Al-Quds Al-Arabi

الانتخاب في علاج الانقلاب!

- – * كاتب فلسطيني s.saidam@gmail.com

عاش المجتمع الفلسطيني منذ عام 2007 تحت وطأة الانقســام المشــؤوم، بعد ما عرف بالانقلاب الأسود، الذي سماه المتضامنون معه بالحسم العسكري لتعيش فلســطين نكبتها الثانية، وينفصل قطــاع غزة بمعظم تفاصيــل حياته بعيــداً عن الضفة الغربية. ســنوات عجاف تحولت معها منصــات الفضائيات، وصفحات الجرائــد اليوميــة، ومواقع الإعــام الاجتماعي، إلى واجهات للهجوم والهجوم المضاد بــن الفرقاء، بينما تعززت علــى الأرض الشــرذمة الفلســطين­ية، وزاد استفراد الاحتلال بأبناء الشعب الواحد، بعد أن أصبح الانقسام الشغل الشاغل.

ورغم محــاولات عدة لجســر الهوة وتجــاوز هذا الحــال، إلا أن المشــهد عــاود الانكفاء في مناســبات مختلفة، ما أعاد المجتمع الفلسطيني برمته إلى وضعية انعدام الثقــة وتعاظم الإحباط وغيــاب الأمل. وعليه فإن ما تراكم خلال أعوام خلت من إســاءات وإهانات وتعديات، لا يحتاج اليوم لمقال جديد لتحليله، وإلقاء المزيــد من اللــوم والاتهامــ­ات، ما يزيد من منســوب الألــم والإحبــاط، وإنما يحتــاج لكلمات قد تســاهم في تجاوز هــذا الحال. ومــع تطور الحالــة الوطنية الفلســطين­ية ونضوجها اليوم، إلى حالة الإجماع على انتخابات وطنية شــاملة، فإن هــذا المقال لن يكون إلا مســاهمة متواضعة نحو تعزيز الالتحام الفلسطيني

الفلســطين­ي، علــى قاعــدة أننا كلمــا ازداد تلاحم سواعدنا، أصبحت فلسطين حتماً أقرب.

وبعيداً عن الأسباب والمســببا­ت، وطبيعة الدوافع التي قادت إلى اســتدامة الانقسام وتجذيره على مدار 14 عاماً، فإن السؤال حتماً، الذي سيبقى مطروحا على مدار الســاعة، وحتى بداية لحظات الاقتراع هو ما إذا كانت الانتخابات ستتم فعلاً أم لا؟

حقيقــة الأمر أن هذا الســؤال، ارتبــط بكل تجربة ديمقراطية خاضتها السلطة الفلســطين­ية، باستثناء الانتخابات التشريعية الأولى عام 1996، بل إن السؤال ذاته قد ارتبط بالأحرى بالتجربة الديمقراطي­ة لبعض الفصائــل كحركة فتح، وتحديداً مــع انعقاد مؤتمريها الســادس والســابع. ولعل اســتدامة هذا السؤال لا ترتبــط فقــط بحجم غيــاب الثقة بين حمــاس وفتح تحديداً، وإنما أيضاً بكل ما يحيط بالعملية الانتخابية من عوامل مؤثرة، يتجاوز البعض منها حدود الوطن، وهو ما يزيد من حساســية الأمور، بصورة تجعل منها أقــرب لكونها أشــبه بعملية جراحية تحتــاج لعناية مكثفــة ودقة فــي التعاطي مع الأمــور لضمان نجاعة الأداء ونجــاح تلك العمليــة. المهــم، التعامل بحيطة كبيرة مع كامل الملفات، وضمان استمرار دعم جميع من قادوا لهذه اللحظة، مستندين لما ورد في إعلان الأمناء العامــن للفصائل الفلســطين­ية في أيلول/ســبتمبر الماضي، وما تبعــه من لقاءات تنقلت بين عواصم عدة،

وصولاً إلى لقاء القاهرة الأخير في كانون الثاني/يناير من هذا العام، وما رشح عنه من برنامج واضح لتنفيذ الانتخابات الفلســطين­ية، الذي صادقت عليه بدورها الفصائل قاطبة، بخلاف حركة الجهاد الإسلامي، التي عادت وأكدت بعد مصادقتهــا على عدم رغبتها خوض الانتخابات لكنها لن تســعى لتعطيلها. الانتخابات في فلســطين وحدوثها، لا بد أنها ستبقى في دائرة الشك، لأسباب عدة يطول شــرحها، لكن ما يهمنا هو أن نرى ذلك اليوم المشهود وقد تحقق، لا لإعادة إنتاج الانقسام والتشظي وإنما لتحقيق الهدف الذي من أجله أجمعت الفصائل على الانتخابات، ألا وهــو تحقيق المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية وتوحيد البيت الفلسطيني تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، والتركيز على مهمة الفصائل الأهم ألا وهي إنهاء الاحتلال الصهيوني وإقامــة الدولة. لذلك فإن نجــاح الانتخابات من دون تحقيق المصالحة الفلســطين­ية -لا قدر الله - سيكون أشــبه بحال يقال فيه: لقد نجحت العملية لكن المريض قد مات!

نجاح الانتخابات بدون تحقيق المصالحة الفلسطينية سيكون أشبه بحال يقال فيه: لقد نجحت العملية لكن المريض مات!

 ??  ?? د. صبري صيدم*
د. صبري صيدم*

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom