Al-Quds Al-Arabi

في ظل التمرد وانتشار العصابات والتغيرات الجذرية: متى تتنبه إسرائيل إلى تهديد استراتيجي يتربص بها في «النقب المتروك»؟

- إسرائيل زيف

■ في النقب ســيُختبر الشعب الإسرائيلي ودولته»، قال بن غوريون فــي خطاب «معنى النقــب» في كانون الثاني 1955. وبعد نحو 70 ســنة من ذلك، علينا أن ننظر باستقامة إلى ما يجري في النقب ونعترف بفشلنا، شعباً ودولــة، في هــذا الاختبار. خرج النقب عن الســيطرة، والســيادة على ثلثي أراضــي الدولة توجــد عمليا في أيدي احتــكارات وعصابات جريمة منظمة تعمل بطريقة عسكرية ومهنية. قرابة مليون مواطن يسكنون من خط بئر الســبع جنوباً تحت احتلال تلــك العصابات. دولة إســرائيل التي دفعت الثمن بحياة عشــرات الآلاف من أبنائها وبناتها في الدفاع عن ســيادتها، والتي تستثمر عشرات مليارات الشواكل كل سنة كي تتصدى لتحديات الأمن القومي أمام إيران وســوريا و»حزب الله» وغزة، رفعت الأيــدي تقريباً دون معركة أمام عصابات الجريمة هذه.

وحتــى الجيش الإســرائي­لي أصبح ضيفــاً مطارداً. وتحولــت ميادين النار إلى مــزارع ميرغوانا، والقواعد تشــكل مجال عمل دائم للســطاة. والعتاد والوســائل القتالية تســرق كل يوم بحجوم هائلة، ومعظم السلاح غير القانوني في إسرائيل مصدره بالسرقات من الجيش الإسرائيلي، التي تنفذها عصابات النقب.

ودون خــوف وروع، وبوقاحــة اســتفزازي­ة، يرفع أعضــاء هــذه العصابــات الأشــرطة إلى الشــبكات الاجتماعية ويتباهون بســفرهم منفلت العقال، بإطلاق النار في الهواء وبتواجدهم فــي وضح النهار في داخل البلدات وقواعد الجيش الإسرائيلي بلا عراقيل.

يبــدو أن حدث اغتصــاب الطفلة ابنة العاشــرة في النقب من ثلاثة شــبان من الشــتات هــو التعبير الأكثر إثــارة للصدمة عن عجز الدولة تجاه مــا يحصل هناك. أعمال جريمة، بمــا في ذلك ضد القاصريــن، تقع في كل البــاد – ولكــن هذا الحــدث يعبر -فضلاً عــن الفعلة الفظيعة نفســها- عن واقع التسيب في المنطقة وسكانها

وتركهم في أيدي هؤلاء الأنذال. لا يدور الحديث هنا عن موضوع جنائي فقــط: هذه ســيطرة معادية، وفوضى واحتلال أجنبي يحتجز مئات آلاف المواطنين كرهائن.

إن الغالبيــة الســاحقة من مواطني دولة إســرائيل البدو، الذين يسكنون في النقب، هم مواطنون يحترمون القانون ويشاركون في العبء القومي. ولكن محظور أن تعمي السلامة السياسية عيوننا عن رؤية الواقع كما هو والعمل على تغييره. يجتاز المجتمع البدوي تغييرات في السنوات الأخيرة، تغييرات تجد تعبيرها في تمرد الجيل الشاب، والتنفيس تجاه الجيل السابق والسيطرة على الحياة اليومية.

إن السنوات الطويلة من التقارب والانفتاح مع قطاع غزة واســتيراد العرائس منه، عظمت تأثيرات متطرفة وصلتهــا بالجهات المعاديــة. ويضاف إلى هــذا القرب العشــائري للعائلات البدوية في ســيناء والتي تعمل فيها عناصر إسلامية متطرفة. والتأثيرات الأيديولوج­ية والدينية تخلق تمكيناً وغلافاً لأعمال الجريمة والأعمال الجنائيــة. فنشــاطات التهريب في حــدود مصر، رغم الجــدار الهائــل، تتزايد مع الســنين. حمــات تهريب المخدرات والبضائع والسلاح تجري بالمتوسط مرة على الأقل كل ليلة. وأمام كل هذا، تبدي شرطة إسرائيل عجزاً مطلقاً. تنجح أعمال الجيش الإســرائي­لي في منع نسبة قليلة جداً من هذه الأعمال، وتسحب المخابرات يديها من كل ما يبدو ظاهراً كموضوع جنائي، رغم أن الحديث بات منــذ زمن بعيد عن تهديد اســتراتيج­ي قومي من الطراز الأول.

تخرج إسرائيل قريباً إلى معركة الانتخابات الرابعة في غضون سنتين. وكثيرة هي الجدالات التي تجري في الساحة السياســية والمواضيع التي يخرج السياسيون باسمها إلى المعركة. لأســفي، لا أحد منهم يضع موضوع إعادة الســيادة في النقب لدولة إسرائيل وإنقاذ سكانه علــى رأس جدول الأعمال الوطني. هنــاك، في لب لباب النقب، يتقلب بن غوريون في قبره أمام إخفاقنا كشــعب ودولة.

يديعوت 2021/2/24

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom