ما يبدو من اهتمام إعلامي أحيانا بمثل هذه القضايــا الا أن المصالح الغربية مع الإمارات تحظى بالأولوية في سياسات هذه الدول. وبالرغم من حساسية قضايا المرأة ومعاناتها في الثقافة الغربية، إلا أن الاعتبارات السياسية خلال ربع القرن الأخير حالت دون منحها اهتماما يناســبها، الأمر الــذي أدى لتفاقم معانــاة المرأة في عدد من الــدول الخليجية التي كانت الطرف الأضعف في الصراع السياسي والإيديولو­جي، خصوصا مع وجود أعراف محلية تساهم في ردع المرأة عن أداء دور اجتماعي بــارز، وتمنحها دورا ثانويا في الحياة العامة. وكان من نتائج ذلك حالة من الاضطهاد اســتمرت عقودا. فما أكثــر الفتيان والنســاء اللاتي اعتقلن وعذبن لأســباب سياســية في السجون. وما اعتقال الناشــطات من قبل الســلطات السعودية في الســنوات الأربع الاخيرة الا استمرار لسياسة القبضة الحديدية التي طالت المرأة. ولن يتوقف هذا الاضطهاد بالافراج المشروط عن الناشــطة لجين الهذلول ونوف عبد العزيــز مثلا، خصوصا مع وجود نســاء أخريات كالسيدتين نسيمة السادة وسمر بدوي وراء القضبان. كما لــن تتوقف سياســة اضطهاد المــرأة وتعذيبها إلا بمقاضاة مرتكبي جرائم التعذيب والتحرش الجنســي أمام محاكم عادلة. أما ســجون البحرين فقد احتضنت المرأة منذ الســتينيا­ت بعد ان تنامى دورها السياسي والاجتماعي. وقبــل بضعة أيام توفيــت فائقة المؤيد، إحدى رائدات النشــاط النســوي فــي البحرين التي التقتهــا في العام 1978 رئيســة الــوزراء البريطانية السابقة، مارغريت تاتشــر خلال زيارتها المنامة. وفي 1981 كان هناك عدد من الســجينات السياسيات مثل مدينة علــي طاهر وحميدة مصطفــى وفاطمة رمضان وزهرة علم وصديقة الموسوي. وتواصل اعتقال النساء في التسعينيات.

وفــي ذروة الربيع العربي اعتقلت نســاء كثيرات اشــتهر منهن كل من آيات القرمــزي وزينب الخواجة وريحانة الموســوي وزهرة الشــيخ ونجاح يوســف وابتســام الصايغ. وما تزال الســيدة زكية البربوري ترزح وراء القضبان.

برغم ذلك لم يكــن هناك موقف إنســاني ظاهر من الحكومــات الغربية. وبشــكل خاص تتحمــل كل من الولايــات المتحدة الأمريكيــ­ة وبريطانيا المســؤولي­ة الكبرى عن هذا الفشــل الأخلاقي والسياسي المتواصل حتى الآن. فقد بقيت النساء السعوديات والبحرانيا­ت وراء القضبان ســنوات متواصلة، بينما تواصل صمت هذه الحكومات، بل إن الحكومــة البريطانية ما برحت تثني علــى أداء حكومة البحرين فــي المجال الحقوقي الذي لــم تبق منظومة دولية مســتقلة إلا انتقدته. فقد يحظى التمرد على الدين بدعم واضح من الغرب، ولكن معارضة الاستبداد لا يتوفر له دعم غربي. فمثلا منحت كندا قبل عامين الشــابة السعودية رهف محمد القنون حق اللجوء بعد أن هربت من أســرتها، وأعلنت تركها الإســام وذهبت إلى تايلاند. ومــا إن طلبت من كندا منحها حق اللجوء حتى تحقــق لها ذلك. بينما رفضت كندا في الوقت نفســه طلبا من فتــاة يمنية تُدعى ندى علي تقطّعت بها وأختها السبل نتيجة الحرب فــي بلدها. هذه المعاييــر المزدوجة تخفف وهج قيم حقوق الإنســان، وتضعف مصداقيــة الدول التي ترفع شــعارها، وتجعل العالم أقل أمنا واستقرارا. من هنا تبرز التساؤلات عن دوافع الاهتمام بقضية الشابة الإماراتية ليس من جانب التلفزيــو­ن البريطاني )بي بي ســي( فحســب، بل من الجهات الرســمية نفسها. فوزير الخارجية، دومينيك راب، اهتم بالقضية وطالب الإمارات بتأكيد ســامة لطيفة، وهو أمر إيجابي. ولكن المطلوب أن يكــون الاهتمام بمعاناة المــرأة الخليجية المناضلة شــاملا وبدون انتقائية. هذا الأمر لم يحصل حتــى الآن، برغــم مناشــدات المنظمــات الحقوقيــة للســلطات البريطانيـ­ـة المعنية بشــكل او آخر بالملف الأمني في البحرين، للتدخل لوقف اضطهاد الناشطات البحرانيات.

الأمــر المؤكــد أن ســلطات الإمــارات تعانــي من اضطرابات داخلية، سياسية وانســانية، برغم الهالة الإعلامية التي تســعى لكســب الرأي العــام من خلال شــراء النوادي الرياضيــة وبناء الملاعــب العملاقة وتوظيف شــركات العلاقــات العامــة وتمويل بعض السياسيين والأحزاب. وقد توســع حكام الإمارات في مد نفوذهم السياســي بعد بروز دورهم في استهداف ثورات الربيع العربي. وبشــكل أدق توسعت شهيتهم للتوسع خارج أراضيهم بعد تدخلهم العسكري المباشر مع الجيش الســعودي لضرب ثورة البحرين، ثم شن الحرب على اليمن بعد أربع ســنوات من ذلك، وتدخلوا في الصومــال وليبيا والســودان. فاذا ســمح النظام السياســي لأية دولة لذوي المال بالتأثير المباشــر على مساره وسياســاته، فأين هي المبادئ التي يفترض أن تنظم مســارات الدول داخليا ومســاراته­ا الخارجية؟ ولماذا الانتقائية حتى في التعامل مع البلد الواحد؟

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom