Al-Quds Al-Arabi

سارة وهاجر سيدتان فلسطينيتان وأبناؤهما تحرمهم إسرائيل من لقاء الزوج والأب

- الناصرة ـ «القدس العربي» من وديع عواودة:

هاجر وســارة ســيدتان فلســطينيت­ان تحملان اســمين تاريخيين مشحونين ولهما ربما دلالة على الصراع المتواصل، يحرمهمــا الاحتلال وأبناءهمــ­ا من زوجيهما فــي قطاع غزة وتنتظران حلا يوحد شطري البرتقالة الواحدة.

لم يلتق حماد أبو جزر) 19 عامــا( من غزة والده منذ نحو أربع ســنوات، ولم تره شــقيقته آمنة )20 عامــا( منذ عامين ونصــف، وهمم جــزء من عائلة فلســطينية قطــع الاحتلال أوصالها.يقيم الوالد فارس أبو جزر في غزة على بعد ســاعة سفر من مكان إقامة كريمته في بلدة شقيب السلام في النقب، وعلى بعد ســاعتين من مكان ابنه في مدينة اللد داخل أراضي 48. ويأتي الفصل بين اللحــم والعظم، بين الأب وابنه وابنته لأن إسرائيل تمنع من تجاوز الثامنة عشرة من عمره من زيارة غزة المحاصرة ولقاء ذويه فيها.

ويذكّر هــذا الحرمان بســور برلين التاريخــي الذي مزق عائلات ألمانية بين الشــطر الشرقي والشــطر الغربي لألمانيا، أو كما يجري اليوم بين الكوريتين حيــث يمنع الآباء من لقاء أبنائهم خلف الجدار.

وحســب معطيات جمعية "مســلك" الحقوقية الإسرائيلي­ة هناك مئات الفلســطين­يين ممــن مزقت أوصالهــم إجراءات الاحتلال وتبقى مآســيهم بعيدة عن الاهتمام. لكن بالنســبة لحماد وشقيقته آمنة أبو جزر فإن حرمانهما من لقاء والدهما يعذبهما ويهز كيانهما من الأعماق.

وكانت آمنة قد تزوجت في شــقيب السلام ودون مشاركة والدها في حفل زفافها، وهــو حتى الآن لم يلتق زوجها يوما. كذلك يمــارس حماد حياته فــي اللد دون أب الــذي يحتفظ بالتواصل معه عبر الهاتــف فقط. ويقيم حماد في حي المحطة داخل مدينة اللد حيث تســود شــروط حياتية قاسية وبنى تحتية شبه معدومة، وما زال الشارع الرئيسي في مدينة اللد يذكّر بمن احتل المدينة وطرد أهلها عام 1948، اســحق رابين، ويتقاطع الشــارع مع شوارع أخرى تحمل أسماء عربية داخل حي المحطة كأنور الســادات، ونجيب محفوظ، وصلاح الدين والملك محمد الخامس.

محرومون من المدرسة أيضا

في هذا الحي يسكن حماد أبو جزر في اللد مع جدته حمدة (65 عامــا( المولودة في غزة وتقيم في اللد منذ 50 عاما وعمته وأبنائها، وهــم أيضا محرومون من والدهم فــي غزة. الوالد فارس أبو جزر )43 عاما( مــن رفح وزوجته هاجر )42 عاما( من اللد وقد سافرت مع ســتة من أطفالها إلى القطاع قبل شهر للقاء الزوج - الوالد وبعد عدة أســابيع يفترض بهم العودة إلــى اللد.في رفح يعمل فارس أبو جزر حارســا في مدرســة وكان حتــى اندلاع الانتفاضة الثانية عــام 2000 أقام في بئر الســبع حيث تعرف على زوجته، ومن وقتها تقطعت الســبل بأبناء العائلة الواحدة وتشتت شملهم ويضطر الأبناء للتنقل بين اللد وغزة كل عدة شــهور، وتحتــاج كل زيارة لترتيبات وإجــراءات مضنية تبلــغ أحيانا تقديم التماســات للمحكمة العليا. وتنتهي كل زيارة بالمزيــد من الألم بفعل الفراق، فراق الزوجة عن زوجها والأبناء عن والدهم21 سنة.

وبالنسبة لحماد وآمنة فالوجع أكبر فهما محرومان من مثل هذه الزيارة لأنهما تجاوزا العمر المســموح به لزيارة القطاع بعدما أمضيا طفولتهما متنقلين بين اللد ورفح. وتحظر سلطات الاحتلال لقاء الأب بابنيه في الأفراح وفي الأتراح هنا في اللد وهناك في رفح، وكان اللقاء الأخيــر مع والده قد تمّ في 2016

وبسبب الظروف العائلية حرم من مواصلة تعلمه، فقد تسرب من المدرسة وهو في الصف الرابع وكان مضطرا للمشاركة في إعالة أسرته، فعمل في النهار مع خاله في تركيب الألمنيوم وفي الليل داخل النظافة في محطة القطار في تل أبيب.

زواج آمنة

وتزوجــت الابنــة آمنة قبــل عامين من ســام، أردني من بلدة شــقيب السلام في النقب، وهو ســائق جرار وتقيم معه داخل مبنــى متواضع من الزينك، وهي تحــن إلى اللد ولرفح وبالأساس مشــتاقة لوالدها الذي حرمت منه في يوم زفافها ومنعت مــن زيارته عندما مكث في المستشــفى جراء إصابته بجلطــة قلبية، ورفضت محكمة إســرائيلي­ة طلبهــا بزيارته مرتين.

ويوضح "مركز حمايــة الفرد "الذي يعالج مأســاة عائلة أبو جزر منذ 2009 أنه قام بعشــرات المكاتبات والالتماسـ­ـات من أجل لم شــمل العائلة، وتطالب الزوجة اليوم بالســماح لها بالانتقال مــع أبنائها إلى رفح، لكن ســلطات الاحتلال لم ترد على طلبها بعــد ونتيجة لذلك يحرمون مــن العلم، رغم أنهم يتعلمون في مدارس رفــح التي فتحت أبوابها قبل فترة. ويعالــج " مركز حمايــة الفرد" اليوم ملفات مشــابهة لـ 150 عائلة فلســطينية قطع الاحتلال أوصالها عــاوة على مئات من العائلات الفلســطين­ية التي تواجه المأساة ذاتها ولا يتابع المركز قضاياها.

الاشتياق للجد والجدة

وتقول مديرة مركز حماية الفرد جيسيكا مونتيل، إنها تتابع ملف عائلة أبو جزر منذ 2009 في محاولة لتأمين الحد الأدنى من الحياة الأسرية الطبيعية رغم القانون العنصري بمنع لم الشــمل والحصار المفروض على غزة. منوهة أنها تتوجه مرة كل ستة شهور لســلطات جيش الاحتلال لاستصدار تصريح للأم هاجــر وأبنائها لزيارة الزوج - الوالــد في رفح. وتؤكد أيضا إهمــال الكثير مــن طلباتها مما يضطــر المركز للتوجه للمحاكم. وتضيف "هذه العائلات المنشــطرة تعيش مع سيف مســلط على رقابهــا لأنه عندمــا يبلغ الابــن 18 عاما ينبغي عليه الفراق عن والده وربما للأبد، وهذه سياســة إسرائيلية وحشية. وتتســاءل "كيف يمكن لإسرائيل أن تحرم فتاة ابنة 18 عاما من عدم رؤية والدها وهو على قيد الحياة؟".

جنسية الأب الأوروبية لا تشفع للزوجة والأبناء

كذلك تشير إلى أن ســارة شــقيقة هاجر )41 عاما( تكابد محنة مشــابهة، فهــي تقيم في اللد مع خمســة مــن أبنائها، بينما زوجها منصور المولود فــي رفح مقيم في مدينة فولكان )ترانســيلف­انيا( وهو صاحب جنســية رومانية ولم تره منذ عام يعيش في غزة ويمنع من زيــارة البلاد، وهي غير قادرة على الســفر لملاقاته فــي رومانيا. وقبل شــهرين عاد الزوج منصور من رومانيا إلى رفح وصار على بعد ســاعتي سفر من أسرته لكن لم شــمله معها بات أكثر صعوبة في ظل إجراءات الاحتلال. وحاليا تسعى الزوجة سارة على أمل اللقاء وتسأل كيف يعقل أن يمنع الابن من أبيه في 2021؟

وردا على ســؤال" القدس العربي" يقول حماد أبو جزر إن أكثر ما يشــتاق له في رفح هو لقاء جديه حامد وآمنة في رفح ( 92 و 75 عاما(. ويضيف "أســموني على اســم جدي وآمنة شقيقتي على اسم جدتي، لكننا لا نلتقي سوى بالاسم، ويبدو أننا سنحرم منهما للأبد بسبب هذا الحصار الظالم على قطاع غزة" .

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom