Al-Quds Al-Arabi

عرس «فيروسي» في الشارع الأردني بعد «مفاجأة» الحظر: من اتخذ «القرار»؟

- عمان- «القدس العربي» من بسام البدارين:

مجــدداً، عــاش الأردنيــو­ن مــع حكومتهم سيناريو المفارقة نفسه الذي حصل سابقاً. فجأة ودون سابق إنذار، تعلن الحكومة للشعب مساء الأربعاء، بأنها ستعود للحظر الشامل مساء يوم الخميس إلى صباح الســبت، إضافة إلى تغليظ عقوبات مخالفــات الصحة والوقاية ومضاعفتها مالياً وتمديد الحظر الليلي ساعتين.

في الأثناء، توســع الحكام الإداريون بإغلاق منشــآت ومرافق خولفت فيهــا تعليمات وأوامر الدفاع، حفاظــاً على صحة المجتمع. وبدأت تصدر الأخبار عن عشــرات وأحياناً مئات المرافق التي تغلق أو تعاقب، مع أن غالبية المنشــآت التجارية والاقتصادي­ة تترنح أصلاً، لا بل دخلت في الحائط وتتجــه نحو الهاويــة إذا لم يحصل اســتدراك يطالب به علنــاً ومجدداً عبر «القــدس العربي» ممثل تجار العاصمة عمان، خليل الحاج توفيق.

القبضــة الأمنية في تطبيــق تعليمات الدفاع تعود إلى واجهة النقاش الساخن بعدما بدأ أطباء وخبراء كبار، مــن بينهم الدكتور منذر الحوارات والدكتور سعد الخرابشة، بطرح تساؤلات حول جدوى وإنتاجية الحظر الشــامل. زاوية القدرة على التصــرف ضيقة جداً، فالأمن ينبغي عليه أن

يتصرف لتطبيق التعليمات وإجبار المجتمع على تحسين نوعية السلوك لتحقيق التباعد وارتداء الكمامة. والناطقون أو المتبرعون بالنطق باســم المواطنين، يتحدثون عن سياسات حكومية عمياء تعاقب الجميع وتتعســف أحياناً ضــد الملتزمين بتعليمات الوقاية.

كيف يمكــن إقناع النــاس بضــرورة حماية أنفسهم؟ طرح هذا السؤال وزير الصحة الدكتور نذير عبيدات، وهو يحــاول إقناع بعض الوزراء والشخصيات الوطنية بأن المخالفات في المجتمع متكررة وأكبر وأوسع من أن تتوهم وزارة الصحة بأنها لا تراها، وبالتالي فــإن الإجراء واجب ولا بد من طريقة، فيما كان الحاج توفيق يقر بوجود بعض المخالفات التي يمكن التشدد في مواجهتها بدلاً من التشدد الأفقي بالحظر الشامل والإغلاق تحت عنــوان معاقبة الجميع، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى «سنندم جميعاً» .

الســؤال تحول إلى لغز فــي المقابل، وهو على الأرجح لغز سياســي بامتياز: كيف تتخذ دوائر القرار مســاء يوم الأربعاء، قراراً بحظر شــامل يطبق مســاء يوم الخميس دون إمهــال المرافق والمنشــآت أو تهيئة المواطنين لتدبير احتياجات نهاية الأسبوع؟

لا أحد على الأقل فــي الحكومة يجيب عن مثل هذا الســؤال، فالمشــهد ســبق أن تكرر، وخلايا الأزمة تعرف جيداً ما الذي يحصل في الأســواق

هكذا تحولت شوارع عمان والمحلات والمولات والمخابز التجارية إلى ما يشبه العرس الفيروسي الجماعي

وكيــف تتحــول الشــوارع والمحــات والمولات والمخابز التجارية إلى ما يشبه العرس الفيروسي الجماعــي عندما تعلن الحكومة أمــر دفاع جديداً سيطبق بعد ساعات فقط.

في مدينتــي الرصيفة والزرقــاء والكثير من

محطات العاصمــة، خرج المئات بــل الآلاف إلى الشــوارع لالتقاط فرصة تســوق وسط ازدحام شــديد من المرجح علمياً بأن لا يســاعد الوقاية الفيروسية، وقد يساعد في انتشار الوباء.

لكــن المواطنين لا خيار لهم، فالحظر الشــامل على الأبــواب مجــدداً، مــع أن نخبة مــن كبار الوبائيين بينهم الخرابشــة، وهو وزير ســابق للصحة، كانوا للتو يســألون علناً عن أي دراسة بحثية أو علمية تثبت بأن عدد الإصابات يقل عند اتخاذ قرار بالحظر الشامل.

داخل غرفة القرار الحكومي كانت التهامسات بين الــوزراء ملموســة، ويســمعها أحياناً رموز القطاع الخلاص والصحفيون بخصوص مســألة تقييم العــودة إلــى الحظر الشــامل والجزئي، وتأجيل قرار كان متخذاً فــي الأول من آذار بفتح قطاعات يقول القطاع الخاص بأنها أفلســت الآن وخرجت من المشــهد، من بينها تجارة السيارات والمعــارض والصالات ونــوادي اللياقة البدنية، التــي تنفق علــى 40 ألف عائلة علــى الأقل وفي أضيق الحدود.

نائب رئيس الــوزراء الدكتــور أمية طوقان، كان متحفظاً على فكرة العودة إلى الحظر، ووزير المالية الدكتور محمد العسعس سبق أن قال بأنه ومن باب الاختصــاص، لا يتحمس لفرض حظر حتى ليــوم واحد. وحتى وزيــر الصحة الدكتور عبيدات يدافع دون جرعات حماســة، لكنه يمتنع عن العمل فــي نطاق الآلية الشــعبوية التي كان سلفه يعمل بموجبها.

من الذي اتخذ القرار إذن؟ ســؤال أصغر لكنه أهم، فالقرار اتخذ فــي النهاية تحت وطأة موجة الفيروس الثالثة التي ضربت وبقوة عبر سلالتها البريطانيـ­ـة، وتم تجاهل نداءات واســتغاثا­ت القطاع الخــاص بأجنحته الثلاثــة، حيث طبقة الكبار جداً وقطــاع الخدمات والتجارة والمطاعم، وحيث ما يســمى بالاقتصاد غير المسجل. الجميع هنا متضرر، لكن السؤال الفكاهي عاد وبقوة إلى منصات التواصل، فجبهة النقــاد الخبثاء كرروا الاستفســا­ر وهم يعبرون عن رغبتهم في تركيبة وصنف ذلك الفيروس الذي يكسل ولا يعمل فقط يوم الجمعة.

واضــح أن مفارقة الموت بالفيــروس أو الموت جوعاً بدت أيضاً فــي الهمس الخافت، والانطباع يتكاثر؛ لأن إجراءات الحظر أســباب سياســية وليســت صحية. ذلك مجــرد انطبــاع طبعاً، لا يوجد رواية حكومية مضادة له، فدوائر الحكومة لا تقــول بصراحة للــرأي العام إن المســألة لها علاقة بالإخفاق المؤكد فــي ملف تأمين اللقاحات، وبحســابات الأرقــام المرتبكة بمخــاوف غرف الإنعــاش، وبالحــرص على التســكين خوفاً من ملامسة حواف تحديات استمرار خدمات القطاع العام الصحية.

لا تصارح الحكومة الناس، وبالتالي تســمح لهم فــي النتيجة بالتأويــل والتحويــر. وفيما يتحور الفيروس ويهاجــم الأردنيين، تتحور في المقابــل نظريات المؤامرة عنــد ولادة أي محاولة لفهم العودة إلى التشــدد الوقائي في ظل اقتصاد خاص يقترب من الحافة لا الهاوية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom