Al-Quds Al-Arabi

الصين: انتشال 800 مليون مواطن من الفقر منذ إطلاق الإصلاحات الاقتصادية أواخر السبعينيات

-

■ بكين/باوجينــغ - أف ب:تقــول الصين أنها انتشــلت 800 مليون شــخص من الفقر منذ إطلاق إصلاحاتهــ­ا الاقتصادية في أواخر الســبعيني­ات. وهكــذا تراجع معدل الفقــر الُمطّلق مــن 88.3 من السكان في 1981 إلى 0.3 فقط في 2018.

وتقــول الســلطات الصينيــة أنه منــذ وصول الرئيس شــي جينبينغ إلى الســلطة عام 2012 تم انتشال مئة مليون شخص من ســكان الأرياف من حالة الفقر الُمدّقع.

ويحدد خط الفقر المطلــق بأنه دخل يقل عن 2.3 دولار يومياً للفرد، أي أعلــى بقليل من الحد الأدنى المحدد من قبــل البنك الدولــي )1.9 دولار( للبلدان منخفضــة الدخل، لكنه دون الحــد الذي يوصي به البنك الدولي للبلدان متوســطة الدخل مثل الصين والبالــغ 5.5 دولار. وإذا تم اتباع هذا المعيار، فإن ما يقرب من ربع سكان الصين يعيشون في الفقر حسب رايزر، مدير البنك الدولي في الصين.

لكن هــذا التحديد لا يســتند فقط إلــى الدخل. ففي جميع أنحاء البلاد، قام مســؤولون حكوميون بزيــارة المنازل لتقييم الوضع الاجتماعي للســكان حســب معايير مختلفــة: الوضــع الصحي، وضع المسكن، التغطية الصحية، وتعليم الأطفال وغيرها. وتم شــطب عائلات تملك سيارة أو جراراً من لائحة الأسر الفقيرة.

وعملياً بــات كل الأطفــال الآن يكملون تعليمهم الإلزامــي )15 عامــاً( دون ان يضطــروا إلى العمل لمساعدة أهلهم.

كما تراجع معدل وفيات الرضع في العشرين عاماً الماضية حســب بيانات منظمة الأمم المتحة لرعاية الأطفال «يونيســيف» فــي حين أن معــدل اقتناء سيارة ارتفع بشكل كبير ليصل إلى 20 من السكان.

وقال مارتن رايــزر مدير البنك الدولي في الصين «بالنســبة للغالبية العظمى من الصينيين، تحسن مستوى الحياة بشكل كبير في غضون جيل كامل.»

ولكن نتقدين يقولــون أن الإحصاءات الصينية غالباً ما تكون موضع تســاؤل وأنها تكشــف جانباً واحدا فقط من الواقع.

تقول تيــري ســيكولار، الخبيــرة الاقتصادية المتخصصة بشــؤون الصين في جامعة ويســترن أونتاريو فــي كندا، أن الأمــوال المخصصة لمكافحة الفقر «على الرغم من كونهــا كبيرة من حيث القيمة المطلقة، فإنها لا تشكل سوى جزء صغير من عائدات الدولة .»

ويعترف القادة الصينيون إن النمو الاقتصادي الهائل الــذي أدى إلى تغيير البلاد منــذ 40 عاما لا يكفي لإخراج الجميع من الفقر.

فإذا كانــت المناطــق الســاحلية المنفتحة على التجارة الدولية قد دخلت سريعاً طور الحداثة، فان الأريــاف في الداخل فاتها في معظــم الأحيان قطار النمو.

كما أنــه اذا كان النمــو الاقتصــاد­ي الهائل في الصين ســاهم إلى حد كبيــر في خفــض الفقر في العقــود الماضية، فــان تباطؤه في المقابل ســيرغم الســلطات على التفكيــر في حلول لدعم مســتوى معيشة الاشخاص المتأثرين بذلك.

ففي العديد من المناطــق، تجد المجتمعات المحلية التي قدمت مســاهمة كبيرة في مكافحة الفقر نفسها فــي مواجهة موارد مالية محــدودة وديون فادحة، بعد أن اســتثمرت في بعض الأحيان في مشــاريع بنية تحتية ضخمة.

وقــال رايزر «في المســتقبل ، قــد يعني الحد من الضعف الاقتصــاد­ي )للأكثر فقراً( زيــادة التركيز على التدريب ومســاعدة الناس علــى الانتقال إلى وظائف أكثر إنتاجية في المدن.» كيف تم ذلك؟ يعرض ليو تشــينغيو )66 عاماً( المزارع من قرية ينفينــغ في إقليــم هونان )وســط( التي أصبحت ترتبــط الآن ببقية أنحاء الصين مــن خلال «طريق الحد من الفقــر» بالتفصيل كيف انتشــلت الدولة المزارع وعائلته من الفقر.

ففي هذه القرية التي تبعد عن أي مدينة ساعتين في رحلة بالسيارة

تبدو منازل الفلاحين الصغيرة في تناقض صارخ مع ناطحات السحاب الشاهقة في شنغهاي أو بكين.

ويقول ليو تشــينغيو أن المســاعدة التي قدمتها الســلطات مثــل دعــم المزارعين لشــراء الحبوب ومساعدته لاســتبدال أشــجار البرتقال التي كان يزرعها لكنها لم تكن تدرّ كثيراً من المال، أســهمت في انتشاله وعائلته من براثن الفقر المدقع

التفاوت الاقتصادي

وقد دخلــت عائلة هــذا المزارع رســميا في فئة «الفقر» عام 2014 ، عندما تم وضع سياسة المساعدة المحددة الهدف وحين توجه موظفون رســميون إلى كل منزل لتقييم أوضاع الأسر.

فــي الوقــت نفســه، تم تنفيذ أعمــال كبرى في الأرياف من شــمال البلاد إلى جنوبها. وبالتالي تم شــق طريق يمر عبر تلال هونــان الخضراء ويتيح لليو تشــينغيو نقل برتقاله إلى أسواق المنطقة في فترة تقل بمعدل نصف الوقت مقارنة مع السابق.

وفي عــام 2018، باتت عائلة ليو رســميا تعيش

فوق مستوى الفقر المحدد عند 2.3 دولارا في اليوم، في بلد بلغ فيه متوسط الدخل اليومي6.8 دولار في 2019 في الأرياف.

لكن عائلة ليو المؤلفة من خمســة أفــراد لا تزال بعيدة عن الأمان الاقتصادي، كما يتبين من عشرات الصناديق المليئة بالبرتقال غير المباع المتكدسة أمام منزله.

وأصرت السلطات المحلية على استبدال الأشجار القديمة في بســتانه وتحويل جزء مــن المنطقة إلى نباتات الشــاي، وهو إنتاج أكثــر ربحية. لكن هذه المزروعات لا تزال بعيدة عــن تحقيق ربحية كاملة ورقم الأعمال لاستغلالها تراجع.

وقال المزارع «قبل قطع الأشــجار كنا نكســب ما بين 20 ألف و30 ألف يــوان )2600 إلى 3800 يورو( ســنويا » لكــن عائداته باتــت الآن بضعة آلاف من اليوان فقط.

ومع اقتــراب الموعــد النهائي لاحتفــال الحزب الشــيوعي الصيني بالذكرى المئوية لتأسيســه في 2021العام الحالي، كثف النظــام مبادراته لتحديد الأســر المحتاجة وتوزيع الإعانات وإنجاز المشاريع الرئيسية.

وعلى المحك، شــرعية دولة تأسست على أساس المساواة الاشــتراك­ية ولكنها تحمل الرقم القياسي العالمي لعدد الملياردير­ات وثرواتهم المقدرة بالدولار.

لم يكن التفاوت الاجتماعي يثير جدلاً في العقود الأولى من وجود الصين الشــيوعية حين كان جميع السكان يعيشون في شــكل من أشكال الفاقة ضمن نظام جماعي.

لكــن الإصلاحــا­ت الاقتصادية شــهدت ظهور ثروات كبرى. واعتبر الزعيم آنذاك دنغ شياو بينغ

في 1984 أنه «مــن الطبيعي» أن يصبح البعض أكثر ثراء من الآخرين.

ولتصحيح الوضع سعت الســلطات إلى تطوير التحضر بالقــوة في المناطق الريفيــة، ونقل إقامة قرويين إلى أبراج سكنية حيث لديهم كهرباء ومياه جارية لكنهــم فقــدوا اتجاهاتهــ­م وأحيانا مصدر رزقهم.

وفي هونان مســقط رأس مؤســس النظام ماو تســي تونغ، أدى نقص الأموال إلى إبطاء تشــييد الطريق البالغ طولــه 63 كلم المؤدي إلى قرية عائلة ليو. لم تكتمل أعمال إنشــاء الطريق إلا بعد عرض تقرير على التلفزيون الوطني تســبب بضغط على السلطات المحلية.

تقول شــيانغ شــيولي، وهي مزارعــة تبلغ من العمــر 53 عاماً، أن حجم مبيعاتهــا تضاعف منذ أن

أصبح النقل أسهل وأنه أصبح بإمكانها بيع البرتقال بســهولة أكبر فــي المدينة. وتضيف «بــات بإمكان أولادنا أن يرتادوا مدارس أفضل الآن.»

ولمســاعدة أهاليهــم، كان يتم حرمــان عدد من الأطفال وخصوصا البنــات تقليديا من التعليم في الصــن للعمل فــي الأرض، لكن كل هــذا أصبح من الماضي.

كما أن كثيرين من الشــباب الصغــار تركوا في القرية لرعاية أجدادهم بعدمــا غادر أهاليهم للعمل فــي المدينة في هذا البلد الذي يوجد فيه حوالي 290 مليون عامل مهاجر داخلياً.

وفي إقليم هونان، تؤكد الأرقام الرسمية أن دخل الفرد في الأســر الفقيرة تضاعــف خمس مرات في خمس سنوات ليصل إلى 12200 يوان )1500 يورو(.

فعلى ســبيل المثال يســتعد مي جياشــي وهو مزارع برتقال يبلغ من العمر 71 عاما تعتني زوجته بأحفــاده في قرية أخرى للانتقــال إلى منزل جديد أكبر اشتراه بنفسه بمساعدة أولاده.

ويقول «تمكنت من كســب 30 ألف إلــى 40 ألف يوان» (3800 إلــى 5100 يورو( في الســنة مضيفاً «الأمور على ما يرام الآن.»

عودة إلى الوراء؟

لكن يبقى السؤال هو معرفة ما اذا كان استئصال الفقر مُســتداماً. فمع الارتفاع العام في مســتويات المعيشــة، يرتفع خط الفقر أيضاً. وقد يجد ســكان مدن حســابياً أنفسهم تحته، كما يحذر مارتن رايزر مدير البنك الدولي في الصين.

وفيما أثــر وباء كوفيــد-19 بشــدة على دخل الفئــات الأكثر فقراً، تقر بكين بــان هناك مخاطر في العودة إلى الــوراء، لكن دون الحديــث عن تهديد ببطالة او أمراض.

وقال مســؤول جهاز مكافحة الفقر او تشنغبينغ أن المستفيدين من الإعانات لم يتبق لديهم إمكانات لزيــادة دخلهــم أكثر فــي ديســمبر/كانون الأول الماضي. وأضاف «حين تعلق سياسة مكافحة الفقر، سيواجهون مخاطر التراجع مجدداً .»

في سنة 2020 وحدها خصصت الحكومة المركزية 146 مليار يوان )18.7 مليار يــورو( لمكافحة الفقر. لكن هذا الرقم ليس ســوى جزء من مبالغ إجمالية رصدتها المناطق والأقاليم.

ولتمويل هذه الاستثمارا­ت اضطرت المجموعات المحلية إلى الاســتدان­ة وباتت الفاتورة عالية: 800 مليــار يورو على الأقل لتســديدها على مدى خمس سنوات.

 ??  ?? فتاتان من قرية ينفنغ تلتقطان صور سيلفي بين أشجار البرتقال
فتاتان من قرية ينفنغ تلتقطان صور سيلفي بين أشجار البرتقال

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom