Al-Quds Al-Arabi

«التايمز»: هل يقود انسحاب أمريكا من المنطقة إلى تحول بوتين صانعاً للسلام بين إسرائيل وسوريا؟

- لندن - «القدس العربي» من إبراهيم درويش:

نشــرت صحيفة «التايمز» مقالاً لروجر بويز بعنوان «هل يمكن أن يكون بوتين صانع ســام في الشرق الأوسط؟» قال فيه إن الكرملين يقيم علاقــة منذ أكثر من نصف قرن مع عائلة الأســد التي تحكم ســوريا، أولاً مع الأب حافظ ثم ابنه بشــار. وهي علاقــة ممهورة بالــدم، وفي هذه الحالة، لو أطيح بشار غداً، فلن يتردد بوتين في أن يحيطه بالعناية. وربما منحه «داشا» أو منزلاً ريفياً خارج موســكو ويخصص له من يقومون بخدمته والتســوق له، وفريق حراسة مسلحاً لكي يمنــع المحكمــة الجنائية الدوليــة وأعداء آخرين من الوصول إليه.

ومع ذلــك، فالعلاقــا­ت بين بوتين والأســد، وكلاهمــا في الســلطة منذ عــام 2000 لا يمكنها تفســير الأحــداث الغامضة الأخيــرة. وأولها، التوســع بدرجات ســريعة في القاعدة الجوية العسكرية الروســية في حميميم قرب اللاذقية، حيث خصص السوريون في العام الماضي قطعة أرض إضافيــة ليتم إنشــاء مــدرج جديد فيها. وتشير تقارير إلى أن المدرج الثاني من أجل تمكن القاذفات الإســترات­يجية من استخدامه. وتضم قاعــدة حميميم كذلك وحدة تجســس متطورة تابعة للاستخبارا­ت الروسية وحظائر طائرات محصنة لحماية عشــرات الطائرات من هجمات الطائــرات دون طيــار. وتعــد القاعــدة المركز العصبي للدفاع الجوي السوري. والسؤال الآن: «من يحتاج إلى مقاتلات اســتراتيج­ية في وقت تعيش فيه الحرب الأهلية في سوريا أهدأ أوقاتها منذ عقد؟».

لغز آخر

ويعتقد الكاتب أن هناك لغزاً آخر غير توسيع القاعدة العسكرية باللاذقية، وهو وساطة بوتين في عملية تبادل للأسرى بين سوريا وإسرائيل. فقــد تمــت مبادلــة راعيــن ســوريين بامرأة إســرائيلي­ة حققت معها المخابرات السورية بعد أن دخلت إلى قريــة درزية في الجولان في وقت ســابق من هذا الشــهر. وجاءت وساطة بوتين مقابل هدية كريمــة وافقت فيها إســرائيل على شراء كميات من لقاح سبوتنيك الروسي المضاد لكوفيــد-19، بقيمة 1.2 مليــون دولار لتوزيعه في سوريا. ويعتقد بويز أن بوتين يحاول تأكيد دوره كلاعب قوي في الشرق الأوسط، مستفيداً من الفجوة التي خلفها تراجع الولايات المتحدة من المنطقة. ويرى الكاتب أن فك الولايات المتحدة علاقتها بالمنطقة والذي بدأ في عهد باراك أوباما

وإهمالها للزعماء العرب وتركيزها على الصين، ترك فجوة.

وكان التدخل العســكري الروسي في أيلول/ سبتمبر 2015 هو الذي أنقذ بشار الأسد، وهو ما خلّف انطباعاً لدى الأنظمة العربية في كل مكان من أن روســيا على خلاف أمريكا، تسارع لنجدة حليفها. كما لعبت روسيا دوراً في تخليص الأسد من ترســانته الكيميائية، وبهــذه الطريقة فتح بوتين مخرجاً يحفظ ماء وجه أوباما الذي وضع خطا أحمر تحت استخدام الســاح الكيميائي. وبنفس السياق أمّن بقاء وكيله بشار الأسد.

وحسب مصدر في شــرق أوروبا تحدث إليه بويز، قال إنه لا تمر لحظة تتعلق بأزمات الشرق الأوسط، إلا ويستيقظ فيها بوتين ويفكر: «كيف كان يفغيني ماكســيموف­يتش سيتصرف في هذا الموقف؟».

وكان المصدر يشــير إلى يفغيني بريماكوف، المســتعرب الروســي الثعلــب الــذي عمل في التســعيني­ات مــن القــرن الماضــي كرئيــس للمخابرات الروسية ووزيراً للخارجية ورئيساً للــوزراء. وبعــد نهاية الحــرب البــاردة، أكد بريماكوف أن المشكلة ليســت في تحول روسيا إلــى جزء مــن أوروبــا أم لا، بل كيــف تتحايل على النفــوذ الأمريكــي وتواجهه. وبالنســبة لبريماكوف، كان هذا يعني العمل على تشــكيل تحالفات براغماتية ومنع أمريكا من التقدم داخل

فلك التأثير الروسي أو الحديقة الخلفية لموسكو، وتحديد مكامن ضعف الولايــات المتحدة. وفي فترة بريماكوف، عززت روســيا موقعها كمصدر مهم للأســلحة، وركزت بشدة على البلدان التي انزعجت مــن الحضــور الأمريكي العســكري الضخــم في العــراق. ومرة أخرى، قــرأ بوتين حكمــة من كتاب أســتاذه الراحــل بريماكوف، وحوّل دعمه العسكري للأســد إلى وجود دائم في ســوريا، ليس مــن خلال القاعــدة الجوية والسيطرة على المجال الجوي، ولكن عبر قاعدة بحرية في المياه الدافئــة بميناء طرطوس على البحر المتوسط.

وعندما يتحقق السلام في سوريا، ستحاول

روسيا أن تلعب دوراً أكبر في أزمات منطقة شرق البحر المتوســط المتعددة. وبهذا الشكل ستعمل روسيا على تحدي الطموحات التركية بأن تكون القوة المهيمنة في الشرق الأوسط. ويعود الكاتب إلى عام 2007 الذي يرى أنه مرحلة بداية جهود بوتين لكي يكــون له دور فــي المنطقة والظهور بمظهر صانع الســام. ففي تلك الســنة أرســل بريماكوف إلى دمشــق لاستكشــاف إمكانيات تحقيق السلام في المنطقة بقيادة روسيا.

في تلك الفترة كان الأســد يجــري محادثات حذرة مــع إســرائيل حول مرتفعــات الجولان بوســاطة تركيــة. لم يحــدث أي تقــدم. وكان الجميع، بمن فيهم الرئيس الفرنســي نيكولاي

ســاركوزي، يتنافسون على ســوريا، معتقدين أن الأســد يمكــن أن يتحول إلــى حليف للغرب وليس لروســيا. ولم يتحقق من هذه الجهود أي شــيء، لكن بوتين لم ينس الفكرة. وكان تفكيره يدور حول هذا: ماذا لــو أقنعت إيران بالخروج من سوريا مقابل تنازل إســرائيل عن مرتفعات الجولان؟

يعتقد بويــز أنه لو ظل بريماكــوف على قيد الحيــاة لعــارض هذه الفكــرة، وذكّــر تلميذه بضرورة تناســيها. فلمــاذا تتنــازل إيران عن موطئ قدم لها في سوريا؟ وحتى لو عاد الحرس الثوري إلى إيــران، فماذا عن حزب الله ووكلاء إيران في المنطقة؟ وهل سيستســلم الإيرانيون بالفعل كجزء من صفقة تشمل تخفيف العقوبات وإحياء الاتفاق النووي؟

لــن يحــدث هذا فــي عهــد المرشــد الحالي للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

الخيلاء الإيراني

وربمــا زاد بريماكــوف وقــال لتلميــذه: «فلاديمير، ألم تشــاهد مسلســل وادي الدموع الإســرائي­لي؟ كيف يمكن لإســرائيل أن تتخلى عن الجولان؟ أي رســالة ستكون هذه؟» ذلك أن المسلسل التلفزيوني الإســرائي­لي صور ببراعة حجم الدماء التي ســفكت أثناء قتال السوريين في حرب عام 1973.

ومع ذلك، هناك شــيء ما. ومــن المحتمل أن ينجــذب رئيس الــوزراء الإســرائي­لي بنيامين نتنياهــو، الــذي ســيواجه انتخابــات أخرى الشــهر المقبل لفكرة انضمام ســوريا إلى قائمة الدول العربية الأخرى التي تســعى إلى توثيق العلاقات مع إسرائيل. ولو حدث ذلك، فستكون خســارة مدمرة للنظــام الإيراني. ويســتطيع نتنياهو قراءة الحروف المبهمة، فالأســد منزعج من الخيلاء الإيراني ولم يعد في حاجة إليه. كما سمحت روسيا للطائرات الإســرائي­لية بقصف وكلاء إيران في سوريا وهي إشارة إلى أن بوتين يؤيد الانسحاب الإيراني.

وفي النهايــة يقول الكاتب إن بوتين يشــتم رائحة فرصة في الطريــق، وهو ما يتضح كثيراً من الاجتماعات المختلفة التي عقدها المسؤولون الروس في القاعدة الجوية بسوريا. وفي الوقت الذي حدد فيه الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن سياسته في الشرق الأوسط بالعودة إلى طاولة المفاوضات وإحيــاء الاتفاق النووي الذي وقعه ســلفه باراك أوباما عام 2015 بشــكل ســيكون امتحاناً لقدراته السياسية وكرجل دولة، إلا أن هذه المحــاولا­ت لا تكفي لنــزع الفتيل من برميل البارود في المنطقة، وهذه فرصة، حتى لو كانت غير محتملة لفلاديمير صانع السلام.

 ??  ?? سورية تحاول منع مدرعة عسكرية روسية من الوصول إلى ضواحي بلدة ديريك الكردية شمال شرقي سوريا
سورية تحاول منع مدرعة عسكرية روسية من الوصول إلى ضواحي بلدة ديريك الكردية شمال شرقي سوريا

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom