Al-Quds Al-Arabi

مراجعة بايدن الاتفاق مع طالبان

- *رئيس حزب التجمع الوطني في أراضي 48

بدأت إدارة بايــدن بتطبيق ما وعدت به فــي الانتخابــ­ات وشــرعت بالتحرّك لتجديد المفاوضات مع إيران، للعودة إلى الاتفــاق النووي، الذي وقّعه باراك أوبامــا عام 2015، وألغاه دونالد ترامب عــام 2018. ويبدو هذا التحرّك المباشــر وغير المباشر على خط واشنطن ـ طهران، أهم تطوّر سياسي وأمني واقتصادي في الشرق الأوسط، وسيكون له تأثير حاسم على كثير من القضايا والصراعات في المنطقة، لا بل قد يكون المفتاح للتعامل المســتقبل­ي مع ملفات اليمن وسوريا ولبنان والعراق وأفغانستان، ويحمل في طيّاته إســقاطات مهمة على القضية الفلسطينية أيضا.

ظاهرياً تبدو مواقف الطرفين الأمريكي والإيراني غير قابلة للجسر، فإيران تشترط رفع العقوبات حتى تعود إلى التطبيق الكامــل للاتفاق النــووي، وحتــى تلغي خطــوات الرد على العقوبات التــي فرضتها إدارة ترامب عليهــا. في المقابل أعلن بايدين أكثر من مرّة أن الشرط المسبق لمفاوضات مع إيران هو عودتها إلى الالتزام ببنود الاتفاق مع السداســية كافة، ووقف جميع الإجراءات التي اتخذتها في مجال رفع مستوى تخصيب اليورانيوم وتقييد الرقابة الدولية على منشآتها النووية.

على الرغم من الخلاف، الــذي قد يمنع المفاوضات ويقوّض إمكانية الاتفــاق بين طهران وواشــنطن، فإنّه مــن الواضح أن إيران معنية جدّا بإحياء المســار الدبلوماسـ­ـي مع الإدارة الأمريكيــ­ة الجديــدة، وبرفــع العقوبات الصعبــة المفروضة عليها. الولايات المتحدة أيضا توّاقة إلى اســتئناف المفاوضات والعودة إلــى الاتفاق النووي، ومحو هذه الصفحة من الإرث، الذي خلّفه دونالد ترامب. يتفق الطرفان على ضرورة العودة للمفاوضات، وعلى أن الحل يجب أن يكون دبلوماســي­ا وليس عســكريا أو تخريبيّا أو عبر عقوبات اقتصادية. هما يختلفان أيهما يســبق، إلغــاء واشــنطن للعقوبات؟ أم إلغــاء طهران لخطوات الــرد عليها. ويزيد من صعوبة الخــاف ألّا أحد في طهران يريد أن يظهــر كمن خضع للضغط الخارجي، عشــية انتخابات الرئاسة الإيرانية في حزيران/يونيو المقبل، خاصة أن التيار المحافظ بالمرصاد لــكل مظهر «تهاون» في التعامل مع مطالب الولايات المتحــدة وأوروبا والوكالــة الدولية للطاقة النووية. أما في واشــنطن فقد رفع بايدن الســقف عاليا، حين صرّح بــأن لا عودة للمفاوضــا­ت ما لم تطبّق إيــران الاتفاق النووي بحذافيره، وتلغي كل خرق له. ويقوم مؤيّدو إسرائيل والحزب الجمهوري بحملة شــعواء ضد ما يســمّى «تنازلات» لإيران، ويبدو أن تراجعا للإدارة الأمريكية عن شروطها ليس بالأمر الهيّن.

تنصبّ الجهود هذه الأيام على البحث عن وســائل تســمح بتجديد المفاوضــا­ت، بدون أن يظهر أحد الطرفين وكأنّه خضع للآخر. ونشــر موقع «نيويورك تايمز» (18/2/2021( أن وزير الخارجيــة الإيرانــي محمد جــواد ظريف والرئيس حســن روحاني، اقترحــا فتح حوار حول «خطــوات تقارب متزامنة يقوم بها الطرفــان بتاريخ محدد.» ولقي هــذا الاقتراح آذانا صاغية داخــل البيت الأبيض، حيث جرى بحث إمكانية القيام بخطوات منسّقة ومتزامنة لتنفيذ اتفاق 2015 الأصلي. وتجري دراسة هذا التوجه بمســارين، الأول مسار متدرج عبر خطوة تتلوها خطوة، والثاني مســار الدفعة الواحدة، بحيث يجري التفاهم ســرّا على كل شيء وإخراجه إلى الملأ على شكل اتفاق ناجز.

لا الولايــات المتحّدة ولا إيران تريدان اســتمرار انســداد الطريــق أمــام العودة مجــددا إلــى الاتفاق النــووي ورفع العقوبات، وهناك تسريبات عن اتصالات سرية مباشرة وغير مباشــرة، بين طهران وواشــنطن. وقد وجد وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكين مخرجا من مأزق الانســداد، واقترح انضمام «ضيــوف» أو مراقبين أمريكيين إلــى المفاوضات بين أوروبا وإيران. دبلوماســي­ة الضيف علــى المفاوضات مريحة للطرفين، وتفتح المجال للتفاوض بدون مفاوضات رسمية.

يأتي الاقتراح الأمريكي الجديد بالوســاطة الأوروبية، لمنع تدهور الأمور أكثــر، بعد أن أعلنت إيران أنهــا لم تعد ملتزمة ببعض بنــود الاتفاق النــووي، وأنها لن تســمح بالزيارات المباغتة لمراقبي وكالــة الطاقة النووية الدولية في منشــآتها النووية. وأكثر ما تخشــاه واشــنطن هو تكرار ما حدث عام 1994 في عهــد الرئيس الســابق بيل كلينتــون، حين حدثت أزمة مع المراقبين في كوريا الشــمالية، وبــدل احتوائها جرى تصعيدها، ما أدّى إلى طرد المراقبين وتســريع إنتاج الســاح النووي، بدون رقيب أو حســيب. فعلى عكــس إدارة ترامب، تعتقد إدارة بايدن أن الضغــط المبالغ به على إيران لن يمنعها من الوصول إلى القنبلة النووية، بل بالعكس ســيدفعها أكثر لتســريع الوصول إلى قدرات تمكّن من إنتاجهــا. إضافة إلى تصريح وزير الخارجية الأمريكي بشــأن الوساطة الأوروبية، قامت الولايــات المتحدة ببعــض خطوات النوايا الحســنة، وخففت القيــود المفروضة على تحرّك ممثلــي إيران في الأمم المتحدة في نيويورك وغيرها، وأعلمت الإدارة الأمريكية الأمم المتحــدة انها لم تعد ملتزمة بما يســمّى إعلان ترامب، بشــأن فــرض العقوبات وحظر بيع الأســلحة لإيــران، ووفق وكالة رويترز أبلغت الولايات المتحدة إسرائيل وغيرها رسميّا، أنها تنوي تجديــد المفاوضات مع إيران. في المقابل منحت الحكومة الإيرانيــ­ة مهملة ثلاثة أشــهر إضافية لا تُفــرض فيها بالكامل التقييدات المشدّدة على المراقبين الدوليين. النقاشات «التقنية» حول مدخل البدء في المفاوضات هي لا شيء مقارنة بالخلافات الجوهرية حول المضمون. صحيــح أن الولايات المتحدة تريد العودة إلى الاتفاق النووي لكنّهــا تعلن انه غير كافٍ، ويجب إدخــال التعديلات والإضافــا­ت عليه. ومن هــذه التعديلات تشــديد الرقابة على المنشــآت النووية، وتمديد فترة سريان مفعول التقييدات الصارمة على تخصيب اليورانيوم، والتزام صريح وواضح بعدم الاقتراب إلى إنتاج سلاح نووي. وتريد الولايات المتحدة أيضا توســيع الاتفاق، أو اتفاقيات جديدة، لوضع قيود ملزمة على إنتــاج الصواريخ، خاصة تلك القادرة على حمل رؤوس نووية. كما تسعى الإدارة الأمريكية إلى الحد من التمدد الإيراني ووقف دعم ما يسمّى بالإرهاب.

وعلــى الرغم من أن الولايات المتحــدة ودول أوروبا تتبنّى معظم الشــروط الإســرائي­لية، إلا أن هذا لا يعجب إسرائيل، التــي ما زالت تعــارض المفاوضــا­ت وتقف ضد العــودة إلى الاتفاق النووي، وتدعمها في هذا الموقف السعودية والإمارات والبحرين ودول عربية أخرى.

ما تريده إســرائيل هو المزيد من العقوبــات وجر الولايات المتحــدة إلى تهديد إيران عســكريا. الجديد في واشــنطن أن القرار الأمريكي بشــأن الشرق الأوســط يتّخذ في واشنطن، وليس في تــل أبيب كما كان فــي عهد ترامب، ســيّد نتنياهو المطيع. وقد لخّصت صحيفة «هآرتس» الإســرائي­لية ذلك بأن «قطار دبلوماســي­ة بايــدن خرج نحو إيران ولــن يتوقّف في إسرائيل ». الولايات المتحدة ملتزمة بالحفاظ على أمن إسرائيل وعلى التفوق الإســرائي­لي المطلق، لكنّها ليســت مستعدّة أن تتحكّــم تل أبيب بقراراتهــ­ا الاســترات­يجية النابعة من فهمها لمصالحها ولأمنها القومي. إزاء التطورات المتســارع­ة، التي قد تتســارع أكثر، لم يعد النظام العربي القائم قادرا على التعامل مع المتغيّرات. الســعودية والإمارات والبحرين أضعف من أن تقف ضد واشــنطن، حتى لو تحالفت مع إســرائيل واحتمت خلفها. لقد جرى تسويغ التطبيع العربي على أنّه جاء للوقوف في وجه الخطر الإيراني، وفسّر المفسّرون وطبّل المطبّعون على أن التحالف مع إســرائيل يحمي من إيران. وقد جرى تعريف هذه الحماية بأنّهــا نابعة من قدرة إســرائيل على التأثير في السياســة الأمريكية. إســرائيل فعلا تؤثّر في القرار الأمريكي لكنّها ليســت كلية القــدرة، خاصة حين يتعلّــق الأمر بالأمن القومي الأمريكي. وها هو قطار الدبلوماسـ­ـية الأمريكية يسير بسرعة نحو إيران، وإسرائيل عاجزة عن إيقافه، فماذا سيفعل العرب؟ هل يستمرون في التعويل على ما لا يعوّل عليه؟

إذا كان النظــام العربــي يريد الحياة لشــعوبه ولديه حد أدنى من القلق على مصيرها، فعليــه أن يبتعد عن أي تحالف مع إسرائيل، لأنّه يضرب صلب الكيان والهوية والكرامة ولأنّه ببســاطة غير مفيد بالمرّة ولا يصمد أمام تقلبات السياســات الإقليمية. كما أن الدول العربية ليســت مضطرة إلى التحالف مــع الولايــات المتحدة، التي لــم تقف مع العرب فــي يوم من الأيام. الخطــوة الصحيحة هــي التوصل إلــى توافق عربي أولا، حتــى تكون هناك ذات عربية أصــا، ومن ثم العمل على تفاهمــات إقليمية مع إيران وتركيا، فهاتــان الدولتان، ومهما حدث، ســتبقيان فــي المنطقة فاعلتــن ومرتبطتــن بالعالم العربي. اســتراتيج­ية بناء الأمن القومي العربي، تعتمد على التفاهــم الممكــن والمتاح مع إيــران وتركيا، أما إســرائيل فلا يعوّل عليها ســوى المفلســون من الحكّام، والولايات المتحدة ستهتم بمصالحها هي في الاتفاق مع إيران، فمن سيحافظ على مصلحة العرب سوى العرب.

لا الولايات المتحدة ولا إيران تريدان استمرار انسداد الطريق أمام العودة مجددا إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom