Al-Quds Al-Arabi

محمد الديهاجي

-

■ الســؤال الأول: هل يمكن للنقد الانطباعي أن يصبح منهجا ذا مصطلحات ومفاهيم خاصة قادرة على ملامســة النص الأدبي بطريقــة موضوعية؟ وكيف تصدت له المناهج الجديدة؟

□ علينــا أن نتفــق أولا علــى أن الانطباعيـ­ـة، فــي النقد الأدبــي، أو كما يحلو للبعض تســميتها بالمنهج التأثــري، تُضحي بنمو النــص والتحليل الموضوعي، في ســبيل الانطباع أو ما يتركه العمــل الأدبي من أثر في نفســية هذا الكاتــب أو ذاك. فالناقد الانطباعي لا يعطي أي اهتمام بالبنيــات الباطنية للنص، وبإمكانه أن يُقــوّل النــص مــا لــم يقله بكثيــر من الحريــة، ولو أدى بــه الأمر إلى الخروج عن النــص/ الموضوع، إذ لا حدود للناقد لما يقوله. ومعلوم أن هذا المنهج قد عرف انتشــارا واســعا في أواخر القرن التاســع عشر عند الغرب، وســتتأثر بــه مجموعة من الكتــاب العرب في النصف الأول من القرن العشرين. وعلى هذا الأساس أبــادر وأقــول إن القــراءة الانطباعيـ­ـة للأثــر الأدبــي لا يمكنهــا البتــة إلا أن تنتــج أفــكارا وأحكامــا قيمية بالأســاس.. أفــكارا وأحكاما لا يمكنهــا، في أي حال مــن الأحوال، أن تُنصــت للنص أو أن تصــل مثلا إلى أقصى ما ذهب إليه. فالأحكام جاهزة ويتم إســقاطها بشــكل فج علــى العمل، حســب الهــوى، لأن )المنهج الانطباعي( إذا صحت تســميته كذلــك، منهج يحتكم إلــى المــزاج والانطباع، فــي تقييــم الأعمــال الأدبية، بدون الاســتناد إلــى أســلوب علمــي أو مصطلحات منهجية. وهو )منهج( على كل حال، يقوم على القدرة الإنشــائي­ة لــدى الكاتب فــي معالجته للنص بشــكل سطحي وســريع، ما يجعله منهجا/أسلوبا صحافيا بامتيــاز. وأغلب الظن، في مجال الأدب، أن تغيُّر نظرة الدارســن والباحثــن، إلــى مفهوم الأدب، فــي ذاته، وإلــى النــص الأدبي، باعتبــاره كينونــة تضاعف من وجودها، بفعــل آثامها اللغوية )الآثــام بما هي خرق وانزياح( هي التي جعلتهــم يعيدون النظر في طرائق تعاملهم مــع النص الأدبي، منذ أواخر القرن التاســع عشــر. لقد كانت الرغبة ـ آنئذ ـ ملحــة وضرورية، من أجــل تخليص النقد الأدبــي من نزعتــه الميتافيزي­قية، ولغتــه الصحافية، وأحكامه التذوقية، الشــيء الذي دفع الدارســن، خصوصا في بحر القرن العشــرين، إلــى الاســتعان­ة بالعلــوم الإنســاني­ة، والإفــادة منها أيما إفادة. فانقســمت بذلك نظرة الدارســن إلى الأثر الأدبي، وتعددت بتعدد المشــارب الفكرية والفلسفية والأيديولو­جيــة. فهنــاك من نظــر إلى النــص الأدبي بوصفه نتاجــا مرجعيا/اجتماعيا، وهناك من اعتبره نتاجا وإفرازا لعوامل نفســية معقــدة، وبالمقابل نجد تصورا آخــر اختزل الأثر الأدبي كله فــي بنية مغلقة، تنتظم في سلسلة من العلاقات والقوانين المضبوطة، مؤشــرا بذلك إلى فكــرة «موت المؤلــف» فضلا عن أن هناك من اعتبر النص مجرد سلعة تعرض على قارئ/ مســتهلك، وتحتكم لشــروط الســوق ما يفرض علينا النظر إليه في تداوله واستهلاكه.

■ الســؤال الثاني: أمام تعــدد المناهج النقدية وتعدد مرجعياتها، تبعا لقناعات متبنيها، هل يمكن أن يكون المنهج التكاملي بديلا عنها؟

□ ســؤالكم يحيلنــي إلى نقاشٍ طُــرح في الجامعة المغربية، في ثمانينيات وتســعينيا­ت القرن المنصرم، حــول إمكانية صــوغ إطــار منهاجي منفتــح على كل المناهــج التي بــدا عليهــا بعــض الانحبــاس، وأبدت قصورا واضحا في سعيها الدؤوب للإمساك بجوهر النص الأدبــي. نُعت هــذا المنهج، حينهــا، بالتكاملي، نظــرا لأنه يأخذ بعــن الاعتبار داخل وخــارج النص، ويســتنفر من ثــم، كل الإمكانــا­ت المنهاجيــ­ة المتعددة والمتضاربـ­ـة أحيانــا. هــو منهــج يســتفيد مــن باقي المناهج النقدية الأخرى، كالمنهج النفســي والتاريخي والاجتماعي والأســلوب­ي وغيرها من المناهج، بشــكل فوضوي أحيانا.

هذا الجمع بــن المناهج بطريقــة لا تراعي الضابط الأبســتيم­ولوجي جعــل بعض الدراســات التي تبنت هــذا المذهــب تبدو مبلقنــة وملفقــة إلى حــد كبير، إلا أن النقــاش اليوم حول هــذه الإمكانيــ­ة أصبح يُطرح انطلاقــا من منظور أبســتيمول­وجي واضــح في إطار مــا بات يعــرف بالمناهــج وتكامل المعــارف من داخل الفلســفة التأويلية بوصفها طريقة ومنهجا في الفهم. هذا يعنــي أن التكامل لــن يتحقق إلا مــن داخل منهج قائم بذاته، ويتســع لعديد المناهج والمعارف والعلوم الإنسانية، مثلما هو الحال عند التأويليين المعاصرين. ولعــل صيحة زعيم البنيويين تــودوروف الأخيرة في وجــه الوضــع الكارثي الــذي أصبح يعيشــه الدرس الأدبي في فرنســا، من خلال كتابه «الأدب في خطر»

، لدليــل قاطــع علــى ضــرورة إعادة النظر في مســألة مناهج النقد الأدبي. والســبب، فــي نظــره، هو طــرق التدريــس، والمناهج المعتمــدة فــي المعالجــة والمقاربــ­ة؛ وبذلــك لــم يتردد فــي إدانة الأطــر المنهاجيــ­ة الحديثة، كالســيميا­ئيات والبنيويــ­ة والتداوليـ­ـة، باعتبارهــ­ا مســيئة للــدرس الأدبي.

■ الســؤال الثالــث: هــل يســتقيم الحديث بمصطلح النقد العربي الحديث؟

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom