Al-Quds Al-Arabi

عراق بايدن وإشارات طلب المرشحين

- ٭ كاتب عراقي

■ أصبح من الواضــح والثابــت، أن تعامل الإدارة الأمريكيــ­ة الجديدة، التي يديرهــا الرئيس جو بايدن، لن تتبــدل كثيراً عن طريقة معاملــة الإدارات الأمريكية الســابقة منذ 2003 مــع الملف العراقي، علــى الرغم من الاختلاف الُمعلن بين رؤى الإدارة الجديدة وإدارة دونالد ترامب، إذا أخذنا بعين الاهتمام طبيعة الطاقم الرســمي لإدارة جــو بادين، التي ســبق أن تعامل مســؤولوها مع الملــف العراقي، خلال الســنوات التــي أعقبت غزو العراق، وعلى ســبيل المثال لا الحصر، وزير الدفاع لويد أوســن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشارته لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف، وهذا ما قد يكشف للعراقيين، خفايا مكونات الطبخــة المقبلة، التي تُحضر للبلاد، والتي ســتأخذ بعين الاعتبار، مشروع دفع إيران للخروج مــن العراق، من خلال قبــول إدارة جو بايدن الرجوع إلى اتفاقية الملف النووي، في حالة قبول إيران بالمطالب الأمريكية الإضافية المتمثلة في إنهاء تواجدها التخريبي والمزعــزع لأمن المنطقة، المتمثــل في تصدير المشــروع القومي الإيراني، عن طريق وقــف البرنامج النــووي والباليســ­تي، وتدخل ملالي قــم وطهران في المنطقة، وهذا ما طالبت به المجموعة الأوروبية وستدفع بجو بادين إلى تأييده.

من هنا ترجمت تصريحات الرئيس الإيراني حســن روحاني وعباس عرقجي الأخيرة، قبول إيران الدخول فــي مباحثــات جديدة مع واشــنطن، بحاجــة النظام الثيوقراطـ­ـي للوصول إلــى إعادة الاتفاق مــع الإدارة الأمريكيــ­ة الجديدة، بمــا يضمن له الخــروج من أزمة العقوبات الاقتصادية الخانقة، ويسمح في الوقت نفسه بالقبول بتقديم التنازلات، في ما يتعلق بمشروع طهران القومي، وأسلحتها الباليستية، الذي يزعزع أمن منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من حالة النفي التي يظهرها المســؤولو­ن الإيرانيون في موضوع القبول بأي اتفاق جديد، لإنهاء الوجود العســكري والسياسي الفارسي في المنطقة.

وعلــى الجانب الآخــر، عززت تصريحــات الرئيس الأمريكي الأخيرة لزعماء الأعضاء الخمسة الدائمين في

مجلــس الأمن الدولي، ومطالبتــه للزعماء الأوروبيين، العمل معا للحد من أنشــطة إيران المزعزعة للاســتقرا­ر في دول الشــرق الأوســط، واســتعداد­ه للمشاركة في مفاوضــات، تهدف إلى توســيع بنود الاتفــاق النووي بشــكله القديم، ليشــمل ملفــات أخرى، على رأســها الصواريــخ الباليســت­ية، وأنشــطة إيــران المزعزعة للاستقرار في المنطقة. لا شك في أن النجاح في الوصول إلى اتفــاق جديد بين الغــرب وإيران، ينهــي وجودها القومي في العراق، ســيقلب موازين المشــهد السياسي العراقي، نتيجــة لإبعاد العامل الإيراني الذي ســيغير لا محالــة طبيعة المعادلة السياســية، مــن خلال تغير مراكز القوى الفاعلة المرتبطة بالمشــروع الإيراني. وهذا يعني حرية الجانب الأمريكــي المطلقة للتعامل مع الملف العراقي، في غياب للتأثيــر الإيراني، ولكن في ظل بقاء الحالة السياســية والاجتماعي­ة التي فرضتها العوامل الخارجية منذ احتلال العراق، وبروز زعماء وميليشيات مســلحة تابعة لمكونات وتيارات فئويــة، فرضتها حالة التقسيم الاجتماعي وتدخل مرجعيات الدين السياسي الطائفي في الأمور السياســية. وهذا قد يعني استحالة خروج العــراق من أزمته المزمنة، ويجعــل ابتعاده عن خطر التشتت والتقسيم، أمرا صعبا، إذ في غياب عملية سياســية وطنية لإعادة بناء أســس الدولــة العابرة للطوائــف والمكونات، التي أســقطها الغــزو الأمريكي، وبــروز زعماء وميليشــيا­ت مســلحة تابعــة لمكونات وتيــارات فئوية، فرضتهــا حالة التقســيم الاجتماعي والفراغ الذي احدثه غياب الدولة، أصبح من الســهولة قبول الولايات المتحدة بالتعامل مع الشخصيات التي قد تراها قادرة على تمثيل الطائفة والمكون، على الرغم من حجم التباين الكبير في الثقافة والنوايا الفئوية، وعمق مشاعر العداء ومطالب الثأر في ما بينهم، التي لا تسمح بقيام نظام سياسي موحد. وهذا ما قد يدفع إلى صياغة تكتلات سياسية جاهزة، تخدم مشروع التقسيم، الذي يمكن ان تراه الإدارة الأمريكية الجديدة، ملائما للرؤية التــي يحملها جــو بايدن لمســتقبل العــراق، والمتمثلة في تقســيم البلاد إلى ثلاثة مكونــات عرقية ومذهبية، انسجاما مع الشــخصيات القادرة على تمثيل كل مكون من مكونات المجتمع العراقي.

ومــن يراقب المشــهد السياســي العراقــي الحالي وتطوراتــه الأخيرة، مــن خلال إطلاق الســيد مقتدى الصدر تسمية نفســه «القائد» والاستعراض العسكري لميليشــيا­ته في بغداد، الــذي اعتبــره الكثيرون يمثل إشارة واضحة، هدفها اســتعراض العضلات للولايات المتحدة، وإشــارة لإدارة جو بايدن بقدرته وقابليته في حكــم العراق. وهنا لابد من التأكيد على أن اســتعراض ميليشيات «سرايا السلام» لا تدخل ضمن مفهوم العداء والتهديد للوجود الأمريكي فــي العراق، إذا أخذنا بعين الاعتبار موقف تحالف «ســائرون» التابع للسيد مقتدى الصدر في البرلمان، الواضح في عدم رفضه لبقاء القوات الأجنبية في العراق، وهذا ما قد يعلل مدى إصراره على أن يكون منصب رئاســة الوزراء من حصته، واعتباره «الزعيم القائــد» لحكم العراق، واختيــار الحكومة، ما يعني أنّ طموحه في ان يصبــح الحاكم الفعلي للعراق، على الرغــم من العداء الكبير الذي يكنــه أغلبية المكون السني له، ما قد يجعله حجر عثرة في طريق إعادة بناء الدولة الوطنية، وعاملا مساعدا لفدرلة العراق.

ومن يقــرأ أيضا التطــورات الأخيرة على الســاحة العراقيــة، المتمثلة فــي الظهور المبرمــج لابنة الرئيس السابق صدام حســن، واحتمالية قيادتها في المستقبل لحكومة ظل خارج العراق، تســعى من خلالها إلى تقديم بديل لحكم مقتدى الصدر، أو نوري المالكي، الذي يعتبره الكثيرون إشــارة أخرى واضحة موجهة لجو بايدن في إعــان قدرتها لحكم البــاد وتمثيل الدولــة العراقية، على الرغم مــن التباين والاختلاف مــع رؤية الرئيس الأمريكي لمســتقبل العراق، ناهيك من الصعوبات التي سوف تواجها، نتيجة العداء الكبير الذي تكنه الأحزاب السياسية الشــيعية للنظام الســابق، والتأثير الكبير للعامــل المذهبي الــذي تديره مراجع الدين السياســي في النجف، في اختيار طبيعة وشــكل الدولة ورجالها، وضرورة تبعيتهم للمذهــب، ما قد يجعل من رغد صدام حســن، حجر عثرة آخر يعيق طريق إعادة بناء الدولة الوطنيــة، وعامــا مســاعدا إضافيا للقبول بمشــروع فدرلة العراق، وفتح الأبواب للعودة للمربــع الأول، إذا أخذنا بعين الاعتبار رد الســيد مقتدى الصدر، في ما يتعلق بعودة ابنة الرئيس العراقي الســابق إلى الحياة السياســية وتهديدات الثــأر بقوله «نحن لهم بالمرصــاد». وتكرار دعوته للبرلمــان والحكومة للعمل على «تفعيل دور هيئة اجتثاث البعث. حيث ترجم صــدى تصريحات عودتها للمشــهد السياســي، من قبل أحزاب الدين السياسي، بمثابة إشــارة لعــودة «البعث الصدامي» وهــذا ما قد يضعها في الجزء الُمكمل لعراق مقسم بين الشيعة والسنة والكرد.

إن معرفــة جو بايدن، وخبرة فريقــه في التعامل مع العراق، تنبع من معرفته وتتبعه للتطورات التي حصلت في المشهد السياسي والاجتماعي، منذ احتلاله في 2003 ولحد الآن. فعلى الرغم من قبوله بالاستمرار في الضغط على إيران، للتوقيــع على اتفاق جديــد يجنب المنطقة مخاطر الحــرب المباشــرة، ويضمن للعــراق الخروج مــن النفوذ الإيرانــي، بيد ان تعامــل الإدارة الأمريكية الجديدة، قد يأخــذ طابعاً مختلفاً مقارنة بإدارات أوباما وترامب، انطلاقا وانسجاما مع تطور الواقع الاجتماعي والسياســي الجديد فــي العراق، بمكوناتــه واختلاف أهــداف زعمائه وعدائهــم القبلي، وســعيهم لامتلاكه والنظــر إليه من منطــق الإرث العائلــي والمذهبي. من هنا تبدو أحداث وتطورات المشــهد العراقي أكثر ملائمة لرؤية جو بايدن لمســتقبل العراق من تطلعات الســيد مقتدى الصدر ورغد صدام حســن، وأكثر خيبة لتفاؤل كلا الفريقين المفــرط من خريطة الطريق التي رســمتها الإدارة الأمريكية المقبلة مع العراق، متناسين ان العراق لن يخرج من محنتــه، بدون إعادة بناء الدولة وتوحيد المجتمع، وبدونهما ســيكتب لا محالة لمشروع جو بايدن النجاح.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom