Al-Quds Al-Arabi

بالعودة إلى «استراتيجية أربكان»: اردوغان يقود تحركاً جوهرياً لجمع كافة «المحافظين» الأتراك

في موازاة إعادة ترتيب صفوف حزبه في «إسطنبول الحاسمة»

- إسطنبول ـ «القدس العربي» من إسماعيل جمال:

يقود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حراكاً واســعاً في الأســابيع الأخيرة مــن أجل إعادة ترتيــب أوراق حزب العدالة والتنمية الذي ما زال يعيش آثار خســارته عدداً من بلديات المحافظات الكبرى فــي الانتخابات الأخيرة والآثار الســلبية لانشــقاق عدد من قياداته التاريخيــ­ة، وذلك في محاولة لضمان فوزه في الانتخابات البرلمانية والرئاســي­ة المقررة عام 2023 والاســتعد­اد لأي ســيناريو قد يقود البلاد لانتخابات مبكرة، وهو ما تضغط باتجاهه المعارضة بقوة.

هــذا الحــراك الذي بــدأ داخل صفــوف حــزب العدالة والتنميــة الحاكــم بعمــوم البــاد، يتركز هــذه الأيام في محافظة إسطنبول، أكبر مدينة تركية من حيث عدد السكان، وبالتالي تحتوي علــى أكبر عدد من الناخبــن، إلى جانب مكانتها الرمزية والتاريخية التي رســخت قاعدة أساســية في السياســية التركية طوال العقــود الماضية وهي «من يفز بإسطنبول يظفر بتركيا .»

لكن الأمــر يبــدو مختلفاً هذه المــرة، ويتجــاوز حدود الترتيبات التقليدية داخل إطار الحزب، حيث تشير كثير من التطورات إلى أن أردوغان بصدد مراجعات «اســتراتيج­ية» قد تقــوده إلى التقارب مــع أحزاب محافظــة معارضة، في حــن ذهب آخرون إلى أبعد من ذلــك بالتكهن بوجود توجه للرئيس التركي لإعادة إحياء إرث رئيس الوزراء الســابق نجم الدين أربكان، الذي أســس حركــة «مللي غوروش» أو «الرؤية الوطنية» والتي مهدت لوصول المحافظين إلى الحكم في تركيا.

المؤتمر العام للحزب

على الرغــم من ظروف الإغلاق التي عمــت البلاد نتيجة انتشــار فيروس كورونا ومنــع التجمعات، قــرر أردوغان قبل أســابيع اســتئناف عقد المؤتمرات المحليــة للحزب في المحافظات التركية الـ81 وهي الخطــوة التي تمهد تدريجياً للوصول إلى انعقاد المؤتمر العام للحزب والذي سيفرز قيادة جديدة تتمثل في اللجنة المركزيــة العليا في ظل عدم وجود شكوك باستمرار أردوغان بمنصبه الرئيس العام للحزب.

وبعد أن بدأت المؤتمرات بشــكل تدريجي من خلال تقنية الفيديــو كونفرنــس والتجمعات المحدودة، قــرر أردوغان النزول إلى الشــارع مجدداً والمشــارك­ة في إلقاء الخطابات المباشرة في مؤتمرات الحزب بالمحافظات المهمة، حيث يتوقع أن ينتهي الحزب من إجراء انتخابــات القيادة الجديدة في المحافظات الـ81 بحلول الأسبوع المقبل، على أن يعقد المؤتمر العام للحزب في النصف الثاني من آذار/مارس المقبل.

ويحمــل المؤتمر العــام للحزب هذا العــام أهمية خاصة، كونه يأتي لأول مرة بعد تراجع الحزب عقب ســنوات طويلة من التقدم المتواصــل، ويأمل منه أن يفرز قيادة جديدة أقرب للقاعدة الشــعبية للحزب، وبالتالي للشارع التركي، وذلك بعد أشــهر من الجدل السياســي والاتهامــ­ات للحزب الذي شــهد انشــقاقات هامة بالابتعاد عن نبض الشارع، وهو ما دفع الحزب فاتورته الباهظة بخســارة بلديات كبرى أبرزها إسطنبول والعاصمة أنقرة وأنطاليا وأضنة، في الانتخابات البلدية الأخيرة.

إسطنبول الحاسمة

من بين 81 محافظة تركية، تحمل إســطنبول أهمية خاصة لكافة الأحزاب التركية في الانتخابات المختلفة، حيث يعيش فيها قرابة 16 مليون مواطــن؛ أي ما يعادل قرابة خمس عدد ســكان البلاد، 11 مليون منهم يحق لهم الانتخاب؛ أي قرابة 20٪ من نسبة الناخبين، وتضم تركيبة منوعة شاملة لكافة الأصول العرقيــة والتوجهات السياســية التي تجعل منها بمثابة «تركيا صغيــرة» وعلى الدوام ثبت أن من «يكســب إسطنبول يظفر بتركيا .»

وبناء علــى ذلك، أولــى الرئيس التركــي أهمية خاصة لانتخابات الحزب في إســطنبول هذا العــام، والتي تجري لأول مرة وبلديــة المدينة تحت قيادة أكرم إمــام أوغلو عن حزب الشــعب الجمهوري، حيث يأمــل أردوغان وحزبه أن تمكن الترتيبات الجديدة الحزب من اســتعادة إســطنبول والفوز في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.

استراتيجية أربكان

انتخابات قيادة حــزب العدالة والتنمية في إســطنبول حملت فــي طياتها تغييراً بارزاً حمل مؤشــرات مهمة، حيث أعلن، الإثنين، رئيس الحزب في المدينة أنه لن يترشح لقيادة الحزب في انتخابات الأربعاء، قبل أن يظهر اســم المرشــح الجديــد عثمان كباك تبــه، الذي يعدّ من القيــادات القديمة لحركة «مللي غوروش» الذين عملــوا إلى جانب نجم الدين أربكان لفترة طويلة. وهو ما فتح الباب واسعاً أمام الكثير من التكهنات. فتغيير الرئيس الســابق للحزب اعتبره البعض إقصــاء له لقربه من بيــرات البيرق وزيــر الخزانة والمالية السابق وصهر أردوغان الذي اســتقال مؤخراً واختفى عن الأنظــار، لكنه عمل في الســنوات الأخيرة على الســيطرة بدرجة كبيرة على القيادات الفرعية لحزب العدالة والتنمية، وهو ما اعتبر أحد أسباب تراجع شعبية الحزب، كون البيرق غير محســوب على القيادات المقربة من الحركات الشــعبية والطلابية. كما أن كباك تبه من مؤسســي الأجنحة الشبابية لعدد من الأحزاب في السابق ولديه خبره عالية وقدرة على مخاطبة الشــباب الذين يعاني حزب العدالــة والتنمية من صعوبة مخاطبتهم وكسب أصواتهم في السنوات الأخيرة.

وبدرجة أخرى، يعتبر اختيار كباك تبــه لزعامة العدالة والتنمية في إســطنبول خياراً توافقيــاً، حيث يرى كثيرون أنه ذو شــخصية توافقية هادئة غير محســوب على أي من الأقطاب داخل الحزب، وهو ما ساعد في التوافق عليه بعيداً عن تجاذبات الأقطاب المتمثلة بدرجة أساسية بقطبي البيرق ووزير الداخلية سليمان صويلو.

وفهــم اختيار كباك تبه علــى أنه محاولة مــن أردوغان للتقارب من حزب السعادة المحافظ، حيث يعتبر كباك تبه من القيادات السابقة في أحزاب الفضيلة والرفاه ومؤمن بحركة «مللي غوروش» وأفكار نجم الدين أربكان، وذلك إلى جانب العديد من الخطوات التي اتخذها أردوغان مؤخراً واعتبرت

بمثابــة محاولات حقيقية لضم حزب الســعادة إلى صفوف تحالفه الانتخابي.

ومؤخــراً، زار اردوغــان قبــر رئيس الوزراء الســابق البروفيســ­ور نجم الدين أربكان في مدينة إســطنبول، في خطوة حملت تفسيرات كثيرة لا سيما وأنها جاءت بعد أيام أيضاً من زيــارة أردوغان إلى رئيس المجلس الاستشــار­ي الأعلى لحزب الســعادة، أوغوزخان أصيــل تورك في منزله بالعاصمــة أنقرة، كما تداولت وســائل إعــام تركية أنباء عــن زيارة غير رســمية أجراهــا أردوغان لنــديم أورهان، أحد الأســماء البارزة في حزب الســعادة ومن الشخصيات الإسلامية التاريخية التي كانت مقربة من أربكان.

ويذهب آخرون إلــى أبعد من ذلك، بالقــول إن أردوغان يحاول إعــادة أجــواء «مللي غــوروش» (حركــة الرؤية الوطنية( التي ســادت البلاد في الثمانينيا­ت والتسعينيا­ت ونجحت في لم شمل الإســاميي­ن وتوحيد أصواتهم وعززت مشــاركتهم في الحياة السياســية التركية، حيث يهدف إلى تجميع وتوحيد أصوات كافــة المحافظين الأتراك بتوجهاتهم الحزبية المختلفــة في إطار تحالــف «محافــظ» أكثر ما هو «قومي» حالياً من أجل تعزيــز قدرته على الاحتفاظ بالحكم في انتخابــات 2023 أو في حال حصــول انتخابات مبكرة، واســتعادة بلدية إســطنبول في الانتخابات المقررة آذار/ مارس 2024 .

 ??  ?? الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يحيي مؤيديه اثناء انعقاد مؤتمر حزب العدالة والتنمية
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يحيي مؤيديه اثناء انعقاد مؤتمر حزب العدالة والتنمية

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom