Al-Quds Al-Arabi

دبلوماسي إسرائيلي: واشنطن غير مكترثة بتسوية الصراع و«تسوية الدولتين» شعار فارغ

- الناصرة - «القدس العربي» من وديع عواودة:

يؤكــد دبلوماســي إســرائيلي ســابق أن الولايــات المتحــدة غيــر مكترثة بتســوية الصــراع الإســرائي­لي ـ الفلسطيني، وأن هذا يحتل مرتبة متدنية في أولوياتها فــي الشــرق الأوســط حيــث تحتــل إيــران صدارتها. موضحا أن "حل الدولتين شــعار فارغ تجتره الإدارات الأمريكية"، فيمــا حذرت باحثة إســرائيلي­ة من خطورة محكمة الجنايات الدولية على المســتوى السياسي في دولة الاحتــال وتقول إن هذه تفعل حســنا إن جددت المفاوضات مع السلطة الفلســطين­ية وذلك حفاظا على فرصة للتسوية وتمهيدا للضغط على الجنايات الدولية لعدم فتح ملف ضد إسرائيل.

ويقول الون بينكاس بلهجة ســاخرة إنه بعد بضعة أيــام من الاهتمام بأمــور تافهة لا أهمية لهــا، مثل وباء كوفيــد 19، والانهيار الاقتصــاد­ي وخطة إنقــاذ بـ1.9 تريليــون دولار، وقضيــة تنحيــة الرئيــس الســابق، وانهيــار شــبكة الكهربــاء في تكســاس، واســتئناف المفاوضات بشــأن مخطط العودة إلى الاتفاق النووي، عــادت الولايات المتحدة إلى الحديــث عن موضوع مهم وراهــن فعلا "حــل الدولتــن". ويســتذكر بينكاس في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" حديثا هاتفيا بين وزير الخارجيــة غابي أشــكنازي ونظيره الأمريكــي أنتوني بلينكــن الــذي قال فيــه "إن إدارة بايدن تؤمــن بأن حل الدولتين هو السبيل الأفضل لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، إلى جانبها دولة فلسطينية ديمقراطية قابلة للحياة."

ويــرى أن هــذه عبارة نجدهــا منذ مطلع التســعيني­ات تقريباً في كل المرات التي تطرقت فيها الإدارات الأمريكية إلــى الموضوع باســتثناء فتــرة دونالد ترامــب الذي قال "دولتان، دولة واحدة، أي شــيء تشــاؤونه" . ويضيف "هــذه العبــارة لا تتطــرق إلــى دور الولايــات المتحدة في عمليــة كهــذه، وليــس هنــاك تلميــح إلــى أن الأمريكيين بصــدد بلورة خطة، ولا يوجد توجه نحو سياســة فاعلة تســبق هــذه الصيغة، وليســت هنــاك دعوة لإســرائيل والفلســطي­نيين إلى البدء بمفاوضات، ولا تعهد شخصي من وزير الخارجية نفسه بمعالجة الموضوع" .

دولة فلسطينية قابلة للحياة

وفي رأي الدبلوماسـ­ـي الإســرائي­لي السابق، كانت في الحقيقة هذه محادثة هاتفية فقط بين وزير عُيّن قبل شــهر فقط في منصبه وبين وزيــر خارجية ينهي تولّي منصبه. مســتذكرا أن الإدارة لا تزال جديدة، ولا ينتظر منهــا أكثر من تصريحــات عامة، خاصــة أن انتخابات في إســرائيل ســتجري بعد 28 يوماً والإدارة الأمريكية لا تعرف مَن سيكون رئيس الحكومة في منتصف أيار/ مايو المقبل. ويعتبر أن بلورة سياســة تســتغرق وقتاً، وهــي لا تُعرَض دفعــة واحــدة ولا حاجة إلــى المبالغة في تفكيك العبارة وتحليل مضمونها، ويتســاءل" لكن يجب الانتباه إلى الصيغة البعيدة المدى لبلينكن: الإدارة "تؤمن"، مــاذا يعني هذا؟ موضحــا أن الإيمان لا يصنع سياســة خارجية عموماً، ولا خطة سياسية خصوصاً.

ويــرى أن ضمــان مســتقبل إســرائيل كدولــة يهودية وديمقراطية" هو مسؤولية إسرائيل وليست مسؤولية بايدن ـ بلينكن أما "دولة فلســطينية ديمقراطية وقابلة للحياة" - فهذا شــأن مفاوضات بين الطرفين، ونتائج المفاوضات ومســؤولية الفلســطين­يين وليــس بايدن ـ بلينكن.

ماذا لم يقل بلينكن؟

ويــرى بينكاس أيضــا أن هناك ثــاث زوايا مختلفة لفحص التصريــح: زاوية اللامبالاة الســاخرة، وزاوية واقعيــة، وزاويــة خيبــة الأمــل. التوجــه اللامبالــ­ي - الســاخر هو خيار تقصير المنظومة الإســرائي­لية وهذه سياســة أمريكية معلَنة عمرها 30 عامــاً، مبدأ الدولتين موجــود أيضاً فــي "اتفاقات إبراهيــم"، المعروفة أيضاً بـ"صفقة القرن" لإدارة ترامب.

ويقــول إن بلينكــن لــم يقــل شــيئاً عملياً، لم يرســم سياســة صلبــة، ولــم يعــرض خطــة وجــدولاً زمنيــاً يمكنهما أن يزعجا إســرائيل أو يثيرا آمالاً لدى السلطة الفلسطينية. كذلك ينوه أنه ليست هناك عملية سياسية منــذ 12 عامــاً، والجهــد الأمريكــي الأساســي الأخير، مهمــة وزيــر الخارجية الســابق جون كيري في ســنة 2014 فشــلت، وخطة القرن لترامب لفظت أنفاسها فور ولادتها ونشرها. من هنا يستنتج بينكاس أن هذا كلام اعتباطي من دون مضمون، ويجب فقط أن نهز رؤوسنا ونعرب عــن تفهمنا، وإذا كرر بلينكــن كلامه هذا، يجب إلقاء المســؤولي­ة فــوراً على الفلســطين­يين، وبالنســبة إليهم يجــب أن يعربوا فوراً عن خيبة أملهم لعدم وجود تدخّــل أمريكــي فعــال، وإلقــاء المســؤولي­ة فــوراً على إســرائيل. وبرأيه فإنه في النهاية، إذا كان هناك شيء يتفق عليه الفلســطين­يون وإســرائيل على الــدوام فهو حقيقة أن الولايات المتحدة هي المذنبة: الولايات المتحدة قالت، الولايات المتحدة لم تقــل، الرئيس يتدخل كثيراً، الرئيس لا يتدخل بما فيه الكفاية. على مر السنين، يبدو أن التصريحات الأمريكية بشأن الموضوع أثمرت عملية رد منسق بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية " .

ضريبة كلامية

وحســب بينكاس فالتوجه الواقعي يرى أن الالتزام الأمريكــي بنموذج الدولتــن هو ضريبــة كلامية حيث للولايات المتحــدة أولويات سياســية أُخــرى: الصين، وبحــر الصــن الجنوبــي، وشــبه الجزيــرة الكوريــة، وروســيا. ويقول إن الإدارة الجديــدة عملت على ترميم صدقية الولايات المتحدة بعد سنوات حكم ترامب، وفي الشرق الأوســط، المنطقة التي تنســحب منها الولايات المتحدة بالتدريــج، المصلحة الوحيدة الباقية هي إيران، وليست الدولة الفلسطينية. ويضيف "سئمت الولايات المتحدة من التوســط، وســئمت من العودة إلى العملية عينها وسلاسل العمل عينها منذ التسعينيات. الولايات المتحدة كما يقول رؤساؤها ووزراء خارجيتها من وقت إلى آخــر "لا يمكنها أن تريد الســام أكثر مــن الطرفين نفسيهما" .

ويعتقــد الدبلوماسـ­ـي الإســرائي­لي الســابق أنه إذا تحصن الطرفــان بمواقفهما، فإن الولايــات المتحدة لن تبدد مالاً سياســياً وطاقة من دون جدوى، وأن التوجه الأمريكــي الآن هــو: توصلوا إلى الاعتــراف بأن نموذج الدولتين هو الصحيح، اعلنــوا ذلك، اجروا مفاوضات، اتصلوا بنا وسنساعدكم. ويشير الى أن هناك أوساطا في إسرائيل ممَن تحب هذا التوجه، وهناك مَن يفترض أن عدم الاهتمام الأمريكي حكم على إســرائيل بالعيش مــع نزاع دائــم، وواقع ديمغرافي مهــدد، وعالم يصبح أكثر فأكثر معادياً لإسرائيل في هذا الموضوع.

زاوية خيبة الأمل

كما يرى أن زاوية "خيبة الأمل" هي الأكثر إشــكالية: لدى إسرائيل شــبكة علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة ولذلك عندما تتطرق إلى موضوع اســتراتيج­ي مهــم بالنســبة إلى إســرائيل، على الأخيــرة أن تصغي إليهــا. ويتســاءل مجــددا: لنفتــرض أن إدارة بايــدن ســتخصص جهــداً وأهميــة للموضــوع الإســرائي­لي ـ الفلســطين­ي، هل العودة إلى صيغة الدولتين صحيحة؟ هل فكرت إدارة بايدن في إمكان قيام دولة فلسطينية؟ هــل هناك تفكيــر مبتكــر أكثر غيــر العودة إلــى صيغة تحولت لازمة سياسية لا أهمية لها؟ هل توجد صلاحية لهذه النظرة الأمريكية؟

ويخلــص بينــكاس للقــول إنه نظــراً إلــى أن بايدن وبلينكــن صاحبا تجربة، لا يمكن الشــك في أنهما فكّرا عميقــاً وتوصــا إلى خلاصــة "دولتان" بمــا لا يتجاوز ســهولتها البلاغيــة، ولذلــك الخلاصــة هــي أن هــذا الموضوع لا يشــغلهم ولن يشــغلهم، ولا يشّكل مصلحة حيويــة بالنســبة إلــى الولايــات المتحــدة، ويأتــي في أدنى ســلّم أولوياتها. ويضيف "الرسالة إلى إسرائيل والفلسطيني­ين متشابهة: افعلوا ذلك بمفردكم".

حسناً تفعل إسرائيل إذا قامت بمبادرة لاستئناف المحادثات مع الفلسطينيي­ن

وفي ســياق متصل تعتبر راحيــل دولب - عميدة في الاحتيــاط، ومحامية )وهي اليوم عضــو في لجنة إدارة حركة قــادة من أجل أمن إســرائيل( أنه مــن المفضل أن تبادر إسرائيل لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيي­ن.

وفي مقال نشــرته "معاريف"، قالت دولب إن ضباط الجيش الإســرائي­لي وجنوده ليسوا وحدهم الذين يجب أن يقلقوا من موافقة محكمة الجنايات الدولية في لاهاي علــى فتــح تحقيق في شــبهة ارتــكاب إســرائيل جرائم حرب. في نظرها مَن يجب أن يقلق، إذا فُتح تحقيق كهذا فعلاً، هم تحديداً رؤساء المستوى الحكومي والسياسي الذين وافقوا على الاستيطان في الضفة الغربية، ووزراء الأمن الذيــن انشــغلوا كثيراً في توســيع المســتوطن­ات في الضفــة الغربية، وكذلك رؤســاء الحــركات الداعمة للمستوطنين.

وتســتعيد الماضــي بالقول "طوال ســنوات شــاركت إســرائيل في ســن قوانين معاهدة روما بصــورة فاعلة، ووقّعتهــا، لكنها لــم تقرّها، بناء على ذلك، فإنها ليســت عضــواً فــي المحكمــة، ولا صلاحيــات فعليــة للمحكمة علــى أعمال وقعت فــي أراضي دولة إســرائيل، ولا على مواطنيهــا " . وترى أن تحفّظ إســرائيل ناجم من خوفها من اســتخدام سياســي لمعاهدة روما ضدها ومواطنيها

وتقــول إن أســاس تخوفهــا نابع مــن إدخــال بند إلى القانون يمنع نقل ســكان من أراضــي الدولة المحتلة إلى أراضي الدولة التي جرى احتلالها، أي بند المستوطنات.

وفي رأيها فإن الشــبهات التــي تبلورت لدى المدعية العامة بشأن الأعمال التي قام بها الجيش الإسرائيلي في عمليــة الجرف الصامــد عام 2014 وعلى الســياج الحــدودي في غزة في ســنة 2018 لا تبرر فتح تحقيق في ضوء المبدأ الثابــت أن دولة لديها منظومة قضائية مســتقلة وعادلــة وفعالــة ونشــطة، هــي التــي تقوم بالتحقيق بنفســها. كمــا تقول إن موضوع اســتقلال المنظومة القضائية الإســرائي­لية فيما يتعلق بالتحقيق في شــبهات جرائم دولية يحظى بالتقدير، ســواء من خــال لجنة تيــركل في أعقــاب قضية ســفينة مرمرة التركية أو في طواقم تشاحنبور التي عملت على تطبيق دروس لجنة تيركل، لضمان الالتزام بمبادىء القانون الدولي من طرف الجيش والقضاء الإسرائيلي­يْن.

الضم الزاحف

وتــرى أنــه إذا فُتح تحقيــق، وبدأت المدعيــة العامة بجمــع الأدلــة وبفحــص الشــبهات فــي موضــوع المســتوطن­ات، من المهم أن تمتنع إســرائيل عــن القيام بخطوات تواصل فيها الضم الزاحف، وأن تتوقف عن خطوات الضم الزاحف وطرد الفلسطينيي­ن من مناطق ج، التي تعرقل أي إمكانات التوصل إلى تسوية وقيام دولة قابلة للحيــاة. وتتابع "على هذه الخلفية يمكن أن

نفهم مخاوف وزير الأمن غانتس الذي توجه إلى إدارة الصندوق الدائم لإســرائيل وطلب منهــا تأجيل تنفيذ القرار "الحســاس جــداً" بشــأن شــراء أراض خاصة في الضفــة الغربية. وبالاســتن­اد إليه ســيكون للقرار تداعيات على الصعيد الدولي، وعلى علاقات إسرائيل بالولايات المتحدة، وعلى علاقات إســرائيل بالشتات، ومن نافــل القول إن جهات دولية ســتجد صعوبة في التفريــق بين دولة إســرائيل وبــن الصنــدوق الدائم لإسرائيل، على الرغم من أن أصحاب الصندوق ليسوا الحكومة الإسرائيلي­ة.

توصية

وتخلص دولب لإسداء نصيحة بالقول: "حسناً فعلت المحكمــة العليا عندما ألغت قانون شــرعنة مســتوطنات فــي الضفــة الغربية، لأنــه يتعــارض مع مبدأ الســيادة الإقليميــ­ة، ومــع مبادىء التشــريع الإســرائي­لي ويمس بحقوق الفلســطين­يين. وتتابع "بذلــك أزالت عقبة كبيرة كانت تواجه إســرائيل وحســناً تفعل إذا قامت بمبادرة لاســتئناف المحادثــا­ت مــع الفلســطين­يين أو خطــوات مستقلة للانفصال مدنياً عن الفلسطينيي­ن، بهدف تعزيز أمــن مواطنيها وخلق واقع سياســي أفضل يتيح القيام بخطوات سياسية في المستقبل، ويمنع خطوات أحادية الجانب تعرقل إمكان التوصل إلى تسوية. بذلك نحضر الأرضية لضغط قانوني وسياسي على المحكمة الدولية في لاهاي لمنع البدء بالتحقيق" .

 ??  ?? الون بينكاس
الون بينكاس

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom