Al-Quds Al-Arabi

الصفات في العربية

- ■ ٭ كاتب مغربي

هــل تحتاج اللغــة العربية إلــى مركبات اسمية ذات بناء وصفي؟ أم مجرد ذكر التقابلات التعبيرية، في الصرف والوزن، كاف لأن تخلق لذاتها ذلك الانســجام التوزيعي للصفات. تعمل هذه الأخيرة فــي التركيب، بــل تعمل أيضا في توزيعية الإيقــاع التعبيري. فمهمــا حاولنا أن نتخلى عــن طبيعة الصفة، في اللغــة العربية، نجد أنفســنا مجبرين على تمحيص هذه الصور الناتجــة عن فك شــيفرات التعبيــر. بمعنى أن كلمات العربية في جوهرهــا صفات، تدخل في التركيب من أجل إنتــاج الدلالة. يرى الباحثون أن موقــع الصفات في العربيــة بعدية؛ أي تأتي بعد الموصوفــا­ت، لكن بنيويا الصفات تســبق الموصوفات. هذا ما أقره الفاســي الفهري عندما تحدث عن الرتبة بين الصفــة والموصوف. وبما يضمن اتســاق الكلام وانســجامه في العربية، فإن البناء السطحي، حســب الفهري، تأتي فيه الصفة بعــد الموصوف، أما فــي الرتبة الأصلية فالعكس هو الصحيح.

ففي قائمة بأســماء اللغات، التي تســتعمل النمطين معا، نجد: اللغات الرومانية والفرنسية والإيطاليـ­ـة والإســبان­ية، باســتثناء اللغــة الإنكليزية، التي تكون فيها الصفة قبلية ـ أي أنها تســبق موصوفها. علاوة على ذلــك، فالتركيبة البعدية للصفات تفرض إيقاعا خاصا على البناء ككل، ولا يغــادر البناء العربي البتــة التوازن الموسيقي، بهدف حمل اللغة على تركيز المعاني. إننا هنا علــى حمل التطابق الكلــي بين الصفة وموصوفهــا؛ تذكيــرا وتأنيثا وإفــرادا وتثنية وجمعــا. ففي هذه العلاقة التركيبية الســياقية فالكلمــة المصدرية، التي تتصــدر الكلام تفرض إيقاعها على باقي الكلمات، التي تأتي من بعدها سياقا وترتيبا. وبهذا كان المسعى حثيثا، لنادية العميري، إلى تجديد الوظائف الوصفية، عندما ربطت بين المصدر والهدف. فعندما نقول «وردة حمراء» فالصفة هنــا هي الهدف؛ لأنه على غرار الوظيفة التــي تقوم بها داخــل المنظومة، تولد الكثير من السياقات، خدمة لإطار المصدر. وبهذا التســاوق، تكون توليدية نعوم تشومسكي قد حطت رحالها علــى خط مواز للصفــة البعدية فــي العربيــة؛ لأن هــذه الأخيرة ذات ميســم توليــدي ـ انفجاري. إلا أن بُعــد التوليدية عند تشومســكي تتمأســس على مبدأين اثنين هما: الكفاءة اللغويــة والأداء. فالكفــاءة اللغوية، هنا، مرتبطة بسلسلة عميقة من التحويرات في البناء اللغوي، ومن ضمن هذه الشــبكات، التي تعنى بتوليد طاقات تجددية للغة، نجد الصفات وعلاقتهــا بموصوفاتهـ­ـا. ومــن هــذه الزاوية وجهت التوليدية ســهامها وطعناتها للسلوكية والبنيوية، كإطارين ســطحيين في تعاملهما مع المعرفة والدلالة.

من هــذا البــاب كان المقترح، الــذي جاء به الفاســي الفهري، بخصوص الصفات في اللغة العربيــة القبلية منهــا البعدية، يســعى نحو تفســير التباين الموجود في ترتيــب الصفات، وأثره البليغ في إنتاج المعنى وتوليده. فالصفة القبلية غير ملزمة بالمطابقة الفعلية للموصوف، وهذا ما يدفع إلى اختبار دور الإضافة في سياق الوضوح والتجلي. نقول:

«لذيذ المذاق» فالصفة هنا حكمها الرفع، بينما الاسم المضاف حكمه الجر. في هذا التركيب يرى الفاســي الفهري من الواجب الموازنة بين الصفة القبلية والبعديــة، من حيث إن هــذه الأخيرة تكون بمثابة أســماء مملوكة، تظهــر في بداية التركيب.

فـ»مــذاق هذا الطعام لذيــذ» أو «هذا الطعام مذاقه لذيذ» تبقى الصفة، في كل الحالات، خالية مــن التعريف، وفي ذلك مســعى لغــوي يهدف إلى البحث عن التوازن بــن الصفات وتراكيب الملكية. فضلا عن ذلك نطل على توزيعية الصفات حسب متوالياتها، فالتوزيعية، هنا، تقضي ذكر التقييم والحجم والشــكل واللون والجنســية أيضــا. ففي مثــال «الكــرة المغربيــة الصفراء المستديرة الجميلة» نلاحظ مدى ارتباط الرأس الاسمي بكل صفة من الصفات المتوالية. فالرأس الاســمي محمول مع كل صفة، فالكــرة المغربية والكرة المســتدير­ة والجميلة.. فتوزيعية الرأس الاســم يتدخل في تراكيب جديــدة تغني البناء اللغوي، من هذه الزاويــة تدخل توليدية نعوم تشومســكي، وتوزيعية هاريس فــي متواليات صوتية ورمزية، تســعى نحــو تفجير اللغة من الداخل؛ لأن شكلها، حسب تشومسكي، ذو بنية قاعدية، مرتبطة شديدا بالمتواليا­ت التعبيرية.

إلا أن الإشــكال، الذي يطفو على السطح، من خــال توزيعية الرأس الاســمي على الصفات، التي تعنى بالشــكل واللون وغيرها، متمثل في عدم اســتكمال دورة المعنى، ليظــل هذا الأخير معلقا، ما دفع بالفاسي الفهري إلى أن يرتب بين الاسم والصفة، بيـْــد أن المركب الاسمي المعرف، يعتبر من مســوغات الابتداء فــي العربية. فهل الصفة، في هذا المقام الجلل، قادرة على أن تشغل المحل بالإخبار، وتســاهم في رفع ســتار اللبس عن المعنى؟ غير أن اختلافا يسود الحد والطرف في علاقة توتر، فالأسماء المؤنثة لفظا تستدعي صفة أو صورة للمذكر. الحد والطرف متنافران. فمعاويــة، وطلحة، وعنتــرة، وحمزة، وعميرة تســتدعي صفات للمذكر، كما أن صفات للمذكر لها إحالة على المؤنث؛ حامل وطالق.

أخيرا، تعــد الصفة في اللغــة العربية مجالا خصبــا للتركيــب والتأويــل، وبذلــك تفتــح الصفات الباب على مختلف المدارس التي تعنى بالأســلوب اللغوي. فالرأس الاسمي يتحكم في باقي المحمــولا­ت الأخرى، لا لشــيء إلا من أجل خلق توزيعية تغني التركيــب والدلالة، فالدور إذن، للصفة يحظــى بالأهمية القصوى في بناء اللغة وتداولها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom