Al-Quds Al-Arabi

أزمة «كوكتيل» مستجدات الفيروس في الأردن: «مال ومعرفة ولقاح»... قطاع خاص «منفعل» وعام «محتار»

- عمان - «القدس العربي» من بسام البدارين:

مــأزق اســتراتيج­ي على الأرجح هــذه المرة عندمــا يتعلق الأمــر بضعف هوامــش الملاذات وتضيــق دائرة الخيارات أمــام تداعيات الموجة الثالثة من الفيروس كورونا على المشهد الأردني.

حجم الانفعال في التصريــح والتلميح ارتفع بوضوح خلال الأيام القليلة الماضية وسط نخبة عمان العاصمة المشتبكة مع مستجدات الفيروس، خصوصاً أن الأعداد المسجلة كإصابات تتدحرج، ونســبة الفحوصــات الإيجابية تزيــد وتنمو، والإسئلة الحائرة سياســياً وإعلامياً تتقافز بين محطات الواجهة في المشهد العام مجدداً.

الانفعــال، بمعنــاه الإعلامــي، يمكن رصده علــى وجوه المســؤولي­ن وتزاحــم التصريحات وفــي ملامح الأســواق التي بدأت تحذر بشــدة مــن مواجهــة مــأزق الموجــة الثالثــة للوباء باستراتيجي­ة يتيمة متاحة فقط، عنوانها العودة للحظر والإغلاق.

تراجع اقتصادي

الانفعــال كان بادياً على ملامــح الرموز التي تمثل القطــاع الخاص تحديــداً، بعدما تراجعت جــراء أزمة كورونــا أرباح البنوك والشــركات الكبرى، وبعدما ارتفع منســوب الانفعال مجدداً تحت شــعار لم يطرح ســابقاً بعنوان «تريدون العودة إلى الإغــاق مجدداً لاحتــواء الوباء.. حسناً، ادفعوا لنا مالاً.»

قد يكون الأصرح في التعبير عن ضرورة ضخ بعض الســيولة في هذا الاتجاه بالرسائل التي وجهت للدولة هذه المرة، هو رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق، الذي شــرح هذه المرة لـ«القــدس العربي» بــأن الظروف فــي القطاع التجاري وفي الســوق تبدلت ولــم تعد مماثلة لموجة الوباء الأولى العام الماضي.

وهو لا يتحدث عن الركود وتراجع المشتريات وزيادة ملحوظة في الشــيكات المرتجعة وتراكم الديــون فقط، بل يقتــرح على الحكومــة إذا ما اتجهت مجــدداً نحو الحظــر والإغلاق ورفضت الامتثال لاســتحقاق­ات الشــراكة والتشاور في التفاصيل أن تفكــر قبل أي إغلاق أًو حظر مجدداً برواتــب النــاس والموظفــن وأجــرة المحلات والمنشــآت، وأيضــاً بعوائد الضريبة ورســوم الجمارك على أساس أن الإغلاق قد يؤدي إلى منع القطاعات التي صمدت بصعوبة أصلاً أو تعرضت لمحنة من أي قدرة على استئناف العمل.

ترجمة ذلك واضحــة، بالمعنى العلمي، لحركة الأســواق، وتتثمل بعاطلــن عن العمــل أكثر، وســبات بعد الركود تجاريــاً، وإغلاق محلات ومرافق ومنشآت.

على شاشة تلفزيون «المملكة» ورغم أن الرأي يتعلق بطبيــب وليس بسياســي أو تاجر، كان الطبيب الدكتور منذر الحوارات يقولها بصراحة أكثــر: إذا أرادت الحكومــة إجبــاري، كمواطن، على الجلوس في المنــزل، فعليها أن تدبر نفقاتي وتدفع للمواطنين المال، مشيراً إلى أن خيار الموت بسبب كورونا والمرض يساوي بالنسبة للإنسان البســيط خيــار الموت تحــت وطــأة الاحتقان الاقتصادي والمعيشي.

خلف ســتارة الحكومــة، يقول وزيــر المالية الدكتور محمد العســعس، لكل الوزراء الراغبين بتحريك قطاعاتهم، عبارة «لا توجد مخصصات» والإدارة الماليــة فــي الطاقم الــوزاري تحاول الموازنــة بين الواردات والنفقــات، لكن تحديات الميزانية المالية عميقة جداً، ووصفها علناً رئيس الــوزراء الدكتور بشــر الخصاونــة وتحت قبة البرلمان بأنها الميزانية الأخطر.

في الأثناء، كان رئيس اللجنة المالية البرلمانية الدكتور نمر الســليحات، يرســم حدوداً وطنية لخبراته وطاقته على الاشتباك، مخفضاً ما تيسر من نفقات وهو يدير نقاشــات ميزانية حرجة في ســياق مهني يأخذ -كما أبلغ «القدس العربي»- كل حســابات الدولــة والناس بالاعتبــا­ر. لكن الإدارة المالية لا علاقة لها بالمستوى السياسي ولا بملــف الإدارات المحلية ولا بما يحصل مع اللجنة الوبائية أو خلية الأزمة أو حتى وزارة الصحة.

الأردنيــو­ن اليــوم فــي لحظــة مواجهة مع الوقائع وليس الادعاءات. وأزمة ضعف مخزون اللقاحات تحديداً كشــفت للرأي العام وبوضوح

هذه المــرة بأن التعاقــدا­ت التــي تحدثت عنها الحكومة السابقة بملف اللقاحات وأيام أول وزير صحة اشــتبك مع الفيروس وهو الدكتور ســعد جابر، لم تكن تعاقدات منجزة.

اشتراطات السوق العالمية ونشاطات السوق السوداء بالتوازي مع معادلات العرض والطلب والإنتــاج، عناصر يبــدو أنها اجتمعــت لتقول وبدون إقرار رسمي للشارع الأردني بوجود أزمة اســمها «تدبير اللقاح» اليوم، وأزمة أخرى لفت النظر لها الطبيب حوارات أيضاً وهو يسأل علناً: أين تلك التعاقدات التي قيــل لنا إنها أنجزت في تأمين اللقاح؟

يبدو ســؤالاً سياســياً وليس صحيــاً فقط، وبامتيــاز وله علاقة بخيارات واســتراتي­جيات الدولة أكثر من أي اعتبــار آخر، والبحث فيه مع التعمق بكوكتيل مســتجدات الفيروس قد يقود مجدداً إلى الأزمة الكلاســيك­ية القديمة نفســها بعنــوان الأدوات وأزمتها، وبعنــوان ما يعد به المسؤولون الأردنيون المواطن ولا ينفذ.

الطبيب والسياسي المخضرم الدكتور ممدوح العبــادي، كان قد طالــب علناً وأمــام «القدس العربي» بتخفيف تزاحم التصريحات والوعود،

وبالانتقال مبكــراً إلى مســتوى تثقيف المجتمع وبائياً، ومراقبة السلوك والتركيز على الوقاية.

عقــد مجلس النواب جلســة نقــاش عام لها علاقــة بملف كورونــا. في تلك الجلســة خطب بعض القوم، وطرحت أسئلة بلا جواب، ورئيس اللجنــة الصحية الدكتور أحمد الســراحنة أبلغ مبكراً أيضاً «القدس العربي» بأن اللجنة ستدخل في الاشــتباك، لكن مجلس النواب لا يقدم منتجاً له قيمة في هذا الموضوع بالنسبة للرأي العام.

أنجز رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، بمعية وزير الصحــة الدكتور نذير عبيدات، وفي ظــروف عمل معقــدة، بنود الالتــزام الأولى في خطاب التكليف الملكي للحكومة، فالمركز الوطني للوباء يعمــل الآن ومستشــفيا­ت القطاع العام بجاهزيــة كبيــرة، واحتمالات الانهيــار بالملف الصحي حتى اللحظة لم تعد واردة.

سؤال وإجابة ملتبسة

أنجز ذلــك فعلاً حتــى وإن كانــت الحكومة الحاليــة لا تصــارح الشــعب بطبيعة وســبب وخلفية أزمة اللقاحــات التي يؤمن الجميع بأنها سياســية ومالية قبل أي اعتبار آخــر. ما الذي يمكن فعله إزاء تدحرج أزمة الفيروس مجدداً في الأردن سياسياً ووطنياً بصورة خاصة؟

ســؤال الإجابة عليه ملتبســة؛ فالســلطات الســيادية تراقب بحذر، وأجندة الأمن الصحي تقفز قبل غيرهــا، والحكومة تعمــل ضمن نظام أولويــات قــد لا يناســب المواطــن ولا القطاع الخــاص، وعدد المواطنــن الذيــن تم تلقيحهم بائس جداً، لا بل يدل -سياســياً- على نمط من العجز البيروقراط­ي، والموجة الثالثة للفايروس وتحديداً بســالتها البريطانية تضرب بشــدة الآن، وتســيطر خصوصاً فــي العاصمة عمان، حســب الوزير عبيدات، والأرقام بدأت تتجاوز مجدداً 4500 إصابة، والقلق يتوسع.

في المقابل، تضيق الخيارات الاســترات­يجية، وتنشــغل دوائر القرار بالمشــكلة عندما تحصل على طريقة الرئيس الســابق للوزراء، الدكتور عمر الرزاز .

وفي التوازي، يرفع القطاع الخاص من جرعة اعتراضه، ويخشــى العواقــب الوخيمة لعودة الحظــر أو الإغلاق، لا بل يطالــب بضخ مال غير موجود دون مبادرات مرســومة مع قطاع البنوك علــى أســاس التحريــك للمشــاريع الصغيرة والمتوسطة. وضع معقد، لكن الثقة بالدولة كبيرة في المقابل.

عنــوان التعقيد وموجة الوبــاء الثالثة تطل برأسها وأشــباحها، هو تراكم أزمة مال ومعرفة، وتزاحم فــي التصريحات، ومبالغــة في وعود بيروقراطية أصبحت تشكل خطراً على المصداقية الآن.

 ??  ?? لاجئون سوريون ينتظرون دورهم لتلقي اللقاح ضد كورونا في مركز طبي في مخيم الزعتري شمال العاصمة عمان
لاجئون سوريون ينتظرون دورهم لتلقي اللقاح ضد كورونا في مركز طبي في مخيم الزعتري شمال العاصمة عمان

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom