Al-Quds Al-Arabi

حركة حماس وضرورة المراجعة قبل فوات الأوان

- *كاتب فلسطيني

تحتــاج حركــة حمــاس إلــى مراجعة عاجلــة وحثيثة لسياساتها الســابقة، ومآلات هذه السياسات تمهيداً لوضع برنامج سياســي، وخطة عمل جديــدة للمســتقبل، وهــذه المراجعــة يجب أن تتــم على قاعــدة أنهــا أصبحــت حركة جماهيرية، تســتحوذ على مساحة كبيرة من المشهد الفلسطيني، وتلعب دورا مهما في السياسة ولم تعد تنظيما ســرياً يضم العشــرات فقط. وما لم تتحرك حماس ســريعاً باتجاه المراجعــة، وإعادة تصحيح المســار قبل فوات الأوان، فإن الأخطاء سوف تتراكم والمآل ســوف يكون بائسا، وفي هذا الحديث تفصيل كثير.

آخر الأخطاء التي ارتكبتهــا حماس، هو الموافقة علــى إجراء الانتخابات الفلســطين­ية العامة، خلال العــام الحالي 2021، وهــذه الانتخابات بالنســبة لحركة حماس كلعبــة القمار، التي كلما خســر فيها اللاعب، تمســك أكثر باللعبة أملاً بتعويض خسائره الســابقة، أي أن هــذه الانتخابات ليســت ســوى محاولة خاسرة لتعويض الخســائر التي منيت بها الحركة نتيجة مشــاركتها فــي انتخابات عام 2006، كما أنها محاولة لتصحيح الخطأ الســابق بخطأ آخر أكبر منه.

حركة حماس تأسســت عام 1987، وســرعان ما تحولــت إلى حركــة جماهيرية تضم أعــداداً كبيرة من الفلســطين­يين، وأعــدادا أخرى مــن المناصرين فــي الداخــل والخارج، كمــا أنها تصــدرت مقارعة الاحتلال، عندما انشــغل الآخرون بمسار التسوية، ومن ثم أصبحت جزءاً من الســلطة الفلسطينية عبر انتخابــات 2006، وها هي اليوم تحــاول الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، من بوابة «المجلس الوطني الفلسطيني» والمشكلة الأساس التي تعاني منها، هي أنها طوال ســنوات عمرها الـ34 لم تُجر أي مراجعات )علــى الأقل في العلن( ولــم تعترف بأي أخطــاء، وقــد آن الأوان فعلاً لتفعل ذلــك، وإلا فإن أزمات الحركة ســوف تتفاقم، وسوف تنعكس على الشعب الفلســطين­ي فوراً، باعتبار أنها تتشارك مع حركة فتح إدارة المشــهد. ثمة عدد من المحطات المهمة خــال العقود الثلاثــة الماضية من مســيرة حماس تستوجب المراجعة:

أولاً: المشــاركة فــي انتخابــات 2006 ومــآلات تلك المشــاركة على المشهد الفلســطين­ي ككل، وعلى الحركة بشــكل خاص، وما إذا كانت حماس أصابت أم أخطأت، لأن الجواب على هذا الســؤال يُساعد في اتخاذ قرار بشــأن المشاركة في انتخابات 2021 أم لا. والمؤسف أن حماس بعد 15 عاماً من تلك الانتخابات، التي أدت إلى الانقســام، لم تحســم الجدل بشأنها ولا يوجــد أي حوار حقيقــي، أو مراجعة علنية لهذا المســار، بل إن قادة وعناصر حمــاس يتعاملون مع كارثة بحجم هذه الانتخابات على قاعدة أنها «شغلة وصارت» أو يقول لك أحدهم «صارت قصة قديمة».. علماً بأن الشــعب الفلســطين­ي بأكملــه يدفع، حتى اليوم ثمن ذلك الخطأ.

ثانياً: أوقفــت حركة حماس العمليات الانتحارية )أو الاستشــها­دية( بشــكل مفاجئ قبل أكثر من 15 سنة، ولم نعرف حتى الآن سبب وقف تلك العمليات، ولا تقييم النتائج لتلك العمليات، ولم تعترف حماس بأنهــا كانت على حق، أم على خطأ بتلك السياســة، ولــو كانت صوابا فلمــاذا توقفــت، وإن كانت خطأ فلماذا لم تعتــرف حماس بالخطــأ.. لا أحد يعلم ما الذي جرى ويجري بخصوص السياســة العسكرية للحركة، وكأن الشعب الفلسطيني لا علاقة له بالأمر.

ثالثاً: فــي عــام 2012 أعلنت حمــاس لأول مرة تخليهــا عــن النظام الســوري، وتأييدهــا للثورة ضد النظــام، الذي كان حليفاً لهــا. وهو ما يبدو أنه تكــرار لخطأ منظمــة التحرير في لبنــان خلال عقد الســبعيني­ات، فهل كان قرار فك الارتباط مع سوريا )ومعها إيــران وحزب الله طبعــا( صواباً أم خطأ؟ وهل حدثت أي مراجعة؟

رابعاً: في عــام 2017 أصدرت حمــاس «الوثيقة السياســية» ومنذ ذلك التاريخ لا يعلم إلا الله ما هي أســباب وخلفيات صدور تلك الوثيقة، التي تتضمن جملة مــن المتناقضــ­ات، حيث توقــف الحديث عن الوثيقة فجأة بعد إعلانهــا، ولم نجد أي ارتباط بين صدورها والأحداث اللاحقة.

وبينما تتزايد الأسئلة عن استراتيجيا­ت الحركة وسياساتها، تتجه اليوم إلى المشاركة في انتخابات عامة جديــدة، وهي انتخابات ســرعان ما تبين من رسالة سرية مسربة بعث بها الأسير إبراهيم حامد، أن قرار المشــاركة تم اتخاذه مــن دون الرجوع إلى مؤسسات الحركة )مجلس الشــورى على ما يبدو( بما يعني أنــه قرار تم اتخاذه علــى عجل ومن دون دراسة أو مشاورات كافية.

وخلاصة القــول، إن حركة حمــاس تحتاج إلى عقد مؤتمر عام عاجل لإجراء مناقشــات ومراجعات جذريــة حول السياســات والاســترا­تيجيات التي تتبناها، من أجل تحديد مواطــن الصواب ومواطن الخطأ، وتصحيح المســار فوراً، بناء على الخلاصات والمراجعات، وما لم يحدث ذلك ســريعاً فهذا سيعني أن الأخطاء سوف تتراكم، وسوف يؤدي كل خطأ إلى إنتاج خطأ آخر، كما هو الحال بالنســبة لانتخابات عــام 2021 التي هي في الحقيقة نتيجة لمأزق نتج عن المشــاركة في 2006، وكلاهما حولها من حركة تحرر وطني إلى حزب سياســي، يُنافس علــى مقاعد في برلمان.. والمصيبة أنه برلمان تحت الاحتلال.

مشاركة حماس في انتخابات 2021 محاولة لتعويض خسائرها عام 2006، ولتصحيح الخطأ السابق بخطأ آخر أكبر منه

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom