Al-Quds Al-Arabi

المعلن والمستور في تقرير بلاسخارت عن العراق

- ٭ كاتبة من العراق

■ ما هو الانطباع الذي يتركــه الاصغاء أو قراءة تقرير يطرحه مسؤول أممي امام مجلس الأمن الدولي وهو مشــحون بالعبارات التالية: «وكما سمعتموني أؤكد من قبل. واليوم، لا يســعني إلا أن أكرر ما قلته. وكما قلت سابقا. وأقول مرة أخرى»؟

هذا ما كررته الســيدة جنين بلاســخارت، رئيسة بعثة الأمم المتحــدة في العراق ) اليونامي( مرارا، في تقريرهــا أمام مجلس الأمن، في 18 شــباط / فبراير، الذي تناولت فيــه « ما يأمل العراقيــو­ن تحققه عام 2021، فــي عديــد الجبهــات وأهمهــا الانتخابات والإصلاح الاقتصادي وتعزيز سيادة القانون وتوفير بيئة أكثر أمناً للجميع» حسب تعبيرها. والمعروف أن الســيدة بلاســخارت حظيت منذ تعيينها، بالعراق، بضجة، لــم تثرها أمرأة أخرى تحتل منصبا رســميا فيه. فأخبارها، بما فيها صور من تلتقي بهم وتفاصيل تصريحاتها وحتــى ما ترتديه، نظــرا للظرف العام المحيط بعملها وتوقعات النــاس منه، محط اهتمام، يمنحها، ظاهريا، ســلطة أكبر بكثيــر من صلاحياتها وطبيعة موقعها.

وفي ظل أجــواء الاحباط العام وكثــرة التقارير، غير المجديــة، المســتهلك­ة للــورق، والتصريحات « التوافقية» للأمم المتحدة، باتت بلاســخارت الوجه الــذي تركزت عليــه النقمة، والتعليقــ­ات الغاضبة، والســاخرة، وحملات المطالبة بطردها، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى نكاد ننســى بأنها ممثلة منظمة لا يمكــن ان تمارس عملها، ما لم تحصل على موافقــة الحكومات والدول التــي تفتح مكاتبها فيها، وان تقاريرهــا وتصريحاتها محكومة باحتمال ســحب الموافقــة او حتــى المحاربة اذا مــا تجاوزت حدودها. فاليونامي، مثلا، تأسســت اثر الاحتلال، عــام 2003، بناء على طلــب حكومة العــراق. وأنها لا تملك صلاحيــة تنفيذ القرارات بــل يقتصر عملها على تقديم المشــورة والمســاعد­ة في مجالات شاملة، بالإضافة الى العمل مع الشركاء الحكوميين والمجتمع المدني لتنسيق الجهود الإنسانية والإنمائية لوكالات الأمم المتحدة وصناديقها وبرامجها.

ضمن هذه الهيكلية، استهلت بلاسخارت تقريرها بتقديم صورة عن الجانب الاقتصادي. فأشــارت الى تخفيض قيمة الدينــار العراقي بما يزيد عن 20 بالمئة في نهاية العام الماضــي، وتزامنه مع ارتفاع 40 بالمئة مــن عوائد النفط، ممــا أدى إلى التخفيــف من أزمة الســيولة، وتوفير متنفس للحكومــة، للمضي قدماً فيما اعتبرته قضايا ملحة مثل تقديم الخدمات العامة ورواتب الموظفين الحكوميين. الجانــب الثاني الذي تناولته، هو عدم اقرار قانــون ميزانية العام الحالي حتى الآن، منتقلة بعده إلى الموعد الجديد للانتخابات العامة وهو العاشــر من تشرين الأول/ اكتوبر 2021، واصدار البرلمان التشريع اللازم لتمويل الانتخابات، وبداية تسجيل المرشــحين والتحالفات، وتحديثات ســجلات الناخبين. وحثــت المجلس علــى الموافقة على طلــب الحكومــة العراقية بخصــوص المراقبة الانتخابيـ­ـة لأهميته البالغة. وكمــا هو متوقع، أكدت أن منظمة الدولة الاســامية «داعش» لاتزال نشــطة في البلاد مما يقتضي اســتمرار الدعم ضد الإرهاب. عن الوضع الانســاني للاجئين، بينت بلاسخارت ان الحكومة جددت جهودهــا لإغلاق مخيمات النازحين العراقيين- العديد منهم نساء وأطفال.

قــد تبــن قــراءة الخطــوط العامــة للتقرير أن بلاســخارت تســتحق، فعلا، حملة التســقيط التي تشــن ضدها الا ان القــراءة المتأنية تشــير الى انها اســتخدمت لهجة، كشــفت فيها مدى تدهور الوضع في العــراق، بكافة الجوانــب التــي تناولتها، وان حاولت عــدم تجاوز الحدود المرســومة لعمل منظمة الأمم المتحدة. حيث أبدت أســفها لعدم تنفيذ تدابير الاصلاح الاقتصادي وذلــك لعدم مصاحبته « المعركة ضد الفساد الاقتصادي والسياسي وتعزيز الحوكمة القوية والشفافية والمساءلة». وعادت لابداء الاسف ازاء « الحقيقــة الُمرة» بأن التوصــل إلى اتفاق نهائي ودائم بين العراق الاتحادي وإقليم كردســتان بشأن المســائل المتعلقــة بالميزانية وقضايا أخــرى أكبر، لا يزال أمراً بعيد المنال. وان المفاوضات « تتســم بطابع سياســي متأصــل وتعكــس اســتفحالاً للهواجس وانعدام الثقة». وباختصار شديد « أن الوضع الراهن مخيب للآمال بشــكل خاص» وينعكس على استقرار البلد بكامله.

ولم يتوقف احساس بلاسخارت بالأسف عند هذا الحد بل امتد ليشــمل قرار الحكومة باغلاق مخيمات النازحــن وعدم الاصغاء لتوصيــات البعثة بتوفير تدابيــر آمنة وكريمة لحل مشــكلة النــزوح بدلا من التســرع والتعتيم، مما أدى الى نتائــج كارثية، مثل النزوح الثانوي أو عودة الناس إلى مناطق تفتقر إلى المأوى والخدمات الأساســية. كما ذكّرت بأن هناك ما يقــرب من 30 ألف عراقي يقيمــون في مخيم «الهول» بســوريا، بمن في ذلك عراقيــون لا ينتمون لتنظيم داعش، وعلى العراق مســؤولية استعادة مواطنيه، ابتــداءً بالحالات الإنســاني­ة. «وأقول مــرة أخرى: يتوجــب التعامل على نحــو عاجل، وبــا مزيد من التأخير، مع الحالات الإنسانية لمن لا ينتمون لتنظيم داعش».

وقدمت، عند تطرقها الى ما يتعرض له المتظاهرون من قمع، معنــى الديمقراطي­ة الغائب في البلد، قائلة : « اســمحوا لي أن أعلن بوضوح أن القمع وانتهاكات الحريات الأساســية - بمــا في ذلك حريــة التعبير والتجمــع الســلمي - والاختفاء القســري والقتل المســتهدف، كل ذلــك لا مــكان له فــي الديمقراطي­ة. ولسوء الحظ، لا تزال الشــفافية والعدالة والمساءلة

غائبة إلى حد كبير - لا ســيما عندمــا يتعلــق الأمــر بقمع الاحتجاجــ­ات الشــعبية في جميع أنحاء العــراق، بما في ذلك في إقليم كردســتان» محذرة بأن الغضب العارم ســيندلع مرة أخرى عاجــاً أم آجــاً، إذا لم يتغير الوضــع. واختتمت بلاســخارت تقريرهــا بالتأكيد على اهميــة الانتخابات المقبلة وأملهــا في ان» تكون الانتخابــ­ات موضع ثقــة، وأن تحل المســاءلة محل الترهيب، وأن تســود الشــفافية، وألا يكون الولاء معروضا للبيع .»

لقــد تناولت بلاســخارت، كما أشــارت في بداية تقريرهــا، جوانب عدة من الوضــع العراقي، الا أنها تفادت طرح مســائل مهمة جــدا، لا يمكن الخروج من الوضع المأســاوي المتدهور أكثر فأكثــر بدون ايجاد الحل لهــا، من بينها وجــود الميليشــي­ات وارتكابها الجرائم بلا مســاءلة وإرهابها المواطنين وسيطرتها على مقــدّرات الدولة. كما لم تشــر الــى التدخلات الخارجيــة، خاصــة الإيرانية والتركيــة، الا بجملة غامضة، مفادها « يواصل القــادة العراقيون الحفاظ على علاقات مفتوحة خدمة للسياسة الخارجية التي تؤكد على سيادة العراق»؟ في الوقت الذي قدمت فيه الانتخابات كما لو كانت الأمــل المرجو بدون التطرق الــى ان الميليشــي­ات المهيمنة بأحزابهــا الحاكمة هي ذاتها التي ســتخوض الانتخابــ­ات، وهي ذاتها التي قدمت لها بلاسخارت توصياتها سابقا، ولم يؤخذ بها اطلاقا. ولعل هذا هو مبعث « أسفها» و«سوء حظها» ويأسها من تكرار توصياتها، الذي يُستشف بوضوح في كافة الجوانب التي تطرقت اليها، وان كانت لا تريد الاعتراف به بحكم منصبها.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom