Al-Quds Al-Arabi

كيف تدير إسرائيل خلافاتها مع الولايات المتحدة وتكسب

- *كاتب مصري

دخــل الخــاف الأمريكــي - الإسرائيلي بشــأن عودة الولايات المتحــدة للاتفاق النــووي الإيراني منعطفا حادا، أظهر وجود هوة عميقة بين استراتيجيت­ين مختلفتــن، الأولى هي العودة للدبلوماسـ­ـية، يأخذ بها ويمضي فيها الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، والثانية هي الاستمرار في سياســة الضغوط القصوى والتهديد بالحرب، والإعلان عن الاســتعدا­د لهــا، يتبناها رئيس الوزراء الإســرائي­لي بنيامين نتنياهو، ومن ورائه للمرة الأولى في تاريــخ المنطقــة، طابور من الــدول العربية الخليجية، يضم السعودية والإمارات والبحرين.

وقد بدأت فعــا عجلة اســتراتيج­ية الدبلوماسـ­ـية في الــدوران، بدون اعتبــار لموقف إســرائيل وحلفائها الخليجيين. وأعلن الرئيس الأمريكي أنه ســيقبل دعوة أوروبية للنقاش مــع إيران، وقرر تخفيــف القيود على حركة دبلوماســي­يها العاملين في بعثة الأمم المتحدة في نيويــورك، كما أبلــغ مجلس الأمن ســحب طلب تجديد العقوبــات الأممية الــذي كان قد تقدم به ســلفه، وكان المجلس قد رفضه بالفعل.

الرد الإسرائيلي على دوران عجلة الدبلوماسي­ة، تمثل في توجيه اتهــام للرئيس الأمريكي بأنه يســاعد إيران على امتلاك ترسانة نووية، وإعلان أن إسرائيل لن تكون جزءا من اســتراتيج­يته الدبلوماسي­ة، والتهديد باتخاذ عمل عســكري ضد إيران لمنعها من امتلاك سلاح نووي. فهل تستطيع إســرائيل بدون مساندة أمريكية، التصرف بمفردها في الشــرق الاوسط؟ الإجابة تســتدعي إلقاء نظرة على خلافات ســابقة بين الحليفين، وكيف تم حلها، وذلك لاستخلاص مؤشرات تقود لسيناريوها­ت لتجاوز الخــاف الحالــي. ومن المعــروف أن العلاقــات بين تل أبيب وواشنطن ســجلت خلافات عديدة، منذ خلاف بن غوريون - أيزينهاور حول ضرورة انســحاب إسرائيل من سيناء بعد حرب السويس عام 1956، وتهديد الرئيس الأمريكي بفرض عقوبات اقتصادية على إســرائيل إذا لم تنسحب. وسوف نزور في عجالة ثلاثة خلافات رئيسية، هي الخلاف بــن مناحم بيغــن ورونالد ريغان بشــأن صفقة طائرات الإنــذار المبكر )أواكس( إلى الســعودية عام 1981. والخلاف بين إســحق شــامير وجورج بوش بشــأن مســاعدات مالية قيمتها 10 مليارات دولار، قرر بوش ربطها بوقف بناء المســتوطن­ات في الضفة الغربية وغزة والجولان، عام ‪/1992. 1991‬والخلاف بين نتنياهو وأوباما بشأن إيران ووقف الاستيطان في الضفة الغربية عام 2016 .

صفقة الأسلحة للسعودية

بعد قيام الجمهورية الإســامية في إيران، ثم نشوب حربها مع العراق، ســادت حالة من الفزع لدى الأســرة الحاكمة الســعودية، وراحت الريــاض تبحث عن طرق لتحصــن دفاعاتها ضد إيــران، ومحاولة إنشــاء قوة ردع عســكري توفر لها شــعورا بالأمان النسبي، فبدأت مفاوضات مع واشــنطن، انتهت بموافقة الرئيس رونالد ريغان علــى إمداد الســعودية بصفقة أســلحة ضخمة تشمل طائرات الإنذار المبكر )أواكس( وطائرات للتموين بالوقــود في الجو والطائرات المقاتلــة المتقدمة إف - 15 إضافــة إلى دبابــات وذخائر وأســلحة أخــرى. وفور الإعلان عن الصفقة تحركت ضدها لجنة الشؤون العامة الإســرائي­لية الأمريكيــ­ة )أيباك( وغيرها مــن جماعات الضغط اليهودية. ووجد التحرك اســتجابة كبيرة داخل الكونغرس، وشــعر ريغان بأنه يقف في خندق الدفاع، فاستعان بشخصيات بارزة لتنظيم حملة مضادة، ضمت الرئيس الأســبق ريتشارد نيكســون، وهنري كيسنجر ووزيــري الخارجية ألكســندر هيــغ، والدفاع كاســبر واينبرغر. كما أعاد ريغان التأكيد على أن الصفقة تساعد على ضمان السلام، وزيادة أمن إسرائيل، ولا تنطوي على أي تهديد لها، واستطاع بصعوبة أن يحصل على موافقة الكونغرس. ثم شــهدت الأسابيع التالية للموافقة نشاطا دبلوماسيا كثيفا بين واشــنطن وتل أبيب، شمل زيارات قام بها مناحم بيغن ووزير خارجيته إســحق شــامير، ووزير دفاعه أرييل شــارون، ومن الجانب الأمريكي كل من وزيري الخارجية والدفــاع. لم يكن أحد يعرف تماما ماذا يجري وراء الكواليــس، لكن قادة الولايات المتحدة وإسرائيل فاجأوا العالم في ديسمبر 1981 بتوقيع اتفاق للتعاون الاســترات­يجي بينهما، يتضمن إمداد إســرائيل بكميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، تحت غطاء تعزيز قوتها لمواجهة أي تهديد عسكري سوفييتي للمنطقة، وقد استخدمت إســرائيل بعض هذه الأسلحة فعلا في حرب لبنان بعد ذلك.

قرض الـ 10 مليارات دولار

بدأ خلاف شــامير - بوش مبكرا عام 1991 عندما كان الشــغل الشــاغل للولايات المتحدة، إنهاء احتلال قوات صدام حســن للكويت. ويبدو أن جورج بوش الأب كان قد طور استراتيجية شــاملة، للمساعدة على حل أزمات الشــرق الأوسط المســتعصي­ة، من بوابة تشكيل تحالف دولي يضم دول المنطقة، بما فيها مصر وسوريا والأردن، لتحرير الكويت أولا، ثم حل القضية الفلســطين­ية ثانيا، من خلال مؤتمر للســام تشارك فيه إســرائيل والدول العربية. ومن أجل ضمان نجاح هذه الاستراتيج­ية، أبلغ إسرائيل اســتبعاده­ا من التحالف العسكري، وطلب من رئيس الحكومة إســحق شــامير الالتزام بعدم الرد على الصواريــخ العراقية. وبعد إتمــام عملية تحرير الكويت عاد بوش وطلــب من شــامير وقف بناء مســتوطنات جديدة، وأن تنضم إســرائيل إلى مؤتمر مدريد للسلام. ومع أن شــامير وافق بصعوبة على اشتراك إسرائيل في مؤتمر مدريد، إلا أنه رفض بشدة وقف بناء المستوطنات. وردا على موقف شامير أعلن بوش تعليق ضمانات مالية قيمتها 10 مليــارات دولار، كان قد تعهد بها للمســاعدة على بناء مساكن كافية لاســتيعاب ما يقرب من 350 ألفا مــن المهاجرين اليهــود الروس. وطلب مــن الكونغرس تأجيل مناقشة موضوع الضمانات، حتى يتم الانتهاء من مؤتمر مدريد. وعندما حشدت إسرائيل جماعات الضغط الموالية لهــا للتأثير في أعضاء الكونغــرس، هدد بوش باســتخدام الفيتو ضد أي قرار للكونغرس بالموافقة على التسهيلات المالية. واشتعلت بين الطرفين معركة سياسية حامية، أسهمت في ســقوط جورج بوش في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 1992 وخروجه من البيت الأبيض، ليحل محله بيــل كلينتــون، الذي وافقــت إدارته على تجديــد الالتــزام بدفع 10 مليــارات دولار. وقــد ابتهج شامير بسقوط بوش بعد فترة رئاسة واحدة، كما تبارى الأكاديميـ­ـون والمحللون السياســيو­ن في اســتخلاص النتائج من التجربة، للتأكيد علــى أن الرئيس الأمريكي الذي يمضي في معارضة إسرائيل للنهاية، تكون نهايته السقوط.

خلاف نتنياهو - أوباما 2016

مرة أخرى كانت سياسة الاســتيطا­ن موضوع خلاف كبير بين إدارة الرئيس بــاراك أوباما، وحكومة نتنياهو. وكان أوبامــا قد تبنى سياســة تجاه الشــرق الأوســط تتضمن إقامــة دولة فلســطينية قادرة علــى البقاء إلى جانب إســرائيل، وترتبط معها بعلاقات تعاون وسلام. كما تضمن أيضا محاولة نزع فتيل أزمة البرنامج النووي الإيراني، بضمها إلى اتفاق دولي يضمن خضوع منشآتها النووية للتفتيــش، وفرض قيود لضمان عــدم امتلاكها لسلاح نووي. وإلى جانب ذلك ســعى أوباما خلال فترة حكمه الثانية إلى إقامة وفاق عربي - إيراني، وتشــجيع السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسي­ة. هذه السياســة التي تبناها أوباما لــم تتفق مع توجهات نتنياهو، الذي حــاول بكل الطرق التأثير في السياســة الأمريكية في الشــرق الأوســط. لكن الخلافات بشــأن إيران والمستوطنا­ت، راحت تتصاعد عاما بعد آخر، حتى وصلت الأمور إلى مواجهة حادة بين الطرفين، لم يتراجع

فيها أوباما عن انضمام الولايات المتحدة للاتفاق النووي، بينما واصل نتنياهــو تحديه لــإدارة الأمريكية، في ما يتعلق ببناء المســتوطن­ات، فما كان مــن أوباما إلا أن قرر الامتناع عن اســتخدام حق الفيتو في مجلس الأمن على قرار يعتبر ان المســتوطن­ات غير شرعية، وتمثل عقبة في طريق السلام، وهو ما أثار غضب الحكومة الإسرائيلي­ة.

ومع ذلك فإن أوباما، الذي كان على وشك مغادرة البيت الأبيض، بعد انتهاء مدة الرئاسة الثانية، ظل حريصا على استمرار ضمان الولايات المتحدة لأمن إسرائيل، ووقع مع نتنياهو على اتفاق طويل الأجل للمســاعدا­ت العسكرية بقيمة 38 مليار دولار لمدة 10 سنوات. وتستخدم إسرائيل هذا الاتفاق لتمويل مشتريات ومساعدات عسكرية شملت صفقة الطائرات إف - 35 وقائمة المشتريات الجديدة التي قدمها وزير الدفاع بيني غانتس في أواخر العام الماضي.

استنتاجات

الاستنتاج الأول، هو أن الخط الأحمر الذي لا يتجاوزه أي خلاف بين واشــنطن وتل أبيب هو التــزام الولايات المتحدة بأمن إســرائيل الــذي يقوم على مبــدأ التفوق العســكري المطلق، علــى ألا يتعارض هــذا الالتزام مع المسؤولية العالمية للولايات المتحدة، بوصفها أقوى دولة وقيادة العالم الحر.

الاســتنتا­ج الثاني، أنه في كل مرة وقــع فيها خلاف يتعلق بالقضية الفلســطين­ية، فإن إســرائيل مضت في تطبيق استراتيجيت­ها التوسعية المستقلة.

الاستنتاج الثالث، أن الخلافات الإقليمية كانت تنتهي بحصول إســرائيل على صفقة مالية/ عســكرية، تضعها في موقــع تفاوضي أفضــل، وتعزز مكانتهــا الإقليمية، وتســاعدها على زيادة اســتقلال قراراتها عــن الإدارة الأمريكية، كما شهدنا من بن غوريون إلى شامير.

ومن ثم فإن أحد خيــارات حل الخلاف الحالي، يتمثل في مقايضة سياســية، تحافــظ على تفوق إســرائيل، وتضمن تخفيــف معارضتها لعودة واشــنطن للاتفاق النووي، مع التفاوض لتعديلــه، مقابل تنازلات أمريكية تتعلــق بالموقف من الجولان، وضم الكتل الاســتيطا­نية فــي الضفة الغربيــة، بمــا فيهــا وادي الأردن، وتوقيع اتفاقية شــراكة وتحالــف اســتراتيج­ي، كان نتنياهو يســعى إليها مع دونالد ترامب. لكن هــذا الخيار يتوقف أيضا على اتفاق بشــأن حدود الدور الإيراني المقبول في المنطقة. ومن الصعب جدا في الظروف الراهنة، أن يتمكن نتنياهــو من قيادة تحالف مســتقل بــدون تفويض من الولايات المتحدة. وليس من المستبعد أن يبحث الطرفان العديد من الخيــارات العملية الأخرى داخل حدود الخط الأحمر، الذي يشترط تحقيق التوافق بين ضمان التفوق العســكري لاســرائيل، وواجبــات المســؤولي­ة العالمية للولايات المتحدة.

الخط الأحمر الذي لا يتجاوزه أي خلاف بين واشنطن وتل أبيب هو التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom