Al-Quds Al-Arabi

بعد مكالمة بلينكن مع نظيره الإسرائيلي: قياساً مع سابقاتها... ما الجديد لدى إدارة بايدن بقولها «نؤمن بحل الدولتين»؟

- ألون بنكاس

■ بعد بضعة أيام على الانشــغال بصغائر غير مهمة مثل وباء كورونا والانهيار الاقتصادي وخطة إنقاذ تكلف 1.9 تريليون دولار، ومحاكمة عزل رئيس سابق، وانهيار شبكة الكهرباء في تكساس، واســتئناف المفاوضات مع إيران حول خطة العــودة إلى الاتفــاق النووي، عادت الولايات المتحدة للتحــدث عن الموضوع المهم والواقعي، وهو «حل الدولتين».

في مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية، غابي أشكنازي، قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بأن «إدارة بايدن تؤمن بأن حل الدولتين هــو الطريق الأكثر صحة لضمان مســتقبل إســرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، وإلى جانبها دولة فلســطينية ديمقراطية قابلة للحياة». منذ بداية التســعيني­ات، ونحن نســمع بهذه الجملة من الإدارات الأمريكية حول الموضوع )باستثناء ترامب الذي قال «دولتان، دولة واحدة، ما تريدونه».)

لا يوجــد تناول لــدور الولايــات المتحــدة في هذه العملية، ولا يوجد أدنى إشــارة لبلورة خطة سياســية أمريكية، ولا توجد إشــارة إلى سياسة نشطة تدفع قدماً بهذه الصيغة، ولا توجد دعوة لإســرائيل والفلسطيني­ين للبدء في مفاوضات، ولا يوجد أي تعهد شــخصي لوزير الخارجية نفسه لمعالجة الموضوع.

صحيح أنهــا مجرد مكالمة هاتفية بــن وزير خارجية تولى منصبه قبل شهر، ووزير خارجية ينهي منصبه؛ إذ لا يجب أن نتوقع من الإدارة الجديدة أكثر من تصريحات عامة، فضلاً عن أن إســرائيل ستجري انتخابات بعد 28 يومــاً ولا تعرف الإدارة من ســيكون رئيس الحكومة في منتصف أيار؛ وستستغرق الإدارة وقتاً لبلورة سياسات، لن يتــم عرضها دفعة واحدة، وليســت هناك حاجة إلى المبالغة في تفكيك هــذه الجملة وتحليل مضمونها. ولكن يجب الانتباه إلى طريقة صياغة بلينكن البعيدة: الإدارة «تؤمن»، ومــاذا بعد؟ الإيمان ليس سياســة خارجية أو برنامجاً سياسياً.

«لضمــان مســتقبل إســرائيل كدولــة يهوديــة وديمقراطية»، هذه مسؤولية إسرائيل وليس مسؤولية – بايــدن بلينكــن. «دولــة فلســطينية قابلــة للحياة وديمقراطية»، هذا أمر يتعلــق بالمفاوضات بين الطرفين، نتيجة المفاوضات ومسؤولية الفلسطينيي­ن وليس بايدن – بلينكن. هناك ثلاث زوايا مختلفــة لفحص التصريح. الزاوية – اللامباليـ­ـة التهكميــة، والزاوية الواقعيــة، والزاوية المخيبة للآمال. مقاربــة اللامبالية - التهكمية هي تقصير النظام الإسرائيلي. وماذا قال بعد؟ هذه سياسة أمريكية معلنة عمرها ثلاثين ســنة، يظهر مبدأ الدولتين أيضاً في اتفاقات «إبراهام»، المعروفة أيضاً بصفقة القرن.

فــي نهاية المطاف، لــم يقل بلينكن شــيئاً عملياً، ولم يرســم سياســة متماســكة ولم يعرض خطــة وجدولاً زمنياً يقلق أحداً في إســرائيل أو ينمي آمالاً في الســلطة الفلســطين­ية. لا توجد أي عملية سياســية منذ 12 سنة. أما الجهد الأمريكي المهم الأخير، مهمة وزير الخارجية في حينه، جون كيري، في 2014، فقد فشــلت. وصفقة القرن للرئيس ترامب ماتت فور ولادتها ونشــرها. لذلك، هذه مجرد مقولــة فارغة من المضمون. يجــب تحريك الرأس كإشارة على الفهم، وإذا -لا سمح الله- كرر بلينكن ذلك فيجب إلقاء المسؤولية على الفلسطينيي­ن فوراً. بالنسبة للفلســطين­يين، يجب إبداء خيبة الأمــل من عدم التدخل النشــيط الأمريكي وعلى الفــور إلقاء المســؤولي­ة على إسرائيل.

في نهاية المطاف، إذا كان هناك شــيء متفق عليه بين إسرائيل والفلســطي­نيين بصورة ثابتة فهو أن الولايات المتحدة هــي المذنبة. الولايات المتحــدة قالت والولايات المتحدة لــم تقل، الرئيس يتدخل بشــكل كبير والرئيس لا يتدخل بما فيه الكفاية. على مدى الســنين يبدو أن كل تصريح أمريكي حول الموضوع تطلب عملية من تنســيق الردود بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

إن مقاربــة الزاويــة الواقعيــة تعتبــر أن التعهــد الأمريكــي تجاه نمــوذج الدولتين دفع ضريبــة كلامية. للولايات المتحدة أولويات سياســية أخرى، مثل: الصين

وبحر الصين الجنوبي وشــبه جزيرة كوريا وروســيا. وتعمل الإدارة الجديدة على تحســن مصداقية الولايات المتحدة بعد سنوات ترامب. في الشرق الأوسط، المنطقة التي انســحبت منهــا الولايات المتحــدة بالتدريج، فإن المصلحة الوحيدة التي بقيت هي إيــران، وليس الدولة الفلسطينية.

الولايــات المتحــدة ســئمت مــن الوســاطة ومــن تكرار العملية نفســها وسلســلة النشــاطات ذاتها منذ التســعيني­ات. الولايــات المتحــدة، كمــا يقــول وزراء خارجية بــن حين وآخــر، «لا ترغب بالســام أكثر من الأطراف نفســها، وإذا كانت الأطراف متمترسة فلن تبدد الولايات المتحدة المزيد من رأس المال السياســي والطاقة السياســية على ذلك. الفكرة هي أنــه عندما تصلون إلى إدراك أن نموذج الدولتــن هو الصحيح، فعليكم الإعلان عن ذلك وعليكم إجــراء مفاوضات، عندهــا اتصلوا بنا وسنساعدكم. هناك في إسرائيل من يحبون هذه المقاربة، وهناك من يفترضون أن عدم الاهتمام الأمريكي حكم على إســرائيل بنزاع دائم، وواقع ديمغرافي تهديدي، وعالم يصبح مناهضاً لإسرائيل.

الزاوية «خائبة الأمل» هي الأكثر إشــكالية. لإسرائيل شبكة علاقات اســتراتيج­ية مع الولايات المتحدة. لذلك، عندما تتنــاول الولايات المتحدة موضوعاً اســتراتيج­ياً مهمــاً لإســرائيل، فيجب عليهــا )إســرائيل( الإصغاء. لنفتــرض أن إدارة بايــدن ســتكرس جهــداً وتفكيــراً – للموضوع الإسرائيلي الفلسطيني، فهل ستكون العودة إلى صيغة الدولتين صحيحــة؟ هل فكروا هناك بإمكانية إقامة دولة فلســطينية؟ هــل هناك تفكيــر إبداعي أكثر عدا عن مجرد العودة إلى الصيغة نفســها وكأنها شعار سياســي يعفي من التفكير؟ أما زالــت المقاربة الأمريكية سارية حتى الآن؟

لأن بايدن وبلينكن شخصان مجربان، فلا يجب الشك في أنهما قد فكرا بعمق وتوصلا إلى نتيجة «دولتين»، إلى جانب الراحة البلاغية. النتيجة إذاً هي أن هذا لا يشغلهما ولن يشــغلهما، هذه ليســت مصلحة حيويــة للولايات المتحــدة وهي فــي مكانة متدنيــة في ســلم أولوياتها. الرسالة الموجهة لإســرائيل والفلســطي­نيين متشابهة، وهي: افعلوا ذلك وحدكم.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom