Al-Quds Al-Arabi

قوانين سيئة السمعة

-

في صدارة من انتقدوا الحكومة علاء عريبي في "الوفد" بسبب المتعارف عليه أن القوانين تُسن لكي تنظم العلاقة بين المواطنين ببعضهم، ولتنظم العلاقــة بين المواطن والدولة، ولا يتم تفصيلها لكي تحقق مصلحة مؤقتة للحكومة، بغض النظر عما توقعه من ظلم علــى فئات بعينها. هذه البديهية والمســلم بها علميًّا ومنطقيًّا، ضربت بها الحكومة بالتوافق مع البرلمان الســابق عرض الحائط، وقامت بتفصيل بعض القوانــن، قــام البرلمــان بتمريرها، تخالــف كل الأعراف والمبــادئ القانونيــ­ة والاجتماعي­ة والدســتور­ية. أقل ما توصف به القوانين، هو أنها قوانين جباية، أو قوانين سيئة السمعة، هذه القوانين هي: التعديل الذي أضيف إلى قانون الشهر العقاري )186 لســنة 2020( ومن قبله التعديل الذي أدخل علــى قانون الضريبة على الدخل )158 لســنة 2018 2005(، والقانون الذي اتفق على تسميته بقانون التصالح (17 لســنة 2019(. الحكومــة اهتمت بالجبايــة، وجعلت الصياغات على المشــاع، ولم تلــزم أحداً بعينه بتســديد الجباية، ولتســهيل مغزاها ربطت تسديد الجباية بتوصيل المرافــق، وفرضت عقوبة على المنشــأة وليــس على الأحد المفترض تسديد الضريبة أو قيمة المخالفة.

ارحموا الضحايا

ما نشــر عن تعديل إجراءات تسجيل الوحدات السكنية في الشــهر العقاري وتتفيذه.. اتســم وفق مــا رأى جلال دويدار في "الأخبار"، بالغموض وصعوبة الفهم. إنها وبهذه الصورة تعني مزيدا من التعقيدات والمشــاكل والنزاعات، وليس التسهيل والتيسير والتشجيع على إشهار الملكيات، وفقا لما أعلن. في البداية كان هناك شعور بالاستبشار بهذه التعديلات، على أساس أنها ســتحل مشكلة تقنين وإثبات الملكيات العقارية، وتحقيق اســتقراره­ا. كان من المفروض أن تعالج هــذه التعديلات إحجام ملاك العقارات، ســواء كانوا شــركات أو أفرادا عن اتخاذ الإجراءات - التي يجب أن يتضمنها القانون - لتســجيل وحدات العقار فور بيعها بالاتفاق مع المشــتري. كان يتحتــم توضيح وضع عمليات البيع التي تتم بالتوكيلات المســجلة لأي وحدة عقارية. في هذا الشأن فمن المفروض ألا يكون قد تم تسجيل هذا التوكيل إلا بعد الاطلاع على عقد ملكية المســجل للوحدة العقارية، ذلك يعني عدم تحميل شــاري الوحدة لمشــاكل أي تقصير من جانب الشــهر العقاري، مصدر هذا التوكيل مســتقبلا. ارتباطا فإنه يجب ضمن ادعاءات التســهيلا­ت عدم مطالبة الملاك للوحدات بشكل عام في كل المناطق وبشكل خاص في التجمعات الســكنية في المناطق العمرانية الجديدة.. تقديم حكم صحة ونفاذ لإتمام التســجيل، حول هذه القضية فإن الإقــدام على التعديل المعلن عنه يشــير إلــى النية الطيبة لإصدارهــا.. ولكن وللأســف ووفقا لما قرأناه وســمعناه، فإن المســألة لن تحقق ما هو مســتهدف، ســواء للدولة أو المواطنين. بالنســبة للدولة فإن تســجيل العقارات يدخل في إطار اتجاهها لتعميم نظــام الرقمية في تعاملاتها. على هذا الأســاس فإن هذا التعديل وبالغموض الذي يحيط به لا يحقق التحفيز المطلوب لتســجيل كل الوحدات العقارية وإعطائها أرقاما.

«مالك ومالي»

في قانون الضريبة على الدخل الخاص بتسديد ضريبة على انتقال الملكية، المفتــرض، والكلام مازال لعلاء عريبي، أن تلــزم الحكومة من قام بالبيع بالتســديد، وهي 2.5،% لكنها صاغت المادة على المشاع، بصياغات مطاطية خبيثة: «تفرض ضريبة..»، وفــي الفقرة الثالثة مــن المادة ربطت التسديد بتركيب المرافق، وهو ما يعني وقوع الضريبة على المشــترى وليس البائع، حيث ألزمت: «شــركات الكهرباء والمياه والوحدات المحليــة وغيرها من الجهات، عدم تقديم خدمة للعقار، ما لم يقدم صاحب الشــأن ما يفيد تســديده الضريبــة ». هذه الفقرة الخاصة بربــط الضريبة بتوصيل المرافق أدخلت على قانون التصالح )17 لسنة 2019(، وعلى قانون الشهر العقاري الذي ســوف يتم تطبيقه ابتداء من الشــهر المقبل )186 لســنة 2020(. الغلبان الذي اقترض أو وضع تحويشة عمره في الشقة، بعد أن يسدد ضريبة

الـ 2.5%، ســوف يُفاجــأ في بعض الحــالات بأن صاحب العقار ســبق وقــام بالبنــاء علــى أرض زراعيــة، أو خالف اشتراطات البناء، وأنه حسب قانون التصالح )17 لسنة 2019 ) مطالب بتســديد، حســب الموقع والمســاحة والمحافظة وتقدير اللجنة، حوالي 50% من قيمة الشقة أو الأرض، من اشترى منه الذي خالف، قد توفاه الله، أو رفــض تحمل مبالغ المخالفة: أنا مالي. بالفعل «وهو مالــه » القانون لا يلزمه ولا يخصه بعقوبة، بــل يوقع العقوبة على المنشــأة، وهنا يضطــر المنتفع أو المقيم فــي العقار بالجري خلف الحكومة لتســديد المبلــغ؛ لأن المادة )التاســعة( تمنح المحافظ أو اللجنة المعنية الســلطة بتطبيق أحكام قانون البناء. الشــيء نفسه في ضريبة الشهر العقاري، لن يتم التسجيل أو تركيب المرافق قبل تسديد الضريبة.

خوازيق الحكومة

أســعد اللحظات من وجهة نظر خالد حســن في "الوفد" مع تلك الدعوة.. "روح ربنــا يبعد عنك ولاد الحرام" متابعاً : أشهر دعوات الأم التي دائماً ما نتمنى أن تستجاب بعد أن تحولت الشــوارع والأزقة إلى مخانق ومصائد وانتشــرت ثقافــة وفن الخوازيق في كل مــكان.. لذلك أنصح الحكومة أن تســرع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظــل القيل والقال، وأن تعمل بجــد واجتهاد بعيــدًا عن العين التــي تصوب نحو الهدف المخروم «جيب المواطن» وتوضــح لنا الحقائق أولًا بأول، حتى لا نقع جميعاً ضحايا للشائعات.. على الحكومة أن توضح للمواطن، هل صحيح ما يتردد من زيادة رســوم تسجيل الشقق والعقارات، مع الأخذ في الاعتبار أن المواطن المحدود يظل محدوداً حتى لو امتلك شقة أو حتى بيتاً، حيث إنه يظل يحفر في الصخر، أو كما يقولون «يكح تراب» لبناء البيت أو شراء شقة، وهي مهما ارتفع ثمنها ليست دليلًا على ثراء.. وأن إجباره على دفع رســوم بشكل مبالغ فيه سوف يجعله يلجأ إلى أســاليب غير قانونية للتهرب، فهو يمتلك فطنة وذكاء اكتســبها من الأنظمة الســابقة، تجعله الأكثر ريادة على مستوى العالم في الفر والكر والتهرب. المواطن لن يلجأ إلى تلك الأساليب الخطرة لو أن الأمور تم تبسيطها بدون مغالاة في الرســوم، فيقدم ما عليــه من حق للدولة وتقدم له الدولة مــا له من خدمة، وبينهمــا تبادل الورود والياســمي­ن.. والدولة ليســت فقط هي المؤسسة الوحيدة المنوط بها التواصل مع المواطن، وبناء الثقة والتعامل معه بشفافية وإنما هناك مؤسسات أخرى على رأسها البنوك.

من أيام الملكية

رســالة مهمة تلقاها حمدي رزق في "المصري اليوم" من الفنان التشــكيلي أحمد نوار رئيس جمعية محبي الفنون الجميلة إلى رئيس الجمهورية، طالباً تدخلاً رئاسياً عاجلاً لإنقاذ الجمعية التي تأسســت تحت الرعايــة الملكية )عام 1922(، وتســتقبل مئويتها الأولى بعد عــام من الآن، وهى تعاني إفلاســاً يكاد يُســكنها مقابر التاريخ الحديث. أعلم يقينا بأن الرئاســة لن تتأخر عن تلبية مثل هذه الحاجات الثقافية، لكن بالله عليكم هل عقمت مصر من ثري مثقف، أو أجدبت من رجل أعمال متذوق، أو جامع لوحات محترف، أو بنك من البنوك التي تدعم الأنشطة الثقافية، هل فنانو مصر ومبدعوها عاجزون عن غــوث جمعية الفنون الجميلة، هل هنــاك دعم أجمل من هذا الدعم؟ تخيــل كل المطلوب لا يزيد على 100 ألف جنيه ســنويا، إذا توفرت تبرعــا كريما فَبِها ونِعْمَتْ، الجمعية أفلســت تمامًا والوزارات المعنية تلكأت، ولم يعد فيها كســوف، تتســول دعماً.. ليس من عندياتي، بل من رســالة الدكتــور نوار إلــى الرئيس. يقــول نوار: نظرًا لتــردى الدعم من قِــَـبل وزارة التضامن الاجتماعي، وعــدم صرف الدعم الكامل مـــن قِبَــل وزارة الثقافة الذي كان يُصرف للجمعية ســنويا، وهو مبلغ ســتين ألف جنيه )تُصــرف على الإيجــار.. والكهربــا­ء.. والتليفون(، وهذا المبلغ كان كافيا.. ودعــم وزارة التضامن الاجتماعي ثلاثة آلاف جنيه كل عام، انقطع منذ عدة سنوات. وجمعية محبي الفنون الجميلة تأسســت عام 1922، وكانت تحت الرعاية الملكيــة، وكان دورها النهوض بالمســتوى الفني والثقافي في المجتمع، حيث إنها تُقيم أنشــطة ثقافيــة وفنية عديدة في شتى المجالات )الأدب- الموسيقى- المسرح- السينماالف­نون التشــكيلي­ة(، وفي الوقت نفسه تُقيم معارض فنية جماعية وفردية، مثل )معرض الطلائع للشــباب، حيث تم تنظيم ســتين دورة، وصالون القاهـــرة الــذي يُعتبر أهم نشاط فني في مصر، وتم تنظيم 59 دورة، وتنظم الجمعـية مسابقة للنقد الفني، وتم تنظيم سبع دورات(.

تامر وأشكاله

تمثل واقعة تامــر أمين من وجهة نظر ســامح فوزي في "الشروق" مناســبة مهمة لإعادة النظر في هذه النوعية من البرامج، التي يظهر فيها مذيع على الشاشــة، يحتل المشهد، ويتحــدث لفترات طويلــة، وعندما يســتضيف ضيفا، أو يتلقى اتصالا هاتفيا تجده أيضا متحدثا، ومعقبا، ومرشدا، وموجها، بحيث يتصور المشاهد أن البرنامج الذي يشاهده ملكيــة خاصة، لهــذا المذيــع أو ذاك. وإذا تحــدث طويلا، واسترســل في الكلام، يظهــر البناء الفكــري، والتكوين الثقافي، والمهارات الإعلامية التي يتســم بها المذيع، والتي قد تجعل منــه إعلاميا متميــزا يرتقي بوعي المشــاهد، أو ديماغوجيــ­ا يلقــي آراء فيهــا انفعال، وجهــل، وتعصب، تكشــف بالتأكيد هشاشــة تكوينه الثقافي، وعدم إدراكه لطبيعة وظيفته أو دوره. المشــاهد لديه من الوعي والفطنة ما يجعله يحكم علــى الأمور، ويميز بين إعلامي لديه وعي، وآخر ضحل فكريا. أتذكر حادثة طريفة تكشــف أن الناس ليســت أوعية فارغة يضع فيها الإعلامي ما يشــاء. قبل أن يتنحــى الرئيس مبارك بيوم واحــد، كنت أجلس في مقهى مع صديق، وكان هناك شــباب كثيرون، وســاد توقع يوم 10 فبراير/شباط أن الرئيس مبارك سوف يعلن تنحيه عن الحكم، ولذلك شن أحد المذيعين هجوما قاسيا على مبارك، لا يخلو من شــماتة، لا يصح أن يلجأ إليها إعلامي موضوعي، لاسيما أنه شخصيا كان من المقربين سياسيا في عهد مبارك، وتمتع بمســاحة إعلامية لم يحظَ بها غيره. المهم أن خطاب الرئيس مبارك أذيع، ولم يشمل ما توقعه المذيع، فما كان من المذيع نفسه إلا أن وجه الشكر لمبارك، ودعا الناس إلى تفهم ما يحدث. بعد أن قال هذا الكلام الذي تناقض فيه مع حديثه السابق في البرنامج نفســه، هب أحد الشباب واقفا، الذي لا أظن أن لديه وعيا سياســيا أو اهتماما بما يجري حوله، وقال على الملأ: الرجــل ده كان بيقول كلام غير كده من ربع ســاعة، هو ينفع حد يسمع له أو يصدقه. انتهى الكاتب إلى أن المشاهد لديه وعي حتى إن لم يمتلك ثقافة سياسية.

انتهى الدرس

اعتذر تامر أمين عن إهانة الصعايدة وبدوره قال عصام كامــل في "فيتــو"، إن الاعتذار واحد من أهــم العقوبات التي تفرضها قوانين ومواثيق شــرف إعلامية وصحافية

معمول بها في أعرق دول الديمقراطي­ــة. والاعتذار دليل على ارتكاب خطأ، وهو اعتــراف به، والاعتراف بالخطأ عقوبــة أيضا تفرض علــى الجميع الاكتفــاء بها، وعدم الإفراط فــي الخصومــة، أو محاولة تصفيــة مرتكبها. أقول ذلك لأنني تلمســت في العقوبات التي فرضت على تامر أمين بعض الغبن والغلظة والتشــفي، خصوصا أن الرجل بادر باعتذار نظن أننــا وأهلينا في الصعيد نقبله ونتقبله. فــي الصعيد يتســامح أهل القتيــل إذا ما قدم القاتل نفســه مع كفن إلى أهل القتيل، واعتذار تامر أمين بدون مواربة أو خجل ووضعــه "أحذية الصعايدة" على رأســه هو بمثابة من قدم كفنه على يديه. أما قصة إلغاء ترخيــص مزاولته للمهنــة والقضاء نهائيــا عليه، فهي مســألة تحتاج إلى مراجعة، فالرجل وقبل التحقيق معه اعترف بخطئه واعتذر عنه بشــكل يليق وحجم الخطأ. على أن القضيــة الأخطر في ما حدث مــا تناوله الكاتب عبد القادر شــهيب في مقالــة له في "فيتو" حيث أشــار إلى توصيف ما يســمى ببرامج التوك شــو التي تحولت إلى مذيع يلقي بمحاضراته وافتكاســا­ته ونظرياته على الناس. الأصل في الإعــام أن القائم بالاتصال هو واحد ممن لديهم موهبــة وعلم وقدرات خاصــة لطرح قضايا الناس علــى مائدة نقاش، تضم النخب المتخصصة في ما يطرحه من ملفات، وينجح القائــم بالاتصال في تحقيق الغاية والهدف من خــال نقاش عقلاني يصب في صالح الجماهير.

الدنيا حظوظ

كل فترة كما أوضح علاء الأيوبي في "اليوم الســابع" تظهر على الســاحة الرياضية قضية راتــب المدير الفني للمنتخب حســام البدري، ومعاونيــه، والكلام الكثير لا يتوقف عن ضخامــة المبلغ الذي يتقاضاه، بدون عمل في مشــهد تختلف فيه وجهات النظر. راتب حســام البدري البالغ 800 ألف جنيه شــهريا تقريبا، وفقا لأرقام المدربين ليس خياليا، لأن هنــاك مدربين في الدوري تجاوزوا هذا المبلغ شهريا، وحسام حسن كان يتقاضى رقما أكبر بكثير من البدري خلال فترة توليه قيادة بيراميدز.. إذن القصة مش قصة راتب ضخم، لكــن الموضوع هو أن المدير الفني للمنتخب عمله يكون على فترات وليس بشــكل مســتمر مثل مدربي الأندية، حيث تشــعر الجماهير بوجود جهاز المنتخب خلال فترة المعســكرا­ت أو المباريات فقط، وهنا قلــب الموضوع والقضيــة كلها. الجهاز الفنــي للمنتخب الوطني نشــاهده في بعــض مباريات الــدوري، بدون معايير واضحــة، حيث يمكن أن يتواجــد في لقاء ليس مهما ولا يضم لاعبين مرشــحين ويتجاهــل مباراة مهمة أخــرى.. وقد نرى الجهاز بالكامل فــي مباراة، ولا يوجد ممثلون للجهاز الفني في مباريــات أخرى. والأغرب هو عــدم تفكير الجهــاز الفني للمنتخب في الســفر للخارج لمتابعة المحترفــن عن قرب، مثلما يفعل كل مدربي العالم، خاصة أن مصــر لديها فــي أوروبا مجموعــة رائعة من المحترفين على رأســهم محمد صلاح وتريزيجيه والنني، وفي تركيا مصطفى محمد، لازم البدري ورفاقه يتحركوا في كل الاتجاهات حتى يشعر الجميع بأنهم يعملون فعلا، ولا يتقاضون رواتب وخلاص بدون عمل واضح. الراحل الجوهري كان طوال الأيــام متواجدا في اتحاد الكرة أو في بيته يعقد اجتماعات، والمعلم حســن شحاتة لم يكن يهدأ هو ومعاونوه شــوقي غريب وحمادة صدقي وأحمد ســليمان، وكوبر ومعاونوه كانت اجتماعاتهم مستمرة، إذن هناك مشــكلة ويجب أن يظهر حسام البدري وترى الناس شغله ويطمئنهم على المنتخب وخططه ومستقبله واختياراته للاعبين، لكي يشــعروا بأن الناس شــغالة ونخلص من قصة الرواتب الشهرية التي باتت سخيفة.

بعيداً عن الناس

أكد عمرو الشوبكي في "المصري اليوم"، أن قضية تحديد النســل مطروحة في مصر منذ تأســس نظامنا الجمهوري، واعتبرها البعض مؤخراً مســؤولية الشــعب، وأنها تلتهم معدلات التنميــة وتؤثر في الخدمات التــي تقدمها الدولة لمواطنيها. والمؤكــد أن قضية الزيــادة الكبيرة في معدلات الســكان في مصــر مقلقة، وتحتــاج إلى إرادة سياســية حاســمة لمواجهتها تتجاوز خطاب «تأنيب» الشعب لصالح تنفيذ خطة واضحة تمتلك أدوات تنفيذ في الواقع. صحيح أن الخطابين الإعلامــي والديني مهمان فــي هذه القضية، وكلاهما تحدث كثيراً عن أهمية تحديد النسل، فدار الإفتاء أكدت أنها مــن صحيح الديــن، والإعلام لــم يترك فرصة إلا واعتبر أن المشــكلة هي في نقص وعي الشــعب نتيجة رغبه البعض في الزج بأبنائهم في ســوق العمل، لتحسين أحوالهم المعيشــية. والحقيقة أن الجانب الخطابي وثقافة النُّصح والإرشــاد لم تكن في أي مجتمع من المجتمعات هي الســبيل لتحديد النســل، وظل العامل الرئيسي يتمثل في تبنى الدولة سياسات محددة تهدف لتنظيم الأسرة. فهناك تجارب السياســات الخشــنة )التي لا تصلح لمصر(، كالتي فعلتهــا الصين، حين تبنت في الفترة مــن 1978 حتى 2015 سياســة الطفل الواحد، وأجبرت الآبــاء والأمهات )ما عدا الذين ليس لهم أشــقاء( على إنجاب طفــل واحد، وحققت نجاحــاً في الســيطرة على زيادة الســكان، ولكــن بآثار اجتماعية جســيمة )لا يحتملها ربما أي بلد إلا الصين( حتى عادت الحكومــة الصينية في أكتوبر/تشــرين الأول 2015 وتراجعت عن هذه السياســة، وسمحت لكل عائلة بإنجاب طفلين كحــد أقصى بدون شــروط. أما معظــم دول العالم فقد طبقت سياســة قائمة في جانب علــى إجراءات ناعمة وتســهيلات وحوافز، لمن يلتزم بعدد أطفال تراوح بين 2 و4 بحد أقصى، ومن جانــب آخر اعتمدت على فاعلية المنظومة الصحية في القرى والنجوع، ومختلف المناطق التي تشهد زيادة في أعداد الســكان. فــإذا كانت الحكومــة تقول إن جهودها في التنمية تلتهمها الزيادة السكانية، وإن المعدلات الحالية فــي الزيادة باتت تمثل تهديــدا للأمن القومي، فما هي الإجراءات التحفيزية التي ســتعطيها للأســر الملتزمة بسياسة تحديد النسل؟

نقمة أم نعمة؟

هل الزيادة السكانية منحة أم محنة؟ سؤال يتردد، قديماً وحديثاً، وإجابته في أيدينا جميعا، كما يرى عبد المحســن سلامة في «الأهرام»، البشــر دائما ثروة، ولولاهم ما كانت هناك حياة، لكن، دائما، تظل مشــكلة الاهتمام بالبشر هي الأهم، ويبقى الفارق بين القدرة على تأهيل وإعداد البشــر وأعــداد كثيفة كغُثاء الســيل، كما أشــار القــرآن الكريم. «غُثاء الســيل» هم الأمم غير المؤهلة، لكن أعدادها ضخمة، وبالتالي قدراتها محدودة، وتأثيرها أقل، أما الأمم الأخرى فحتى لو كانت قليلــة العدد، فإن تأثيرهــا أكبر، وقدراتها أعلى. الســيناري­و نفسه ينطبق على الأسرة، فالأسرة التي تســتطيع تعليم وتأهيل أبنائها هي الأســرة الأكثر تأثيراً، والأكثــر قدرة ماديــاً ومعنوياً، والعكس صحيح. ليســت المشــكلة في العدد، وإنما فــي القدرة على تعليــم الأبناء، وتوفير سُــبل حياة كريمة لهم، وقد ذهب أحد الأعراب إلى عمــر بن الخطاب ـ رضــي الله عنه ـ أمير المؤمنين، يشــكو عقوق ابنه، فاســتدعى أمير المؤمنين الابن، وحكى له الابن أن أباه اختار له اسما بغيضا، وأنه لم يعلمه، وتركه بدون اهتمام، فما كان من أمير المؤمنين إلا أن قال للأب: «لقد عققت ابنــك قبل أن يَعُقــك». قصة لها معنى تتماشــى مع ما نحن بصدده، وهو الحديث عن تنظيم الأســرة، وفي تقديري أن الــزوج والزوجة هما المفتاح، وعليهما قبل الإنجاب الإجابة بضمير خالــص عن مدى قدرتهما علــى توفير حياة كريمة للأبناء قبل الحديث عن أي شيء آخر.

مصنع التفاهة

التفاهة فــي حياتنا تحولت كما أوضــح عماد فؤاد في "الوطــن" إلى بنيــة متكاملة تحاصرنا ليــل نهار ومن كل الأركان، ويكفــي الدخول إلى موقــع التواصل الاجتماعى الأشهر "فيســبوك" فقط لتصطدم بكل أشــكال السخافة والانحطــا­ط، والفيديوها­ت الضحلة والصور الســخيفة الخالية مــن أي مضمون أو معنى، وتحصــل على مليون مشــاهدة وإعجاب في ســاعات قليلة. فــي زماننا هذا، تمكــن التافهون والتافهات من الســيطرة علــى حياتنا، وفــي طريقهم الآن لإفــراغ المفاهيــم والقيم السياســية والاجتماعي­ة والإنسانية والأخلاقية من معناها.. الابتذال هو الســائد، والتســطيح يضرب بجذوره وبضراوة في وجداننا، واستسلم المجتمع لمنتجي التفاهات من مشاهير مواقع التواصل ومن نطلق عليهــم «يوتيوبر». على مدى التاريخ حققت الحضارة الإنســاني­ة العديد من الإنجازات والمكتســب­ات في المجالات العلميــة والاقتصادي­ة والمالية والاجتماعي­ة، وبالتوازي كانت الفلســفة والأدب والفنون تناضل لحماية القيــم الأصيلة مــن أي انزلاقات، حرصاً منها على أن تســير كل الجهود البشرية في اتجاه تحقيق الرفاهية المنشودة، وردع قوى الشــر والتيارات العدمية المنافية للمضمــون الجمالي والأخلاقي، التي تحرض على البشــاعة والدمار والقبح في كل شــيء لإشــباع نزوات شــيطانية تضخمت بفعل أهواء مرضية، أو نزعات معقدة ومهووسة بالقيم المضادة للفطرة الإنسانية. في السنوات الأخيــرة وبفعــل التطــور المتســارع للتكنولوجي­ا، ومع هيمنة شــبكة الإنترنت ووســائل التواصل الاجتماعي، تراجع دور المؤسســات الثقافية والسياسية والاجتماعي­ة التقليدية، التي طالما ساهمت في تكوين الإنسان، والتحكم في علاقاتــه، ورهاناتــه، وتحديد أفق حركتــه الفكرية والإنسانية والإبداعية.

أزمة محتوى

الكارثة التي يجب أن ننتبه إليها على حد رأي عماد فؤاد، قبل فوات الأوان، تتمثل في نجــاح المحتوى المتدني النافذ عبر منصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات في استقطاب من يمكن وصفهم بالضحايا من مثقفين وكتّاب ورجال أعمال وأكاديميــ­ن، هانت عليهــم عقولهم وأصبحوا ينافســون الحمقــى والجهلاء فــي مضمــار التفاهة، وبابتســام­ات بلهاء يبررون مســلكهم بمجاراة الواقــع، وملاحقة ثورة الاتصالات. وخــارج عالمنا العربي المســتغرق في التفاهة، انتشــر مؤخراً فــي الولايات المتحــدة الأمريكيــ­ة وكندا وأستراليا وأوروبا شــعار «توقف عن تحويل الأغبياء إلى مشاهير»، وذلك في مواجهة اســتغلال تطبيقات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وحســابات الحمقى ومجانين الشــهرة، لترويج التفاهات ونشر الشــائعات. ألان دونو، أســتاذ الفلســفة الكندي وضع كتاباً كاملاً بعنوان «نظام التفاهة»، ترجمته إلى العربية الدكتورة مشــاعل الهاجري أستاذة القانون في جامعة الكويت، وكتبت مقدمة أساسية لأبرز ما طرحه دونو عن معركــة العصر، وهي الحرب على التفاهة لخصــت بها ما ينطبــق على ما وصفتــه بالحالة العربية السوشــيال­ية و«الشــبكات الاجتماعية» و«نظام التفاهة»، وذكــرت فيها أن الشــبكات الاجتماعية ومواقع التواصل مثل «تويتر وفيسبوك وإنستغرام»، مجرد مواقع للقاء الافتراضي وتبــادل الآراء لا أكثــر، فيها يتكون عقل جمعي من خلال المنشــورا­ت المتتابعة، وهذا الفكر التراكمي السريع الذي يبلور وبسرعة وبدقة موضوعاً محدداً، نجح في اختصار مســيرة طويلة كان تبادل الفكــر فيها يتطلب

أجيالاً من التفاعل، مثل المناظرات والخطابات والمراســا­ت والكتب والنشــر والتوزيع والقراءة والنقــد ونقد النقد، ورغــم كل هذه الفرص، فقد نجحت هــذه المواقع في ترميز التافهين أي تحويلهم إلى رموز ما يجعل من كثير من تافهي مشاهير السوشــيال ميديا والفاشينيس­ــتات يظهرون لنا بمظهر النجاح!

عرس محفوف بالمخاطر

مع بدء موســم انتخابــات نقابة الصحافيــن، كان هذا اليوم كما أكــد عطية أبو زيــد في "الأهــرام"، قبل كورونا عرسا نقابل أصدقاءنا الذين لم نشاهدهم منذ فترة طويلة، نتجاذب أطراف الحديث في الشأن العام، وهو مصر بالطبع ونبحــث همومنا المهنيــة الخاصة بالصحافة. بدأ الموســم وأتمنى التوفيق للجميع، ولكن على مرّ ســنوات عدة كنت أتابع برامج المرشحين وأجد أعلاها نبرة يتمحور حول قوة النقابة واللائحة الموحدة للأجور. ولكن ما يثير الدهشة... بعض البرامج الانتخابية الحالمة التي تحتاج إلى حكومات ودول لتحقيقهــا. والنقابة كمــا نعرف، كيــان للدفاع عن مصلحــة أعضائها أصحاب المهنة الواحدة، وليســت حزبا سياســيا. مهمتها الأولى الدفاع عــن مصلحة أعضائها فمن يريــد النضال والمزايدة، فعليه بتشــكيل حزب سياســي. ولا يخلــو الأمر مــن بعض التربيطــا­ت فيمكــن لتيارات سياســية وفكرية متنافرة أن تتحالف.. فرغبة المرشح في النجاح تجعله أحيانــاً ينحي مبادئه جانبــا. والاحتراف الانتخابي لبعض المرشــحين يجعلهم أقدر من غيرهم على إدارة معركتهم الانتخابيـ­ـة، لدرجة أن البعض لديه القدرة على معرفة عدد الأصوات التي ســيحصل عليها، مع وجود انحراف ضئيل لا يتعدى 20 أو 30 صوتًا مثلًا، والانتخابا­ت أيضا هي مواســم للابتــزاز وتصفية الحســابات من أجل حصــول البعض على ميــزات قد تكون ليســت من حقهم. المهم أتمنى أن تمــر انتخابات التجديد النصفي للصحافيين بســام وبدون أعداد كبيــرة من مصابــي كورونا. وتفرز أعضاء من الزملاء يعملون من أجل رفعة ورقب المهنة، وأن يكونوا قادرين على مجابهة التحديات المخيفة مســتقبلا.. هم ونقيبهم.

قوله يا سيدي

المثل الشــعبي اعتبره أحمد عادل هاشــم في "المشــهد" بمثابــة قصة قصيرة للغاية، يوجز خبــرة الأجداد والآباء في كلمات بســيطة تحمل معاني كبيرة. ولعل أكثر الأمثال تداولا في الشارع المصري "إن كان لك حاجة عند الكلب قوله ياســيدي"، فهو يختصر خبرة الأجداد والآباء في التعامل مع القوة الغاشــمة التــي يمثلها المســتعمر­ون المتلاحقون على مصــر، منذ عهد الحيثيين إلى حقبــة العثمانيين. وكما يقول عالم المصريات وســيم السيســي إن المصريين كانوا يرددونه منذ وجود الاســتعما­ر في مصر في الحقب الزمنية البعيدة حيث كان يراه الشــعب قوة باطشة ولذلك شبهوا المستعمر بالكلب.. ورغم انتهاء عصور الاستعمار الغاشم، إلا أن المصريين ما يزالــون يرددونه إلى الآن في ظل الحكم الوطني، بل لم يكتف المصريون بقصة "الكلب" رغم )القضاء على الاســتعما­ر( إنما أنتجوا تواليا أمثالا شــعبية أخرى تؤكد حكمة "الكلب" وتدعم فكرته بمثل شعبي جديد يحض على "بوس الأيد اللي ما تعرف تعضها".. وتتوالد "الكلاب" في حياتنا جيلا تلو الآخــر، وتلف وتدور ـ بوفائها المعهود ـ حول القوة الباطشة التي تمتلكها السلطة الوطنية سواء بالقانون أو غيــره.. وهكذا إلى أن أوصلنــا "الكلب" إلى "إمشــى جنب الحيط" لتتجنب وجع الــراس والمتاعب من أصحاب القوة الذين يرفضون مشــاركة غيرهم الســلطة، وبالطبع وجد "الكلب والحيطة" الترحيب من أصحاب المال والنفوذ وأهل الحل والعقد، باعتبارهما يكرسان في أذهان الناس ـ على الأقل ـ فكرة الخطورة والمغامرة لمن يرفع رأسه ويتطلع إلى الجلوس معهم علــى المقاعد الأمامية، ليمد يده في طبق الثروة والنفوذ ويأخذ من "منابهم" من اللحم!

على قد لحافك

انتهــى المبرر التاريخــي كما أوضح أحمد عادل هاشــم من وجود وتداول قصتي الكلب والحائــط، لكن الزمان لم ينته بعــد ومايزال في القصة بقيــة.. فالكلب ما يزال ينبح في ضمائرنا ومشــاعرنا ومعتقداتنا، وإذا شعرت ببرودة الحياة وقسوتها فلن يعطيك أحد غطاء إنما "على قد لحافك مد رجليــك".. وهكذا تم التحول الجيني في المثل الشــعبي وباتت نظرية الكلب التي واجه بها المصريون الاســتعما­ر، مفتاحــا للتعايش مع حياة جديدة، حيــاة الدولة الوطنية التي لم تتنازل هي الأخرى عن القوة الغاشمة مرة بالقانون ومرات بالسلطة الأبوية للحاكم، لتبقى حقوق الناس تحت مشــيئة الســلطة والأعراف والتقاليد والثقافة السائدة.. وبدأ الكلــب يتكاثر ويتوالــد إلى أن علا نباحــه مخاطبا المصريين: اتمســكن حتى تتمكن.. وعندما امتعض البعض واســتنكر هذا النباح الذي يجعلك تبيــع كرامتك لكل وأي شخص، يرد الكلب: "أنا عبد المأمور". التوجس من السلطة الغاشــمة ســواء كانت على مقاعــد الحكم أم علــى موائد الأعراف والعادات والتقاليد المتوارثة ســاهم بدرجة كبيرة في أشــاعة ثقافة الخوف وتعميمها بين الناس إلى أن تاهت معانيها وابتذلت مفرداتها، حتى اضطر البعض منا أن ينفخ في الزبادي قبل أكله لأنه اتلســع من الشــوربة، وأن يسد الباب الذي تأتي منه الريح حتى يســتريح. وانتشــر كلب الاســتعما­ر في كافة انحاء الحياة وبدأ الجميع يستعينون بــه في إســداء النصائح وإخــراج الحكمــة، ووصل المثل الشعبي إلى جميع المهن الهامشية في المجتمع.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom