عن أبواب الأمل المشرعة في السودان
■ جاء الحراك الديمقراطي للشــعب الســوداني في لحظة عربية فاصلة في 2019.
باســتثناء تونس، لم تفض ثــورات وانتفاضات 2011 إلــى تــداول ســلمي للســلطة وظــل الأمل في التأســيس لحكم القانون واحترام حقوق الإنســان والحريات بعيدا.
خلال السنوات الماضية، دفع إما خليط من القمع وســوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية )مصر( أو انهيار الســلم الأهلي وتفكك مؤسســات الدولة )ســوريا( أو الخوف على الاستقرار والرغبة فــي الحفاظ على معــدلات تنمية مجتمعيــة مرتفعة )بلدان الخليج( الأغلبيات العربيــة إلى التراجع عن طلب الديمقراطية.
ووظفــت نخــب الحكــم الســلطوية، جمهوريــة وملكيــة، ذلــك التراجــع لتجديــد أدوات إخضاعها للمواطن وســيطرتها علــى المجتمــع وهيمنتها على مؤسســات الدولــة. فأضافت إلى القمــع، من جهة، الترويــج لنظــرة ســلبية للانتفاضــات الديمقراطية ترادف بينها وبين الفوضى.
وعملــت، مــن جهــة أخــرى، علــى تمريــر العديد من القوانــن والتعديــات القانونيــة )والتعديلات الدســتورية أيضا( التي تجعل مــن التعبير الحر عن الــرأي مخاطرة غير مأمونــة العواقب ومن منظمات المجتمع المدني المســتقلة كيانات معادية تهدد الأمن القومــي ومن المؤسســات العســكرية والأمنية قلب بنية الدولة.
ولــم يغب عن نخــب الحكــم الســلطوية الانفتاح على تعــاون إقليمــي تحركت في ســياقاته الأموال والجهود الدبلوماسية )وأحيانا السلاح( إن لتثبيت التراجع عن طلب الديمقراطية أو لإعادة تأهيل حكام عرب ذهبت انتهاكات حقوق الإنســان التي تورطوا بها بمصداقيتهم أو لمواصلــة الترويج للمرادفة غير الأمينــة بين الديمقراطية والفوضــى على نحو يبقي الناس بعيدا عن ساحات وميادين الحرية.
خلال السنوات الماضية، بدت أوضاع بلاد العرب وكأن الشــعوب قــد اســتكانت لبقاء نخــب الحكم الســلطوية في مواقعها أو قبلت بعودتها إليها بعيد اهتزازات محدودة.
خــال الســنوات الماضيــة، ســيطر علــى مخيلة النــاس الخوف من استنســاخ كارثة انهيار الســلم الأهلــي وتفكك مؤسســات الدولة التــي عانت منها ومازالــت ســوريا وليبيــا واليمن. خلال الســنوات الماضية، عادت إلى الارتفاع أسهم الرؤساء والملوك والأمــراء الذيــن صــوروا كأبطــال منقذيــن جاءت بهــم العناية الآلهيــة للحيلولة دون المزيــد من تهور الشــعوب ولضمان الحفاظ على الاســتقرار )بلدان الخليج( أو استعادته )مصر(.
ثــم كان أن جــاء الحــراك الديمقراطــي للشــعب السوداني ليصنع مشــهدا عربيا مغايرا قوامه قدرة النــاس على مواجهــة القمع بالخروج الســلمي إلى الفضــاء العــام طلبا للتغييــر، وقدرتهــم أيضا على الربــط الواعي بين تحســن الأوضــاع الاقتصادية والاجتماعيــة والظروف المعيشــية وبين التأســيس للتداول السلمي للسلطة ولحكم القانون.
فــي الســودان، يبــدو المواطنــون المشــاركون فــي الحــراك المســتمر إلى اليــوم وكأنهم اســتفادوا من دروس انتفاضــات 2011 التــي اختصــرت تجــاوز نخب الحكم السلطوية في التخلص من الحكام ومن بعض الفاســدين ولــم تتعامل بجدية مــع تحديات إرث الاســتبداد الطويل وصعوبات بناء المؤسسات الديموقراطية.
في الســودان، تحضر دلائــل واضحة على إدراك النــاس لضــرورة التفــاوض الجاد والطويــل المدى مع المؤسسات العســكرية والأمنية لكي تتراجع عن شــيء من هيمنتها على السياســة والدولــة وتقبل شــراكة حقيقية مــع المدنيين عمادها رؤيــة متكاملة لإدارة الانتقــال الديمقراطي على نحو لا يستنســخ أخطاء بلدان انتفاضات 2011.
في السودان أسباب للتفاؤل بالمستقبل العربي.