أطلس إسرائيلي يتتبع خرائط الصراع على فلسطين برؤية صهيونية
صدر عــن معهد ترومان للدراســات الاستشــراقية التابــع للجامعة العبرية في القــدس المحتلة كتــاب "أطلس معهد ترومــان: خرائــط الصــراع اليهودي ـ العربي"، مــن إعداد ورســم الكولونيل الإسرائيلي في جيش الاحتياط شاؤول أرئيلــي، خبيــر الخرائط الإســرائيلي الأول.
وجاء في رســالة لرئيس إســرائيل رؤوفــن ريفلــن للكاتــب أرئيلــي عن الأطلس، أن "الكتاب يمتاز بمهنية وسعي حثيث وصولا للموضوعيــة من منطلق محاولة ناجحة لتوفير مرجع معرفي مهم وذي مصداقية على أساســه يمكن إدارة حوار سياســي عميق حول حل الصراع بيننا وبين جيراننا" .
ويقدم الكتاب الــذي يقع في 80 صفحة بنســخته العبريــة )تمت ترجمتــه إلى العربية والإنكليزية من قبل معهد ترومان( ســياق ترســيم حدود دولتي إســرائيل وفلســطين من خلال 22 محطــة تبدأ من رســائل ماكماهون- الشــريف حســن (1915( وصولاً إلى خطة ترامب )2020) .
في كل محطة يوفــر الأطلس خرائط ملونة بجودة عالية تظهر تفاصيل ملفتة للنظر. ويحمل أريئيلي درجة الدكتوراة في الجغرافيا من جامعة حيفا، وقد خدم في الجيش الإســرائيلي في عدة مواقع حساسة أهمها نائب المستشار العسكري لرئيس الحكومة الإســرائيلية )1997- 1999( ورئيس فريــق الحل النهائي في مداولات اتفاق أوســلو قبــل أن يتقاعد عام2001 وينضم إلى حــزب "ميرتس" اليساري الصهيوني.
ويعتبــر أرئيلــي مــن الضبــاط الإســرائيليين المطلعين علــى التفاصيل التي رافقت عملية المفاوضات فيما يخص ترســيم الحدود. ويختار المؤلف أن يبدأ الحكاية من رسائل ماكماهون - الشريف حســن التي بموجبها "فهــم" العرب أن أجزاء واسعة من فلســطين ستضم إلى دولة الشــريف حســن العربيــة. وهو يحاول هنا أن يشــير ضمنياً إلى أمرين: الأول، لا يوجــد نص صريــح وواضح يدعم هذه الاستنتاجات التي وصل إليها العرب، لكن لا ضير في اعتبار المراسلات وعداً بمنحهم أجزاء من فلسطين، فالأهم هو الأمــر الثاني الذي يريــد أرئيلي من خلاله إيصال رســالة مبطنة بأن سكان فلســطين العرب لــم يتوقوا فعــاً إلى الانضمام إلى دولة الشريف الحسين، بل إنهم حاربوا ضــد بريطانيا وإلى جانب القوات العثمانية على العكس من قوات الشريف حسين.
بنــاء علــى هــذه البدايــة والرؤية الصهيونية يتسلســل الكتاب ليشــرح تطــور الحدود المتنــازع عليها من خلال التركيــز على وجهــة النظر الرســمية المتمثلة بالاتفاقيات والمؤتمرات الدولية التي كان أهمها اتفاقية ســايكس- بيكو (1916(، مؤتمر سان ريمو )1920(، لجنة بيــل )1937(، قــرار التقســيم )1947،) تبادل الأراضي بموجب اتفاقيات الهدنة (1949(، حرب حزيران )1967(، اتفاقية أوسلو -1999(، )1993ومؤتمرات كامب ديفيد )2000( وطابــا )2001( وجنيف (2003( وأنابوليس )2007( وغيرها من المحطات.
وفــي كل محطــة يعرض إما الشــكل النهائــي للحــدود مــا بــن إســرائيل وفلســطين، أو يقارن المقترح الإسرائيلي بالفلســطيني. وقد احتلت القدس مكانة مركزية في الأطلس بــأن أفرد أرئيلي لها خرائط خاصــة لا تبخل فــي التفاصيل الدقيقة.
ويرى الباحث في المركز الفلســطيني للدراسات الإســرائيلية وليد حباس، أن اختيار أرئيلي لمحطات معينة والسكوت عن محطات أخرى، أثناء شرح سيرورة الصراع علــى الحدود، إنما يكشــف عن دمجه بين عقيدتين بشكل لا يعتبر إشكالياً بالنسبة له: من جهة، هو يتبنى وجه نظر صهيونية لضابــط اطلع علــى الصراع الحدودي داخل مؤسسة الجيش، بحيث أنه يــرى أن حدود أي دولة فلســطينية يمكن نقاشها بعد الاتفاق على ضم الكتل الاستيطانية الكبرى والحفاظ على أحياء واســعة من القدس الشــرقية. من جهة أخرى، يتفاخر أرئيلي بميوله اليســارية ونشــاطاته لتحقيق الســام من خلال إقامــة دولة فلســطينية، بيد أن ســقف "تنازلاته" اليســارية يصطدم باستمرار، وبشــكل غير معلن، بغريزته الصهيونية والتزامه بالحفاظ على أمن إسرائيل.
مرجع للمسألة الحدودية
يعتبر الكتاب مرجعا شــاملا لتطور المســألة الحدودية خلال ما ينيف على قرن من الصراع، لكنه في المقابل ينطلق من افتــراض مغلــوط يخفــي الوجه الاســتعماري التوســعي لإســرائيل من خــال تصويرهــا كدولة تســعى إلى "تعزيز الســام وحــل الصراعات الحدوديــة مــع الــدول والحضــارات والقبائل" المجاورة أســوة بالعديد من الدول ذات الحدود المتنــازع عليها، كما يؤكد حباس، معتبرا أن خرائط أرئيلي "لا تروي توســع الجيوب الاستيطانية في فترة الانتــداب البريطاني، ويقول إنــه يقفز مــن مشــروع دولــة "أرض إســرائيل" الذي عرضــه وايزمان أمام مؤتمر فيرساي للســام )1919( عندما كانت أراضي الاستيطان اليهودي تشكل جيوبا غيــر متصلة ومبعثرة في مناطق الســاحل الشــمالي، إلى قرار التقسيم الأممــي )1947( بكل سلاســة دون أن يأتي على مفهوم المشــروع الاستيطاني الــذي اعتمــد علــى توســع التخوم والسيطرة المتدحرجة على الأراضي من خلال وسائل قانونية وغير قانونية لم تخلُ من التحايل والعنف والاشتباك مع السكان الأصليين" .
تحايل جغرافي
وبشكل مشابه من التحايل الجغرافي، ينتقــل أرئيلي إلــى حــرب1967 ليقدم خريطة للشــطر الشــرقي مــن القدس والضفــة الغربيــة المحتلة وقــد امتلأت بالمســتوطنات الإســرائيلية، دون أن يشرح الســياق التوسعي الذي بموجبه تحولت الأراضي المحتلة من أرض متنازع عليهــا إلــى أرض متنازع فــي داخلها. مشــددا على أن هــذا الســكوت يجعله يفترض، بكل بســاطة، أن الحل العادل لحدود دولة فلسطين المســتقبلية يجب أن لا يجحف بحقوق المســتوطنين الذين قفزوا فجأة إلى داخل المشهد الجغرافي.
ويخلص للقول إنه رغم أهمية الكتاب كمرجع لا يمكن إغفالــه، إلا أنه يجب أن يُقــرأ باعتباره مرجعــاً صهيونياً يروي الحكاية من الأعلــى من خلال الاتفاقيات والمؤتمــرات التي عرضت حلــولاً وفق "الحالة القائمة على الأرض" وليس وفق الحق التاريخي أو السياسي.
وفي ســياق متصل حــذر أرئيلي أول مــن أمس من خطورة المســتوطنين على الديمقراطيــة في إســرائيل، بــل على مصيرها ومســتقبلها نتيجــة مواقفهم الغيبية المتطرفة والعنصرية. وسبق أن حذر من تبعات مخطط الضم الإسرائيلي واعتبــره "فشــا معروفا ســلفا" داعيا للتعلم من ضمّ الشــطر الشرقي للقدس المحتلة.
وفي محاضــرة له قبل عدة شــهور قال أرئيلــي إنه من المحظــور التورط بمخطط الضمّ لأنه ســيحول إسرائيل مثلما حدث فــي القدس إلى دولة فقيرة مليئــة بالتوتــر والعنف، مــع أغلبية عربية، حيث تتحول إلى دولة مجذومة فــي العالم في أعقاب نظــام "ابرتهايد" تفرضه علــى وطن فيه شــعبان مثلما فرضته على عاصمتها.
وأوضح أن أحــد ادعــاءات رافضي التســوية الدائمــة ومؤيــدي الضم هو الزعم بأنه تم ضم شرق القدس والعالم صمــت، لافتا إلى أن عــددا منهم يواصل تمجيــد إنجــازات الضم بتبنــي أقوال رئيس الحكومــة بنيامــن نتنياهو في خطابه في يــوم القدس في عــام 2015 "لقد تم رأب الصدع في عاصمتنا القدس. وقد عــادت لتكون مدينــة تم توحيدها. تقســيمها أدى إلى خرابهــا، وتوحيدها أدى إلى ازدهارها ". وتســاءل علينا أن نسأل هل ضم شــرقي القدس هو نجاح كبير جــدا، الذي على ضوئــه يجدر أن نأخذ المخاطرة التي يكتنفها ضم مناطق في الضفة الغربية؟