Al-Quds Al-Arabi

إيران وتحديات الانفتاح

-

■ ترتفــع احيانــا الوتيرة حــول منطقة الخليج وإيــران، لكن بكل تأكيد يبدو أننــا دخلنا مرحلة من الترقب لتطبيقات السياســة الأمريكية الجديدة مع الرئيس بايدن. بل تبدو سياســة بايدن وفريقه أكثر انســجاما مع التهدئة تمهيدا لمزيد من الانســحاب­ات الأمريكيــ­ة الإقليميــ­ة العســكرية. الطريق الجديد الذي ســتتبعه الولايات المتحدة مع إيــران يتطلب فتــح الحــوارات خاصة بعد ســنوات مــن التوتر والحروب. بنفــس الوقــت ان القول بــأن التهدئة سوف تدفع بإيران لمزيد من التطرف ليست أطروحة ســليمة. إيران اليوم ليســت إيران عام 1980، وهي ليســت إيران الثورية بقدر ما هي إيران البراغماتي­ة الساعية لترتيب وضعها العالمي والمالي. وهذا يعني ان السعي للحوار قد يفتح أبوابا محددة، كما فتحت زيارة الرئيس نيكســون فــي اوائل الســبعيني­ات الباب لتغيرات فــي الصين بالرغم من ايديولوجيت­ها الشيوعية. كانت الصين قد دعمت كل حركات التحرر والحركات الشيوعية في العالم بما فيها حرب فيتنام. لكن الانفتــاح الأمريكي على الصين غيــر الكثير من التوجهات الصينية، كما أنه أدى في نهاية سبعينيات القرن العشــرين لبروز مدرسة الإصلاح الاقتصادي الرأسمالي دون تغير جوهر النظام الشيوعي.

أن السياســة التقليدية الأمريكيــ­ة القائمة على حصــار إيــران ووضعها تحــت طائلــة العقوبات أضرت أولا الشــعب الإيراني، لكنهــا بنفس الوقت عجزت عن تحقيق أي من النتائج التي ســعت إليها الدول الغربيــة. فالعقوبات لا تغير أنظمة من النمط الإيرانــي، إضافة لوجود الكثير مــن الثغرات التي تسمح لإيران بالاســتير­اد والتصدير وتشجيع كل أنــواع الصناعات المحليــة. إن إيران التي تشــعر بالاختناق في علاقاتها مع الغرب هي نفســها إيران التي ستلتقط كل فرصة للخروج من هذا الاختناق.

وفــي المقابل السياســة الأمريكيــ­ة الجديدة أقل اهتماما نســبة للســابق بحماية مصــادر الطاقة، وذلك بسبب استغنائها عن النفط المستورد، إضافة لتراجع مكانة النفط كسلعة. إن الانسحاب الأمريكي سيقع وإن بدرجات مختلفة، وهذا سيحرر السياسة الأمريكية مــن بعض الاعتبــار­ات التــي تدفع بها للتورط في نزاعات الشــرق الأوسط، خاصة وإنها تعرف بأن جل اهتمامها يجب أن يذهب نحو الصين. لهذا لن تقبل الولايات المتحدة أن يكون لإســرائيل او لبعــض دول الخليج الحق في وضــع قيود على عودتها للاتفاق النووي وعلــى حوارها مع إيران، بل ســتطالب الولايات المتحــدة حلفاءها من الدول العربية بقبول حلول وسط مع إيران.

منطقتنا تواجه نفوذا أمريكيا يزداد تراجعا، كما تواجه تحديات كبرى بحكم اختلاف سياسات دول الخليج، فهناك من بنى علاقات أمنية مع إســرائيل لتعويض التراجــع الأمريكي، وهناك دول كالكويت وقطر وعمــان التي تتبع سياســات عقلانية تجاه إيران وتجاه قضايا التطبيع. فــا الكويت ولا قطر او عمــان لديها مشــروع لتحالفات دوليــة وأمنية وإســرائيل­ية لمواجهة إيــران. لقد بــدأت الولايات المتحدة بحظر الســاح الموجه لحرب اليمن، وهي لن تدعم اســتمرار حــرب اليمن، كما وســتجد في لحظة ما انها مــع حكومة تجمع كل الاطراف بما فيها الحوثيون.

الصراع الإيراني مع عدد من دول الخليج )وليس كلها( ســوف يعني تعريض أمن الاقليــم لنزاعات جديدة، وخــوف أكبر مــن الممولــن الدوليين من الاســتثما­ر في الخليج، وســوف يعنــي مزيدا من هبوط أســعار النفط وذلك بســبب الوضع الأمني الاقليمي. إيــران لن تختفي، وذلك بســبب حجمها وعدد سكانها ومساحتها ثم بسبب دورها الاقليمي، وسياساتها النووية، وقدرتها على تحدي السياسة الأمريكية.

إن عــددا من الدول فــي الاقليــم امتلكت الوقت لحل الاشــكالا­ت العالقــة مع إيــران، لكنها فضلت خيار الحصار واستخدام القوى الدولية وإسرائيل

لإضعــاف إيــران بمــا في ذلك التشــجيع على ضربها عسكريا. لكن كل ذلك لم يقع في زمن ترامب الذي استغل التوترات بهدف جني الامتيازات والأرباح وصفقات بيع السلاح، وهو لن يقع في زمن بايدن. لقد أصبح الطريق ممهدا للحل الوسط مع إيران، لكن المبادرة الآن ستكون بيد الولايات المتحدة.

إيران دولة وحضــارة ثابتة فــي منطقتنا، وقد نجحــت في مواجهة اســوأ العقوبــات وهذا يعني عمليا انها رغم وجود قلاقــل وتحديات داخلية في إيران، تمتلك إيران نظاما سياسيا قادرا على البقاء لفترة طويلــة. إن تغير هذا النظام ممكن، لكنه وفق التجربــة الإيرانية لــن يأتي التغير فــي إيران بلا خلق أجواء تهدئة ونمــو اقتصادي وإصلاح، وهذا لن يتحقق إلا بعد رفع العقوبات، وشــعور إيران ان الاصلاح لن يعرضها للخطــر. إن نهاية الصراع مع إيران او على الأقل تأطيره وعقلنته سيصب لصالح الإقليم ولصالــح دول الخليج. فأمن الخليج بحاجة لترتيبات جديدة تكون إيران ضمنها، وذلك في إطار معادلة تحمي المصالح المتبادلة لدول المنطقة.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom