Al-Quds Al-Arabi

وداعا زكي يماني ... هل وصل الغرب الى المريخ فعلا؟ ولماذا أثارت «بي بي سي» المسلمين؟

-

شــهد العالم الأســبوع الماضي ســنام المعرفة الفضائيــة، حينما عرضت كل قنوات التلفزة في بريطانيا وأوروبا الصور الخلابة، التي نشرتها وكالة الفضاء الأمريكية «ناســا» لهبوط مركبة «برســفيرنس» الفضائية المتجولة على سطح كوكب المريخ.

تابعنا أكثر من برنامج شيق يسبر نتائج هذه الرحلة على «بي بي سي» و«سي أن أن» و«فرنســا 24» و«لجزيرة» الإنكليزية وغيرها، وقــد اتحفتنا الكاميرات السبع للمركبة، التي تولت التقاط صور للهبوط، وأخرى خلابة ومذهلة لم نرها من قبل لسطح الكوكب.

لكن بقدر عظمة هذا الانجاز البشــري، لم نر برنامجا واحدا على أي فضائية عربية يغطي هذا الحدث، وكأن العالم في واد ونحن في آخر معزول تماما!

ليت الأمــر توقف عند ذلك، بل كان صدى ردود الأفعــال على هذه الرحلة في وسائل التواصل العربية شبيها تماما بالمعارك الوهمية المتخمة فيها هذه المواقع.

فقد شــاركت معظم المنتديات الصور، وعلقت عليها بالسخرية والاستهجان والتنكيــت والتقليل من هذا الحــدث، لا بل ذهب الكثيرون الــى تكذيبه كله من أساسه.

فقال أحدهم: يعني أقســم بالله ضحك على العقول. أي تقنية وأي جهاز وأي إرسال بده يوصل من هذه المسافة للأرض. ما راح نصدقهم، لو شو ما عملوا؟!

هكذا في كل بســاطة وجهل غائر، حكموا على هذا الانجاز الإنساني العبقري، الذي يتجه لاستغلال هذا الكوكب، وربما إعماره لاحقا!

واستهجن كثيرون كيف يصرف هؤلاء «الجُهال» 2.7 مليار دولار تكلفة كرمال يعرفــوا إذا في حياة على المريــخ، لأنه في اعتقادهم كان فــي حياة قبل ملايين السنين!

بينما قال آخرون: يكفي فتنة وحروب يلي عم تخترعوها عنا وما بدنا لا مريخ ولا غيره.

وانشغل آخرون بتفســير الصور، وقال أحدهم: بس بدي إفهم كيف تصورت المركبة سيلفي؟!

لو عدنا فقط ثلاثة قرون إلى الوراء لرأينا أن كل ما نحن عليه الآن كان حلما أو خيالا، فمن كان يقول إن الإنسان سيحلق في السماء ويركب سيارات وقطارات ويقوم باتصالات من قارة إلى قارة ويــرى العالم من خلال هاتف صغير يتحكم به كالعجينة في يده؟

ألــم تتحقق كليا ما أتت به مسلســات وأفــام الخيال العلمــي، التي كانت تعرضها التلفزيونـ­ـات الأرضية في الثمانينات قبل بــدء القنوات الفضائية في البث؟

الحقيقة موجعة جدا، فنحن لا نحترف إلا الســخرية الجوفاء، لأننا ببساطة شعوب لا تحترف إلا الأكل والتكاثر العشوائي كذلك.

والأدهى من ذلك أن الفضائيــا­ت والتلفزيون­ات العربية، التي قصرت في هذا المجال، تغذي بشكل أو آخر هذا الجهل المركب، بما يجري في العالم غير السياسي.

هل ننكر مثلا أنه قبل قرون كانت الكهرباء مجرد خيال حتى أنسنها أديسون، وأن الشــبكة العنكبوتية التي تشــبه الخيال البعيد أصبحت حقيقة على يد تيم بيرز، أم ننكر اختراعات جيمس واط في الثورة الصناعية أو جوزيف نيكولاس في علــم الرياضيات، أو غوليلمــو ماركوني الذي طور الاتصالات اللاســلكي­ة، أم ننكر أبحاث الكســندر فلمنغ، الذي اخترع البنســلين، او الفرد نوبل مخترع الديناميت أو كونراد مخترع الأشــعة السينية، الذي أحدث ثورة في عالم الطب، والآلاف مــن العلماء الذين حولــوا كثيرا من الأحلام إلــى حقيقة مثل الخريطة الجينية للإنسان، وهل نستطيع أن نلغي الكســندر غراهم بل، مخترع الهاتف، الذي بفضله الآن نتواصل عبر هواتف صغيرة لنرى أعاجيب كل العالم.

المحزن جدا ليس تســخيف نبأ المريخ أو زحل أو الفضاء فقط، بل أننا شعوب تحترف فقط السخرية والتهكم والعيش في «نعيم» الجهل، رغم أننا نثير الشفقة في كل شيء!

حقيقة موجعة وعلينا تقبلها، وحينها فقط سنتمكن من التطور.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom