خط أنابيب غاز إسرائيلي إلى غزة... لفتة إنسانية أم مناورة للالتفاف على تطوير حقل مارين البحري المقابل لساحلها؟
■ القدس/رام اللــه - وكالات الأنباء: قال ثلاثة مســؤولين مُطَّلِعين أن المحادثات حول إنشــاء خط أنابيب للغاز يتجاوز الخلافات السياسية ويوصل الطاقة على نحو يُعوَّل عليه إلــى قطاع غزة الفقير انتقلــت من الفكــرة المجردة إلى واقــع ملموس في الأسابيع الأخيرة.
فعلى مدى سنوات ظل هذا المشروع احتمالاً بعيداً بســبب الصراع الإسرائيلي الفلســطيني، وانهيار محادثات الســام بــن الجانبين فــي 2014، وعدم استئنافها وسط شكوك متبادلة ونوبات من العنف.
غير أن المسؤولين يقولون أن مصالح إسرائيلية وفلسطينية وقطرية وأوروبية تلاقت في الأسابيع الأخيرة مــن أجل توصيل الغاز إلــى غزة في العام .2023
وتقضي الخطة بتوصيل الغاز الطبيعي من حقل لوثيان الإســرائيلي، الذي تديره شركة «شيفرون» الأمريكيــة فــي الميــاه العميقــة في شــرق البحر المتوســط، عبر خط أنابيب قائم إلى إسرائيل ومنها إلى قطاع غزة عن طريق وصلة جديدة مقترحة.
وقــال المســؤولون أن هــذا الترتيــب الذي لم تســتكمل تفاصيله بعد يقضي بأن تموِّل قطر الجزء المقترح مده في إســرائيل من خط الأنابيب، ويمول الاتحاد الأوروبي الجزء الواقع في القطاع.
وإذا نجحــت الخطــة فســيكون مشــروع خط الأنابيب هو أول مشــروع منذ سنوات يوفر مصدراً مســتقرا للطاقة لغزة لينهي بذلك انقطاع الكهرباء المتكــرر الذي كان من عوامل إعاقــة اقتصاد القطاع الفلسطيني المحاصر.
وقال أرييــل إزراحي، مدير شــؤون الطاقة في مكتب «اللجنة الرباعيــة» وهو مجموعة تعمل على دعم مساعي السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وترفع تقاريرها إلى الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحــاد الأوروبي وروســيا «نحــن نتحدث عن تزويد غزة بالكهرباء على مدار الســاعة، بما يوفر أساســاً لنمو اقتصــادي كبير ويســهم في تحقيق السلام والاستقرار .»
وأضاف إزراحــي الذي يــرأس مجموعة العمل الخاصة بتوصيل الغاز إلــى غزة وتمولها الحكومة الهولنديــة منــذ 2015 «الأحــداث الأخيــرة مثلت انفراجة حقيقية .»
ويتوقع مكتب الرباعية أن يشتري الفلسطينيون في البداية حوالي 200 مليــون متر مكعب من الغاز ســنوياً، ربما ترتفع إلى مليار متر مكعب مع توسعة محطة الكهرباء وظهور مستهلكين آخرين.
وفي الأسبوع الماضي خصص الاتحاد الأوروبي خمســة ملايين يــورو مبدئياً لتمويــل الجزء الذي ســيقام في غزة من خط الأنابيب وســيمتد مسافة أربعة كيلومترات تقريباً بتكلفة تبلغ نحو 20 مليون يورو.
وخــال الأســبوع الماضــي أيضــا قــال محمد العمادي، المبعوث القطري لقطاع غزة، لوكالة أنباء «ســوا» التي تعمل في غزة أن بلاده ستمول الجزء الإسرائيلي من خط الأنابيب الذي يقول مسؤولون إنه سيمتد مسافة 45 كيلومترا تقريبا وتبلغ تكلفته نحو 70 مليون يورو.
وقال مسؤولون فلســطينيون وإسرائيليون أن قطر مستعدة لسداد كلفة خط الأنابيب في إسرائيل. ولم يرد مكتب العمــادي ومكتب الاتصال الحكومي في قطر على استفسارات رويترز.
ومنذ فترة يتــم تصدير الغــاز بالفعل من حقل لوثيان الإسرائيلي إلى الأردن ومصر.
ورداً على ســؤال حول خط أنابيــب غزة قالت «شيفرون» أنها تتطلع «لدعم إستراتيجية إسرائيل فــي تطوير مواردها مــن الطاقة مــن أجل مصلحة البلاد والمنطقة، لكنها لا تعلق على أي مســائل ذات طبيعة تجارية».
وامتنعت شــركة «ديليك دريلينغ» الإسرائيلية الشريك الرئيسي في حقل لوثيان عن التعليق.
حصار مزدوج ومشاكل كهرباء
تبلغ مساحة قطاع غزة الذي يعيش فيه مليونان من الفلسطينيين 360 كيلومتراً مربعاً ويقع بين شبه جزيرة سيناء المصرية وإسرائيل.
وليس للقطاع منفذ إلى العالم الخارجي ســوى عن طريق إسرائيل، التي تســيطر على 90 في المئة من حدوده البرية والبحرية، ومصر التي يربطها به شريط بري ضيق في الجنوب.
ومنذ سنوات يفرض البلدان حصاراً مشدداً على القطاع استناداً لمخاوف أمنية تتعلق بحركة حماس الإسلامية التي انتزعت السيطرة على غزة في العام .2007
وأمــس توَّلِد محطة الكهربــاء الوحيدة في غزة الكهرباء حوالي 12 ســاعة يومياً باستخدام الديزل وهو وقود أكثر كلفة وأشد تلويثاً للبيئة.
وســيُمكِّن خط أنابيب الغــاز المقترح المحطة من مضاعفة طاقة التوليد إلــى مثليها وربما إلى أربعة أمثالها. ويقدر مكتب الرباعية أنه سيضيف أكثر من مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني.
لا يتوقع أحد تقريبا أن تختفي كل المشــاكل، رغم أن مصــدراً أرخص وأكثر ثباتــاً للكهرباء قد يخفف المحنة الاقتصادية التي يعيشها سكان غزة بما يسهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة.
وقــد ســبق أن كانــت محطــة الكهربــاء التي ســينتهي عندها خط الأنابيب المقترح عرضة للتأثر بالسياسة. ففي 2006 قصفت إسرائيل المحطة بعد أن أسر مسلحون من حركة حماس جنديا إسرائيليا في عملية عبر الحدود.
وخلال العقــد الأخيــر تبادلت حركــة حماس والرئيس الفلســطيني محمود عبــاس الاتهامات بالتسبب في تدهور أزمة الكهرباء.
وقــال مســؤولون فلســطينيون إن الســلطة الفلســطينية التي يرأســها عباس ويدعمها الغرب ســتتولى إجراء المحادثات النهائية مع شركة الغاز الإسرائيلية.
وقــال وليــد ســلمان، نائــب رئيس الشــركة الفلســطينية للكهرباء، أنه يأمل التوصل إلى اتفاق في غضون أســابيع بما يســمح بخفــض تكاليف الكهرباء بنسبة 60 في المئة ومضاعفة قدرة التوليد إلى 140 ميغاوات على أقصى تقدير.
وأضــاف أن المحادثــات مــع شــركة «ديليك» الإســرائيلية تدور حول اتفاق لتوريــد الغاز لمدة خمس سنوات.
وفي إســرائيل قال وزير الطاقة يوفال شتاينيتز أن المشروع يتم «بالتنســيق الكامل معنا». ويشمل ذلــك المؤسســة الدفاعيــة والشــركة الوطنيــة الإســرائيلية لخطوط الغاز المملوكة للدولة، والتي قال رئيســها التنفيذي أن الخطــط جاهزة لمد خط
أنابيب للغــاز قطره 24 بوصة يمكنــه نقل «كميات كبيرة من الغاز».
وتترقب الشــركة التوصل إلى اتفاق نهائي ربما في الأسابيع المقبلة لبدء العمل في مد الخط.
على صعيد آخر قال مصدر رسمي فلسطيني أمس
أن السلطة الفلســطينية تلقت إشارات إيجابية من الجانب الإسرائيلي بشأن إمكانية تطوير حقل «غزة مارين» للغاز، قبالة شــواطئ قطاع غزة على البحر المتوسط.
يأتي ذلــك بعــد يومين مــن إعــان «صندوق الاســتثمار الفلســطيني» التابع للســلطة توقيع اتفاقيــة تفاهم لتطوير حقل «غــزة مارين» والبنية التحتيــة اللازمة له، مع الشــركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «ايغاس».
وقال المصــدر الذي فضل عدم نشــر اســمه أن الجانب المصــري كذلك تلقى إشــارات إيجابية من إســرائيل للمضي قدما في التوافق مع الفلسطينيين لتطوير الحقل.
وقــال محمــد مصطفــى، رئيس مجلــس إدارة «صنــدوق الاســتثمار الفلســطيني» أن محاولات جدية تجري مع المصريين لتطوير الحقل، وهو ما تم بتوقيع اتفاقية التفاهم.
وذكــر مصطفى الــذي كان يتحدث فــي فعالية مرتبطة بالطاقة الشمسية أمس في الضفة الغربية، أن للمصريين ثقلهم السياسي والجغرافي وخبرتهم في قطــاع الغاز، مضيفــاً «فرصتنــا أصبحت أكبر لاستخراج الغاز من الحقل .»
حقل مارين
ويملك «صندوق الاســتثمار الفلســطيني» 27.5 في المئة مــن الحقل ومثلهــا لصالح شــركة اتحاد المقاولين»سي.سي.سي» الخاصة، والنسبة المتبقية (45 في المئة( ستكون لمطوّر الحقل.
وأضاف مصطفــى «بدعم من منتدى غاز شــرق المتوســط المؤســس حديثا، أصبحت فرصتنا أكبر لاستغلال الحقل».
يذكر أن الســلطة الفلســطينية عضو في منتدى شرق المتوسط المؤسس قبل نحو عامين، إلى جانب كل من إســرائيل ومصر واليونان وإيطاليا والأردن وقبرص.
ويشــار إلى أن حقل «غزة ماريــن» هو أول حقل مكتشــف للغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، تبعته اكتشــافات إســرائيلية ومصرية ويونانية، غيرت خارطــة توزيع الطاقة فــي المنطقة، ورفعت ســخونة الصراعات بــن عديد الــدول المطلة على المتوسط.
مــا يــزال الحقــل غيــر مســتغل مــن جانب الفلســطينيين. ومــع تعنــت إســرائيل ورفضها تطويره، تخارجت «بريتش غاز» من الحقل، لتقوم شــركة «رويال داتش شــل» البريطانية الهولندية بشــراء حصتها، قبل أن تتخارج هــي الأخرى في مارس/آذار 2018.
في المقابل، لعل ما سرّع الخطوة المصرية لتوقيع اتفاقيــة تطوير الحقــل الفلســطيني الوحيد، هو النشــاط القطري في غــزة، وحضورهــا بقوة في إعلان صدر مؤخرا بحل أزمة الكهرباء في القطاع.
الإعــان الأخير الصــادر الأســبوع الماضي، تم بعد توقيع اتفاق بين قطــر والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالتنســيق مــع إســرائيل، والحكومة الفلسطينية.
ويرى متابعون لشــؤون الطاقــة أن القاهرة قد تخشــى دخول لاعب قوي لمنطقة شــرق المتوسط، ممثلا بقطــر، يتحول إلى شــريك في قطــاع جديد للفلســطينيين عبر تطوير الحقل القريب من حدود مصر وحقول الغاز التابعة لها.
ومع فرضية حصول قطر على عقد تطوير الحقل الفلســطيني، فإنها أولا ستنشــط في منطقة غنية بالغاز، وثانيا ســتعمل بإمكانات تقنية متطورة قد تفتح لها اكتشافات أخرى من الغاز.
وطالما أعلنت مصــر عن مســاعيها للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، عبر اكتشــافاتها في المتوسط، وتوقيع عقود اســتيراد الغاز الإســرائيلي لإعادة تصديره مُسالاً نحو أوروبا.