Al-Quds Al-Arabi

العلاقة المميزة بين نتنياهو وبوتين وفرصة السلام الشامل

- * محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي

قبل كل انتخابات في الكيان الصهيوني يقوم الرئيس الروســي فلاديمير بوتين بتقديم بعــض الهدايا لصديقــه العزيز بنيامين نتنياهو، لتحســن حظوظه الانتخابية. وهذه المرة ليست اســتثناء، بل عمل على إعادة الفتاة الإسرائيلي­ة التي ضلت الطريق واخترقت الحدود من منطقة القنيطرة بســرعة الضوء، قياســا لقضايا تبادل الأسرى. فلم يمض على أسرها إلا عدة أيام حتى اتصل نتنياهــو بصديقه بوتين، وطلب منه المساعدة فاســتجاب الأخير فورا، وعادت الفتاة يوم الجمعة الماضي مقابل إعادة راعيي أغنام دخلا خط الهدنة بالخطأ من منطقة القنيطرة، والإفراج عن المناضلة الســورية نهال المقت، التي آثرت أن تبقى في بلدتها مجدل شمس.

إضافــة إلى هذا التبادل كانت هناك إشــارة إنســانية من إســرائيل لم يفصــح عنها الطرفــان إلى أن نشــرت جريدة الـ»فايننشال تايمز» الثلاثاء الماضي مقالا للكاتب روجرز بويز بعنوان «هل يكون بوتين صانع ســام في الشرق الأوسط»، الذي أكد أن إســرائيل دفعت مبلغ 1.2 مليون دولار لروســيا مقابل شــراء كمية من لقاحات «سبوتنيك الروسي» لتوزيعها في سوريا.

بــن اعتقال الفتــاة الإســرائي­لية وإطلاق ســراحها أيام معدودة. وهذه ليســت المــرة الأولى التي يقــدم فيها بوتين الهدايــا لصديقــه العزيــز نتنياهو، فقد ســبق وأعــاد جثة الجنــدي زكاري باومــل، الذي قتــل في حــرب 1982، وأعاد دبابة إســرائيلي­ة في نهاية مايو 2016 كان الجيش الســوري قد غنمها في معركة الســلطان يعقوب عام 1982، ثم نقلت إلى المتحف الروســي الحربي، كما أعاد أو ساهم في إعادة ساعة الجاســوس إيلي كوهين عام 2018، الذي أعدم عام 1965. ولم تبق إلا جثتا جنديين قتلا في معركة الســلطان يعقوب نفسها، وجثة الجاســوس كوهين والطيار رون أراد. لكن تظل إعادة جثــة كوهين على رأس أولويــات الكيان، وتظــل قمة الهدايا الروســية للكيان الصهيوني فيما لو تحققت. وتقول المصادر المتعددة، ومنها صحيفة «تايمز أوف إســرائيل» إن هناك فرق تحقيق روســية تجري كثيرا من الحفريات والبحث في مخيم اليرمــوك، وعلى الحدود الســورية اللبنانية بدون أن يعرف أحد ما الهدف من هــذه التحريات والحفريــا­ت، حيث يتكتم الروس على العملية تماما.

العلاقة استراتيجية وليست آنية

الســر في هذه العلاقة هو الموقف من إيران من بين أسباب أخرى، صحيح أن روســيا تزود إيــران بصواريخ أس- 300 الاســترات­يجية، وتحارب في ســوريا إلى جانــب حزب الله والميليشيا­ت الشيعية المقبلة من إيران، لمنع نظام بشار الأسد من الســقوط، إلا أن هــذه المعادلة انتهت، وحســم الأمر في ســوريا لصالح النظام الروســي، الذي أصبح صاحب الكلمة العليا والنهائية فــي البلاد، وأصبح من مصلحة روســيا أن تغلق ملف الوجود الإيراني في ســوريا. لكن الأمر ليس سهلا فهناك أقطاب في نظام الأســد، ليس من بينهم الرئيس بشار، تصر على بقاء القوات والميليشيا­ت الإيرانية كنوع من تخفيف التأثير الروســي، الذي أصبــح يتصرف بنوع مــن الفوقية. روسيا من جهتها تعمل بشكل بعيد المدى على توسيع وجودها في ســوريا وتثبيتــه. فقد بدأت روســيا منذ العــام الماضي بتوســيع القاعدة الجوية الروسية في حميميم قرب اللاذقية. وقــد منح النظام الســوري قطعة أرض إضافية ليتم إنشــاء مدرج جديد ومحصن وواسع، يمكّـن القاذفات الاستراتيج­ية من اســتخدامه. وتضم قاعدة حميميم حاليا وحدة تجســس متطورة تابعة للاســتخبا­رات الروســية، وحظائر طائرات محصنة من هجمات الطائرات بدون طيار. فالوجود الروسي في ســوريا باق ولا علاقة له ببقاء بشار الأسد أو رحيله. من جهة أخرى، تقوم روســيا بغض الطرف عن ضربات إسرائيل المتلاحقة للقواعد والتجمعات والمصالح الإيرانية في سوريا، بل هناك رواية لا نستطيع تأكيدها أو نفيها، أن لقاءات حصلت بين ضباط روس وإسرائيليي­ن وســوريين في قاعدة حميميم للتنســيق كي لا يتكــرر الخطأ، الذي أدى إلى ســقوط طائرة روسية في ســبتمبر 2018 بصاروخ ســوري انطلق للتصدي

للطائرات الإسرائيلي­ة، فأصاب بالخطأ الطائرة الروسية. وقد نفت دمشق هذه الأخبار جملة وتفصيلا، ووصف بيان لوزارة الخارجية الأنباء «بأنها مأجورة». إسرائيل من جهتها تقر بأن الوجود الروسي في المنطقة دائم أو شبه دائم، وبدأت تتعامل مع روســيا كأنها جار ومهم في الوقت نفسه. وقد تعززت هذه العلاقة أيام الرئيس الأمريكي الأســبق بــاراك أوباما، الذي تراجع عن تهديداته بإســقاط النظام الســوري مقابل تدمير ترسانة ســوريا الكيميائية، بعد أن تدخلت روسيا وسمحت باعتماد القرار ‪(2013( 2118‬ الذي أنشأ لجنة دولية للإشراف على تدمير الترســانة الكيميائية، وتفكيــك المختبرات والمواد الخام ووســائل التخزين والإنتــاج كافــة، وكل ذلك ينتهي لمصلحة إســرائيل الاستراتيج­ية يستحق بوتين الشكر عليها. وقد تكفلت إســرائيل بتدمير ما تبقى من تلــك البرامج، حيث قامت بتدمير المنشــآت المتعلقة بالبحث، خاصة معهد البحوث في جمرايا الذي قصف أربع مرات أولها في 31 ديســمبر 2013 ، بعد اعتماد القرار المذكور، وآخرها في فبراير 2018. والغارات الثلاث الأخيرة تمت أثناء الوجود الروســي في سوريا بدون أي اعتــراض. نفهم مــن كل هذه المقدمات أن هنــاك تفاهمات روســية إســرائيلي­ة وبصمت ســوري، على الأقل من بعض أقطاب النظام من بينه بشــار الأســد، على تقليم أظافر إيران في ســوريا وإعادتها إلى الحدود الإيرانية. وعندها ســتقوم روســيا بتقديم كل العون العســكري المطلوب لإيران، لتعزيز أمنهــا القومي أمــام التهديدات الأمريكيــ­ة وقواعدها الثابتة المنتشــرة في دول الخليج، أو أســاطيلها المتحركة بالقرب من مياه الخليج. أما أن تزاحم إيران روســيا فــي منطقة نفوذها الاســترات­يجية، فغير مقبول لا من روسيا ولا من إسرائيل ولا حتى من رأس النظام السوري. ومن هنا نستطيع أن نفهم سر التقارب التركي الروســي، لدرجــة أن الطرفين يتعاملان الآن وكأن إيــران غير موجودة في الملف الســوري، كما اتضح في اتفاقيات وقف إطلاق النار في منطقة إدلب في مارس 2020.

مع مجئ الرئيس الأمريكي بايدن واحتمال عودة الولايات المتحدة للاتفاقية النووية لعام 2015، فإننا سنشــهد تحسنا كبيرا في العلاقة بين روسيا وإسرائيل، التي فترت قليلا خلال سنوات ترامب الأربع، فخلال فترة أوباما، وكنوع من التعبير عن عدم رضى إســرائيلي لسياسته تجاه إيران، قام نتنياهو بزيارات لموسكو أكثر من واشــنطن، كان يستقبل في كل مرة اســتقبال الأبطال، حيث فرشت له السجادة الحمراء، وخصه بوتين في إحدى زياراته عام 2016 بمفاجأة لم يتوقعها، حيث تحول إلى مرشد ســياحي وطاف به في خبايا الغرف المغلقة والخاصة داخل مبنــى الكرملين وأطلعه على بعض النســخ النادرة مــن التوراة، وقدم له شــروحات وافيــة عن القطع الأثرية والفنيــة والتاريخية المعروضة في تلــك الغرف. كما قام نتنياهو وزوجته بزيارة معرض افتتح في قلب موســكو تحت عنوان «فتح الباب لإســرائيل» وهــو عبارة عن معرض تفاعلي ذي أبواب تسعة، يدخلك كل باب إلى زاوية من الحياة في إسرائيل. وقال نتنياهو في المعرض «ما بيننا وبين روسيا ليس فقــط علاقات ثقافيــة وتكنولوجية، كما يبــدو في هذا المعرض، بل أكثر بكثير. هناك جسر إنساني ممثل بوجود أكثر من مليون متحدث بالروســية يدخلون في نســيج بلادنا دما ولحما، جاؤوا كمواطنين في إسرائيل وكلهم تعاطف مع الدولة ويحملون لها أجمل النوايا.»

التسوية الشاملة في الشرق الأوسط

إذا فهمنا الإشارات الصادرة عن إدارة بايدن الجديدة حول تسوية نزاعات الشرق الأوســط، بطريقة شاملة خاصة عند حديثه عن ربط العودة للاتفاق النووي، بكف تدخلات إيران في الشــؤون الإقليمية في المنطقة، فإننا نستطيع أن نتوقع أن هناك محاولة لتسوية شــاملة للنزاعات في الشرق الأوسط، تشمل إيران وسوريا وفلســطين وليبيا، وإلى حد ما العراق. ولحل الأزمة الســورية بالتحديد لابد من دور أساسي لروسيا وتركيا وإيران، بحيث تنســحب إيــران وتركيا من الأراضي الســورية، ويتم التوافق بين الولايات المتحدة وروســيا على برنامج الإعمار ودخول المرحلة الانتقالية في سوريا، كما نص على ذلــك بيان جنيف الصادر بموافقة الــدول الخمس دائمة العضويــة في 30 يونيو 2012، ثم أعيــد ذكره في قرار مجلس الأمن ‪(2015( 2254‬ وهو ما لا يمكن تطبيقه إلا بتوافق أمريكي روسي على شكل النظام في ســوريا، بعد إقفال ملف الحرب. وهــذا ينطبق على قضية الصراع الفلســطين­ي الإســرائي­لي فالطرف الفلسطيني مدعوما بمصر والأردن والسعودية، يريد دورا لروســيا في الحل وعدم تفرد الولايــات المتحدة بالحل. روســيا وتركيا موجودتان أيضا في ليبيــا وإيران في اليمن والعراق وســوريا. تشــابكت المصالح والأدوار ولا حل لأزمة دون حلول للأزمات الأخرى ولم يعد ممكنا الآن استبعاد طرف مــن اللاعبين الأساســيي­ن. إنها فرصة ســانحة لإدارة بايدن لتأخذ المســائل بنظرة شاملة، حتى لو بدأت بحل أزمة برنامج إيــران النووي، فأزمة اليمن ثم ليبيا وســوريا وصولا إلى أم القضايا فلسطين.

تشابكت المصالح والأدوار ولا حل لأزمة دون حلول للأزمات الأخرى ولم يعد ممكنا الآن استبعاد طرف من اللاعبين الأساسيين

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom