Al-Quds Al-Arabi

العرب الحالمون بصلاح بايدن الأمريكي

- أحمد سليمان العمري ٭ ٭ كاتب من الأردن يقيم في دوسلدورف

كانت أول تصريحات جو بايدن بعد ساعات من أداء اليمين إبطال أبرز قرارات ترامب، وأهمّها تغيّر المناخ والهجرة وإعادة الإنضمام إلى «اتفاق باريس للمناخ» المبــرم في 2015م، كما وتهدف حكومتــه - مثل البلدان الصناعية الأخرى - إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050م، وإلغاء التصريح الرئاســي لخط أنابيب «كيستون» المثير للجدل من كندا إلى أمريكا، والــذي احتجت عليه الحكومة الكندية بشــدّة، كما وأنهى حظراً على دخول مواطني عدد من الدول ذات الغالبية المســلمة، بالإضافة إلى المســاواة بين الأعراق والأجناس، والعودة إلى منظمة الصحة العالمية، وما سيتمخّض عنها من تحسّن في فرص التعاون مع الدول الأخرى والتعامل مع كورونا والأوبئة المستقبلية، إلّا أنّ التغيّر الذي - قد يصفه البعض بـ «الجذري» - لن يعيد كثيرا من القرارات إلى ما كانت عليه في سابق عهدها.

وعود بحلّ الدولتين

حاول دونالد ترامب حتى آخر 48 ســاعة له كرئيس العبث بالقرارات لتعقيد المهمّة أمــام خلفه، حيث أمر الأخير يوم الاثنــن 18 يناير/كانون الثاني 2021م برفــع حظر الدخول المتعلّق بكورونــا للأجانب من معظم الدول الأوروبية والبرازيل الســاري منذ مــارس/آذار من العام الماضي، بدءاً من 26 يناير/كانــون الثاني، إلّا أنّ المتحدّثة بإســم البيت الأبيض «جين بســاكي» صرّحت أنّ قرارات الأخير لن يتم تنفيذها بسبب الوضع الوبائي الدراماتيك­ي، لا بل من المتوقّع تشديدها.

لقد فرضت إدارة ترامب يوم الثلاثــاء 19 يناير/كانون الثاني 2021م عقوبات على مشــروع خــط الأنابيب الألماني الروســي «نورد ســتريم 2» وبهذا نفّذ الرئيــس المنتهية ولايته القرارات التشــريعي­ة التي أقرّها الكونغــرس عام 2019م بأغلبية كبيرة من الحزبــن. لذلك، لم يكن هناك اعتــراض من جهة بايــدن، بدلالة التصريحات الســابقة للأخير ووزير خارجيته «أنتوني بلينكين» التي تشير إلى أنّ الحكومة الجديدة ستتّخذ إجراءات أكثر حســماً ضد مشــروع خط الأنابيب، حيــث تتهم الأخيرة ألمانيــا بجعل أوروبا مع اســتكماله معتمدة بشــكل كبير علــى إمدادات الطاقة الروســية، ممّا قد يؤدي إلى صراع مع حكومة « ميركل» المتمسّكة بالمشروع. ويتهم أنصار نورد ستريم 2 الولايات المتحدة بأنّها تريد جرّاء ذلك التسويق لغازها المسال بشكل أفضل في أوروبا.

مــا إن تمّ تحديد بايــدن كفائز في الانتخابات الرئاســية حتى فتحت السلطة الفلســطين­ية القنوات الدبلوماسـ­ـية التي أغلقتها في ظلّ إدارة ترامب، فقد أجرت الســلطة الاتصالات الأولى مع الإدارة الأمريكية، وزار الرئيس الفلســطين­ي محمود عبــاس الأردن ومصر لإجــراء محادثات تنســيقية، كما اســتأنفت حكومته التعاون مع إســرائيل الذي كانت قد علّقته في مايو/أيّار رداً على خطط الضّمّ الإسرائيلي­ة.

يبدو أنّ بايدن سينفّذ بعض وعوده تجاه الفلسطينيي­ن بما لا يتناقض ومصلحة إسرائيل، حيث عزم الأخير على استئناف تقديم مساعدات كان دونالد ترامب قد أوقفها، فضلاً عن استئناف نشاط البعثات الدبلوماسي­ة، بالإضافــة إلى تأييد بايدن «الشــكلي» بحلّ الدولتين لتســوية الصراع الإســرائي­لي الفلسطيني حسب تصريح «ريتشــارد ميلز» القائم بأعمال السفير الأمريكي لدى الأممّ المتحدة.

وهــذا ما صرّح به إبّان حملتــه الإنتخابية في لقــاء افتراضي جمعه بمتبرعــن يهود أمريكيــن يوم الثلاثــاء 19 مايو/أيّار، حيــث بدا كثير الحنكة، فقد قال أنّه سيعكس سياسات ترامب تجاه إسرائيل، والتي تضرّ وتقوّض بشكل كبير آلية الســام مع الفلسطينيي­ن، ومعارضته «بنيامين نتنياهو» مشــروع الضّــمّ، متعهداً في ذات الوقت بالحفــاظ على مذكّرة التفاهــم لعام 2016م التــي أُبرمت بين إدارة الرئيس الأمريكي الأســبق «باراك أوباما» وإســرائيل، والتي تُخصّص لإسرائيل 38 مليار دولار لمدّة عشر ســنوات، على الرغم من طرح بعض منافسي بايدن السابقين طيلة الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي استخدام منع المساعدات كآلية لردع الحكومة الإسرائيلي­ة عن تفعيل قرارات تضرّ بحلّ الدولتين.

الصراع الإيراني الصيني وحلف الناتو

في المقابل كان قد نوّه الأخير أثناء حملته بأنّه لن يسعَ لإعادة السفارة إلى القدس لوضعها السابق كقنصلية، كما لم يتطرّق إلى العمل لمنع الضّمّ إذا قامت حكومة نتنياهو بإقرارها قبل انتخابات تشرين الثاني /نوفمبر 2020م، وأنّه ملتزم بقانون «تايلور فورس» الذي أُبرم عام 2018م وينص على حجب أجزاء من المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية واقتطاع دولة الإحتــال عائدات الضرائــب «المقاصة» التي تصل إلــى 2.6 مليار شيقل سنوياً، بســبب صرف حكومة عباس رواتب شهرية لأُسر الأسرى والشهداء الفلسطينيي­ن.

الأكثر قرباً من الواقع ألّا تأخذ القضيّة الفلســطين­ية ومشروع السلام بين الإســرائي­ليين والفلســطي­نيين مكانة مميّزة في القريــب العاجل أو أنّ تكون واحدة مــن أولوليات الحكومة الأمريكيــ­ة الجديدة، وتحديداً المصلحة الفلســطين­ية، وللمراقب أن يرى بجلاء الإهتمام الأول للرئيس وهو البيئة والمناخ تزامناً مع سياسته المقبلة مع روسيا والصين والإتفاق النووي مع إيران ودعمها الراسخ لإسرائيل على حدّ تعبير ميلز.

سبق ووصف الرئيس الحالي روسيا أنّها «الخصم الرئيسي» للولايات المتحدة أثناء حملتــه الانتخابية، بينما كان ترامب دائمًا يعهد بهذا الدور إلى الصين. وعلى الرغم من اختلاف بايدن بالسياســة الخارجية لسلفه، فســتتمثّل المناقضة في اســتمرار القيادة الأمريكية الجديدة في مختلف مجالات العلاقات الدولية والسياسية.

بصرف النظر عن الحقيقة التي يبدو بايدن من خلالها وبلينكين ونائبة الرئيــس «كامالا هاريس» أكثر موضوعيّة ووديّة من ســلفه، ســتحاول حكومة الأخير تصحيح مســار سياســة ترامب جزئيــاً أو كلياً في بعض الإتجاهات، لكنّها ستستمر لا محال في مجالات أخرى كخلفها أو ستفاقمها وفقاً للمصلحة القومية الأمريكية.

ولا يزال غير واضح كيف ســيتوافق التزام بايدن وبلينكين بموضوع «التعدّدية» والتعــاون الدولي مع مطالبهم الُمصاغة بوضوح بدور قيادي عالمي. الأكثر وضوحاً هو الابتعاد عن سياســة ترامب ونهجه الفجّ الفظّ الغليظ.

وتطالب طهــران الولايات المتحدة برفع العقوبــات المفروضة في عهد ترامــب، وممّا قد يزيد الصراع تعقيداً هي الدعــوات إلى الاتفاق النووي ليشــمل قيوداً على الصواريخ التقليدية الإيرانيــ­ة، فأهمية التوصّل إلى اتفاق هي ضــرورة ملحّة، لأنّ قوة المتشــدّدين في إيــران تعزّزت بفعل سياسة ترامب المتمثّلة بالضغط الهائل على إيران.

الولايات المتحدة مستمرّة بفقدان نفوذها

ســتلتزم حكومة بايدن بحلف شمال الأطلســي، الذي وصفه ترامب بالــذي عفا عليه الزمن؛ وبمعــزل عن جميع الخلافــات الداخلية، إلّا أنّ الحلف لا يزال الأداة الأهم للولايات المتحدة لممارســة نفوذها وسيطرتها الجزئية على أوروبا، ومع ذلك ســيزداد الضغط الذي تمارسه واشنطن علــى الحلفــاء الأوروبيــ­ن وتحميلهم المـــزيد من الأعـــباء المـــالية والعسـكرية.

أمضت إدارة أوباما بالإضافة إلى بايدن ثماني سنوات دون جدوى في مناقشة اســتراتيج­ية صحيحة تجاه الصين، تضمّنت مواجهات عسكرية مــن خلال تزايد القــوات المســلحة الأمريكية في بحــر الصين الجنوبي والمحيط الهادي، أو اندماج الصين في اللوائح والتعاون مع المؤسســات الدولية. أمّا فــي عهد ترامب فكان أول إجراء رســمي لحكومته قبل أربع ســنوات، هو إعلان منطقة التجارة الحرّة - التي تم التفاوض عليها في عهد أوباما - بين الولايات المتحدة وجميع الــدول ذات الصلة اقتصادياً في آســيا باستثناء الصين، بالإضافة إلى شنّ ترامب حرباً اقتصادية ضد الأخيرة، أدّت إلى إلحاق ضرر أكبر بالاقتصاد الأمريكي.

سيكون العامل الحاسم في السلوك المستقبلي للولايات المتحدة تجاه الصين هو ما إذا كانت الحكومة الحالية ستأخذ حقاً مطالبتها بدور قيادي عالمي على محمل الجدّ، أو ما إذا كانت عبارات الرئيس الحالي تســويقيّة فارغة جوفاء أو صيّغ لفظية رنانة، فبالنظر إلى الإطار السياســي العالمي اليوم، فإنّ هذا المطلب أو الاســتحقا­ق الذي ترنو إليه الحكومة الأمريكية غيــر واقعي. أوروبا في المقابل ناتجها القومــي الإجمالي أكبر بالفعل من الناتج القومي الأمريكي، ومن المتوقّع تفوّق الصين على الولايات المتحدة في غضون أعوام في مجال العلوم والتكنولوج­يا أيضاً، فقد وصلت القوة العالمية الصينية المســتقبل­ية للمســتوى الأمريكي، وربما تجاوزتها. أمّا روسيا فتقف متساوية معها كقوة نوويّة تقريباً، بالإضافة إلى الهند التي ستنضم في غضون سنوات قليلة إلى القوى العالمية الفاعلة.

نهاية، ســؤال إلى العرب الحالمين بصلاح الديــن الأمريكي عن حدود تبــدّل القرارات الأمريكية حول الصراع الفلســطين­ي الإســرائي­لي، فهل سيقيم بايدن دولة فلســطينية ويخضِع إسرائيل للمطالب الفلسطينية؟ أم أنّ الأخير يدغدغ المشاعر العربية بوعود معسولة لا غير، لا تتجاوز حد الخطابة والتخدير؟

لن يتراجع بايدن عن قرارت ترامب، إنّما سيتحدّث خطابياً لا غير عن ضرورة حلّ الدولتين دون ممارســة أي نوع من الضغوط على إســرائيل لإقامة دولة فلســطينية أو لوقف التوسّــع الإســتيطا­ني على حســاب الفلسطيني، هذا لإختراق إسرائيل النظام الأمريكي الواضح، بحيث تجدّ المفاوضين الأمريكيين يتذّرعون لإســرائيل ويدافعون ويخلقون مبرّرات بدل دورهم كوســيط نزيه، و «جاريد كوشنير » وصفقته «السلام من أجل الإزدهار» التي أثقلــت وأثخنت بالقضية أكبر مثال، فقــد تضمّنت الضّمّ الذي يؤرّق الجانب الفلسطيني وحده.

النظــام الأمريكي بحزبيــه الديمقراطـ­ـي والجمهــور­ي لا يقيم وزناً للعرب أو لحفائــه من المطبّعين، لذلــك لن تلعــب الإدارة الأمريكية دور الوسيط النزيه أبداً إن لم تكن هناك كلفة تترتّب على الإستهتار بالمطالب الفلسطينية.

وحدة الصف الفلســطين­ي بجميع فصائلها هــي وحدها القادرة على تحقيق مطالبهم لإقامة دولة على حدود 1967م، وهي وحدها القادرة على إخضاع الإحتلال وإجلاســه معهم «النِّدّ بالنِّدّ» علــى طاولة المفاوضات، وإعادة قراءة الملف الفلسطيني من جديد.

ما دون ذلك، فقد قفزت إســرائيل عن الســلطة الفلســطين­ية وأقامت معاهدات إذلالية تطبيعية مع أخوتهم العــرب الطامعين بتنفّذ وهمي في المنطقة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom