Al-Quds Al-Arabi

لقاحات روسية لنظام الأسد بتمويل إسرائيلي

-

■ يحــار المرء من أين يمســك «بصفقة التبــادل» الفضائحية التي أنجزها التاجر الروســي قبل أيام بين الصهيوني الأشــد تطرفاً وفســاداً نتنياهو والممانع الأكثر دموية بشــار الأســد. هل من رفض الســوريين دياب قهموز ونهال المقــت العودة من «نعيم» السجن والاحتلال الإســرائي­ليين إلى جحيم «الوطن» الأسدي، أم من «البند السري» المتعلق بتمويل إسرائيل للقاحات روسية بلغت قيمتها أكثر من مليــون دولار لإنقاذ الطغمة الأســدية من فيروس كورونا، أم من صمت أبــواق الممانعة عن هــذه الفضيحة المركبة، أم من الاحتلال الروســي لســوريا الذي بلغ هذا المبلغ من الخسة والوضاعة؟

كان رفض الســوريين العودة إلى بلدهما، وتفضيلهما البقاء في السجن والإقامة الجبرية تحت الاحتلال الإسرائيلي مفاجأة طيبة، بقدر ما هي محزنة، كشفت عن مدى عقلانية رفض السوريين لحكم الطغمة الكيماوية حين أطلقوا ثورتهم قبل عشــر ســنوات، وحين هربــوا بالملايين إلى بلدان اللجوء، ويرفضــون العودة ما دام هذا النظام قائماً.

يصعب العثور على مثال تاريخي آخر رفض فيه أسرى في دولة أجنبية )بل معاديــة( العودة إلى بلدهم في عملية تبادل أســرى. أما أن يكون الشخص المعني ســجيناً في سجن إسرائيلي محكوماً عليه بستة عشــر عاماً، فهذا مما يزيد من المفارقة الكامنة في رفض العودة.

كذلك يوجه موقف الســوريين المشــار إليهما رســالة فصيحة إلــى كل الدول الفاعلة بعبث محاولات حل المشــكلة الســورية مع بقاء النظــام الكيماوي. فإذا كان الســجين في ســجون الاحتلال الإســرائي­لي قد رفض العودة إلى «ســوريا الأسد» فلا شيء يدعو لتوقع عودة ملايين الفارين خارج الحدود المقيمين بمنافيهم القريبة والبعيدة منذ سنوات طويلة، آخذاً بعين الاعتبار أن ما قد يهم الدول الأوروبية من المشــكلة الســورية لا يتعدى الاهتمام بالتخلص من اللاجئين السوريين لديها، ولا يعنيها في شيء مأساة السوريين في ظل نظام الأسد أو تطلعهم إلى التخلص منه.

لكن المفاجأة الأكبر هي البند السري في الصفقة الذي لم يحافظ على ســريته طويلاً، واتضح أنه ينص على شــراء إسرائيل لنحو ســتين ألف لقاح بقيمة مليون ومئتي ألف دولار من روسيا ومنحها لنظام الأسد مقابل إعادة المرأة الإســرائي­لية التي دخلت الأراضي الســورية بالخطــأ وتم احتجازها لدى النظام. وقــد برر نتنياهو ســرية هذا البند بأن البائع الروسي هو من طلب عدم الإعلان عنه. وهذا مفهــوم بالنظر إلى وضاعة الموقف الروســي الذي بخل على تابعه الذليل في دمشق بهذه الكمية المحدودة من اللقاحات، فاضطر هذا إلى الاستعانة بالمال الإسرائيلي لشرائها.

لا شك أن الأســد وبطانته المقربة يســتطيعون تأمين هذا المبلغ التافه لشــراء اللقاحات الروســية، حتى لو لم يرغب النظام بدفع المبلغ من خزينته، كان بوســعه جمعه من تجار دمشــق على شكل «تبرعــات» هي في حقيقتها خوات اعتــادوا على دفعها طوال حكم الأسدين. ولكن ربما تعشــم النظام أن يحصل على اللقاحات على شكل هبة من سيده الروسي يعتبر نفسه قد استحقها بعد الخدمات الكبيرة التي قدمها له طوال ســنوات الحرب. وإذ بالروســي أحط منه وأحقر، فهو الذي طرح البند الســري في الصفقة وفرضه على نتنياهو، ثم طلب منه الحفاظ على سريته! الدليل على تفوق بوتين على كل من نتنياهو والأســد في الوضاعة هو تحرج الأخيرين من الكشــف عن هذا البنــد بأكثر من تحرج روســيا. فنتنياهو محرج تجاه الرأي العام الإســرائي­لي الذي يرفض أن تمول إسرائيل شيئاً سيســتفيد منه نظام الأســد، وهذا الأخير محرج تجــاه «جمهور الممانعة» الذي ســيجد صعوبة في ابتلاع هذا الأمر، لكنه ســيتقبل الأمر في نهاية المطاف على أي حال ما دام الأمر يتعلق بالنظام الذي يتمسك ببقائه.

إذا حســبنا أن كل شــخص يحتاج جرعتين من اللقاح، فصفقة اللقاح الروسي الممولة إسرائيلياً ستكفي لثلاثين ألف شخص فقط، وهو ما يشــير إلى محدودية حجم «الفرقة الناجية الأســدية» من الوباء القاتل، مقابل ملايين الموالين للنظام وملايين أخرى خاضعة لسيطرته، وعشــرات الآلاف من قواته المســلحة، ممن سيتركون لمصيرهم بلا لقاح. سوريو المناطق الخارجة عن سيطرته هم خارج الحساب سلفا بطبيعة الحال.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom