Al-Quds Al-Arabi

بين وصفي التل والخصاونة ... الأردن و«ما لا يقال» عن رسالة الملك لـ«الجنرال»: «التعافي» في انتظار «إجراءات»

- عمان- «القدس العربي» من بسام البدارين:

لعبهــا الناشــط النقابي الأردنــي أحمد أبو غنيمــة، بطريقتــه الخاصة وهو «يعيد نشــر» صورة عمرها أكثر مــن 50 عاماً لرئيس الوزراء الراحل وصفــي التل تحت عنوان..«دولة رئيس الوزراء يحرق قيود المواطنين الأمنية».

سأل على صفحته التواصلية ووسط تقمص حالة الاستفســا­ر البــريء: «هــل يفعلها دولة الدكتور بشر الخصاونة». طبعاً، يعلم أبوغنيمة مســبقاً بأن الخصاونة ليس التل، وأن الظروف الآن أكثر غموضاً والتباســاً وتبايناً. كما يعلم، بحكم خبرته ورســائله الملغزة الهادفة دوماً، أن مشروع إعادة هيكلة منظومة الأمن في الأردن لا علاقة له بـ «قيود مواطنين» في مرحلة صدامية لها علاقة بنصف قرن، فمن يشــتكي ويعاني من «ســطوة الأمني علــى السياســي» اليوم ليس الأفراد والمواطنون البســطاء، بل شرائح مهمة وأساســية ومتنوعة في المجتمــع لديها مظلمة أو وجهة نظــر أو تزاحــم في مرحلــة إقليمية حسـاسة.

عمومــاً، «تلغيــزات» أبو غنيمــة تعبر على الأرجح عن جرعــة مبالغة مقصــودة وتحاول «اختبــار» جديــة الاندفــاع نحــو مســاحات «الإصلاح السياسي».. لكن السؤال هو: هل ذلك ضروري وملح جداً الآن خصوصاً بعد الرســالة المهمة والتاريخيـ­ـة التي وجهها الملــك عبد الله الثاني الأســبوع الماضي لرمــز المنظومة الأمنية الجنرال أحمد حسني؟

وشرح مقاصده من «صورة المقاربة» برسالة مختصرة لـ«القدس العربي» معتبراً أن المســألة لهــا علاقــة بـ«تبييــض صفحــة» المعارضين للدولة والنظــام عام 1963 وقــد كانوا ينتمون لأحزاب عقائديــة، الأمر الذي يعني بالمقايســ­ة أن «ضحايا القيــود الأمنية» من معارضي اليوم الذين تم إقصاؤهم أو تهميشــهم لعقود، ينبغي -إصلاحياً- «شــطب أو حــرق قيودهم» أيضاً وتبييض صفحاتهم. وأغلب التقدير أن ما يطالب به أبــو غنيمة يمثل طيفاً واســعاً من منتقدي ما يسمى بـ»التغول الأمني».

لكنه ليس مطروحاً الآن، وقد لا يكون المقصود في رسالة الملك الشــهيرة، التي يمكن القول بأن أهم فضائلها أنها وضعت «سقفاً جديداً» للحوار واشــتراطا­ت الإصلاح، يتضمــن تجاهلاً لقصة «كلفة الإصلاح» التي طالمها استثمر فيها «أمنيون ومحافظون» لمنع مسيرة الإصلاح الشامل أصلاً.

وهي رسالة أثارت نقاشــاً «علنياً» هذه المرة

لــم يكن مألوفاً، له علاقــة بتكهنات وقراءات قد لا تـكون «دقيقـة» وإن كـان النـقاش هنـا - في رأي السياسي مروان الفاعوري- مؤشراً حيوياً على «الثقــة والتعافي» حيــث لا يمكن «إنكار» حالة المرض المتشخص وطنياً في كل الأحـــوال الآن.

وحيث - وهــذا الأهم - أدبيــات ونصوص ملكية أكثــر من واضحة، يفهم الجميع أنه ينبغي

أن تلحقهــا «إجــراءات» على أســاس المصلحة العليا اليوم وبالتشخيص الملكي المرجعي- كما يقدر الفاعــوري، تتطلب العودة للمؤسســات «الدستورية» وتمكينها من العمل المهني المستقل. وتفسير ذلك على الأرض غير ممكن خارج سياق عبارة «تخفيف القبضة الأمنية» حسب أدبيات البيروقــر­اط الأردني، أو عبــارة «وقف التغول الأمني» على حد تعبيرات أدبيات وبيانات بعض الأجنحة في تيارات الإسلام السياسي واليسار «القلق».

عمومــاً، لا أحد يعلم بعد بصــورة محددة ما هــي «الإجراءات علــى الأرض» التــي يمكن أو ينبغي أن تتبع الرسالة الملكية المثيرة. لكن المناخ السياسي والصالونات­ي الأردني يبحث عن تلك الإجراءات، ويحاول توقعها، وعلى أســاس أن الإصرار على «توجيه رســالة علنية» للمنظومة الأمنية يعني الكثير، وإلا لكان البديل ليس أكثر من «توجيهات وتعديلات ســلوك وممارسات» خلف الكواليس.

وعلنية التوجيــه الملكي هنا قرأهــا الفرقاء على أنها بمثابــة «إعلان إصلاح هيكلي» بصرف النظر عن الخلفيات والدوافع، خصوصاً وســط قناعة جميــع الأطراف بأن «اشــتغال وحركة» ماكينة الدولة عشــية الاحتفال بمئويتها يتطلب

أن تتحول المنظومــة الأمنية، بالتوازي وبعملية منهجية رشــيدة، مــن «صانع لفعاليــات تلك الماكينة» ومشرف رئيســي عليها إلى «حارس» لأحلام التمكين الدســتوري والمؤسســا­تي التي زرعها الخطاب الملكي.

بمعنــى آخر، يفترض الخبــراء العميقون أن إعــادة هيكلة المنظومة الأمنيــة ينبغي أن تنجز وتنتج كمشــروع بإشــراف الحلقــات الأمنية ومساعدتها وتعاونها ومرونتها، على أساس أن خيارات «الإنتاجية» ستكون سلبية أو معدومة أو متكثفــة بالاتجاهات المعاكســة إذا لم يتدخل الأمني بحماســة لصالح تطوير الأدوات ووفقاً للمعيار الملكي العلني.

قد تكون تلك مهمة صعبة قليــاً، لكن الذراع الأمنية أصلاً طــوال الوقت تثبــت جدارتها في التصــدي للمهام الصعبــة، والملك أثنــى عليها وشــكرها على «ملء الفــراغ» دفاعاً عن مصالح الدولة والشــعب. وهي صعبــة، ليس فقط لأن المبالغــة التي لمســها الجميع فــي مقارنات أبو غنيمــة وغيره من صفــوف المعارضــة والرأي الآخر الوطنــي، تنطوي على قدر من «الانتهازية السياســية الضارة» لكن لأن ما يســميه وزير البلاط الأســبق الدكتور مروان المعشر بـ «قوى الأمر الواقــع» تتجاوز في توســعها وصلابتها المنظومة الأمنيــة ولا تقف عنــد حدودها حتى في الحــالات القليلة التي كانت فيها المؤسســة الأمنية بيروقراطياً تعبر عن بعـــض تلك القوى أو تمـثلها.

الانســحاب بأذرعــه الأمنيــة البيروقراط­ية مــن «قيادة الحافلة » فجأة أثناء المســير قد يكون «مجازفة» فــي توقيت حرج في المقابل، لكن منطق «إعادة الهيكلة» نفســه يعني ضمنيــاً «التدرج» والانتقال بأهدأ الطرق إلى الأجندة الجديدة التي يمكن مطالبــة المنظومة الأمنية بها على أســاس إشاعة أجواء عامة من الصفح والتسامح، ويعني أيضاً التركيز على الالتفات للمســتقبل، خصوصاً أن «بقية المؤسسات الدســتوري­ة» وبعد «عقود» من التبعية، «قد لا تكون جاهزة» تماماً لما سيوضع فــي أحضانها مــن «صلاحيات وســيطرة» بعد «إخلاء الأمني» لدوره التقليدي ما لم يكن الهدف الأبعد وغير المنتج هو «استبدال» قوى أمنية ملأت الفراغ الذي تحدثت عنه بالنص الرســالة الملكية بأخرى قد لا تملك الخبرة الكافية.

مثل هذا الصنف من النقاش يقع الآن في قائمة «المسكوت عنه» لكن عملية الانتقال لإعادة هيكلة المنظومة الأمنيــة ينبغي أولاً أن تعقبها إجراءات حقيقية. وثانياً، أن تتم في إطار «ضمانات وطنية أوســع» أبعد ما تكــون عن أي خطاب بقشــرة الملفات دون جوهرها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom