سياسة دولة في سؤال وحيد: نتنياهو... نعم أم لا؟
■ لم تكن هنــاك يوماً ما انتخابــات خطيرة مثل هذه. فبعــد أن شــطب برامج الأحــزاب الانتخابية وطمســت الحــدود الأيديولوجيــة، وحتــى الشــعارات التي كانت ذات يوم: «سيقسم القدس»، «ســيجلب السلام»، «جيد لليهــود» و»يفهم العــرب»، أخلــت هي الأخــرى مكانها لموضــوع واحــد ووحيــد يقــف علــى جــدول الأعمال: نتنياهو نعم أم لا.
الآن، دولة كاملة منقسمة حول موضوع واحد، الذي هو شــخص واحد. الجميع يتحدثون عنه. كل مســتقبل الدولة يتوقف على ســؤال: هل سيكون رئيس الحكومة القادم هو الرئيس الحالي. ليس مهماً من سيحل مكانه، وليــس المهم إلــى أين تذهــب الدولــة ومن أيــن جاءت، الأســاس هو: هل معه أو بدونه؟ وإذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من الأدلة على الظاهرة غير المعقولة التي تسمى بنيامــن نتنياهو، فها هي الحقيقة أمامكــم: دولة كاملة تنشــغل به فقط. أعطــوا لمؤيديه دولة كــوارث وهو على رأســها، سيشــتهونها. أعطوا لمعارضيــه دولة كوابيس ولكن بدونه، سيتحمسون لها.
لذلك، ســيكون هذا مقروناً بثمن باهظ. قد تســتيقظ إسرائيل في اليوم التالي للانتخابات على حكومة ودولة لم ترغب فيهما على الإطلاق. لا أحد ســيغفر في معسكر معارضــي نتنياهــو، الذي هــو الآن الأغلبية، لمــن يتجرأ على تخريب تشــكيل حكومة الأحــام الوحيدة، حكومة لا يرأســها نتنياهــو، حتى بثمــن محو كل بقايــا الهوية الفكريــة. هذا لا يعتبر انتهازية، إذا شــارك «ميرتس» في حكومــة جدعون ســاعر، مثلما أعلن في الســابق، أو إذا جلس حــزب العمل مــع افيغــدور ليبرمــان أو يئير لبيد مــع نفتالي بينيت. كل ذلك ســيبرره الهدف. لأن حكومة ليســت برئاســة نتنياهو لا يمكن أن تكون بدون اليمين، وربما بقيادته فقط، لذلك يتوقع أن تنتقل إلى أماكن قد لا يرغب معظم الإسرائيليين في الوصول إليها، كل ذلك من أجل الرضى والفرح برؤية نتنياهو مهزوماً في النهاية.
الإســرائيليون الذيــن يريــدون حيــاة علمانية وحرة ســيحصلون على محلات مغلقة في أيام الســبت، مثلما يريد ســاعر، ولن يكون بإمكانهم قــول أي كلمة؛ هم في
نهايــة المطاف تحــرروا من لعنة نتنياهو. الإســرائيليون الذين تعلموا في فترة الوباء بأن ليس مثل تدخل الحكومة العميــق لضمــان تقديم خدمــة ناجعة للمواطــن، وليس مثــل دولة الرفاه لمســاعدة شــخص في زمــن الضائقة، ســيحصلون على رأسمالية متوحشــة أكثر مما كان في السابق، خصخصة وخصخصة، وحتى على ليبرتارية، مثلما وعد بينيت. والإســرائيليون الذين تفطرت قلوبهم مــن المعاملة المشــينة لطالبــي اللجوء ســيحصلون على حكومة ترحيل ومعاملة ســيئة للاجئين الذين ســيبقون هنا. والأمر الرئيســي هو أن نتنياهو لن يكون رئيســها. بالطبع، الإســرائيليون الذين يشعرون بعدم الرضى من اســتمرار الاحتلال ســيحصلون على مزيد مــن عمليات الضم، واســتئناف التنكيل بالفلســطينيين. وفي نهاية المطــاف، دورة أخرى لســفك الدماء، مثلمــا يريد جميع رؤســاء أحزاب اليمين. هذا ما ســيحصل عليه معســكر معارضي نتنياهو كزيادة، إذا تعززت قوة ساعر وبينيت وليبرمان في إطار عملية «فقط ليس بيبي.»
وصلت السياســة الإســرائيلية إلى طريق مســدود. وهــي تزيــد انقطاعها عــن قاعدتها الأصليــة: الجمهور. العلاقة بين هذر السياســيين وما يشــغل الإســرائيليين آخــذة فــي الوهــم. فقــدت إســرائيل الاهتمــام والأمل بالسياســة، وغســل دماغهــا وأصبحــت تؤمــن بــأن السياســة: هــل ســيكون نتنياهــو أو لا يكــون. صــورة نتنياهو في الســجن هي الآن أمنية عامة أكبر حجماً من صورة احتفال التوقيع على اتفاق سلام مع سوريا، على ســبيل المثال. الجمهور الذي ســئم من السياسة ينشغل الآن بأموره الخاصة: كســب الرزق والأولاد والوظائف الشــاغرة وســيارات الجيــب ومراكز التســوق، وتظلل كورونا على كل ذلك.
قــد يكون هــذا وضعــاً عادياً فــي ظل دولة ســليمة، ولكــن لا يمكــن أن تدعي إســرائيل بأن الوضــع طبيعي. لذلك، يعدّ الاشــمئزاز من السياســة أمراً كارثياً. الحملة الهســتيرية لإســقاط نتنياهو ســاهمت في ذلك بدرجة معينــة. وإذا كان إســقاط نتنياهو مظهر كل شــيء، فما شأننا والسياسة الآن؟