Al-Quds Al-Arabi

رغد صدام حسين... استثمار اليأس والحنين

- *كاتب أردني

أثــار توقيــت خــروج رغــد صدام حســن في لقاء تلفزيوني مطول، كثيراً من الأســئلة حول الرســالة التي تريد أن توصلهــا، خاصــة أن ظهورهــا أتى على قنــاة خليجية تعرف مسبقاً أن رغد ســتدافع عن والدها وعصره وقراراته وستقوم بتبريرها، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يكون موجهاً لمتابعي القنــاة في دول الخليــج، كما وربما لــم يعد يعني المتابعين في دول عربية أخــرى، تعيش كلٌ منها في دوامتها الخاصة للبحث عن ذاتها بعد «الربيع العربي».

التقدير الأساسي يتعلق بخروج رغد لتتحدث للمواطنين العراقيــن، أما المتطرفون في تمجيد صــدام، أو تجريمه في الدول العربيــة الأخرى فحالات غير مؤثــرة على أي حال، فما مدى قدرة الابنة الكبــرى للرئيس على إحداث تأثير في المشهد العراقي؟ وهل الفرصة ســانحة من خلال انتقاداتها المكثفة والواسعة لإيران؟

اللعــب على وتــر الطائفية نفســه، الذي تغذيــه إيران في العراق، يعــد خياراً خاســراً من حيث المبــدأ، فالتأثير السياســي والاقتصــا­دي في العــراق تحول إلــى الجانب الشــيعي منذ سنوات، وكثير من الســنة لم يعودوا بحاجة إلى استعادة صدام حســن في مواجهتهم للنفوذ الإيراني، وعلى العكس، يرون في ذلك قطعــاً لطريق التواصل البناء لاســتدعاء أبناء العراق، في ظل حديث عــن دولة مواطنة تتجاوز التبعية لأي طرف خارجي، من خلال بناء مشــروع وطني مســتقل. الحديث عن زمن صدام حسين واستحصال تبريرات لمواقفه السياســية، وقراراته الخاطئة، لن يحدث اختراقاً لدى الشــيعة العراقيين، ومنهم من يعارض التمدد الإيراني، ويراه تهديداً لمشــروع العراق الوطني، كما أنه لن يعزز بشيء ولن يحدث فارقاً معنوياً لدى السنة العراقيين، والعراقيون الذين يعيشون واقعاً مؤسفاً، لدرجة أن بعضهم أخذ يستشــعر الحنين لزمنه، لا يغيب عن فطتنهم أن كثيراً من أسباب التأزم الراهنة يضرب في جذوره بعيداً في عصر صدام حســن، ونهجــه الإقصائي، الــذي أدى إلى اختزال الدولة فــي الحزب، ومن بعد ذلك العائلــة، وليس أدل على ذلك مــن منحه مناصب بالغة الحساســية والأهمية لأقاربه وأنســبائه، ومنهم زوج رغد نفســه في قصة يعرفها العالم جيداً من صعود الرجل إلى القمــة، وصولاً إلى وقوعه فيما يشبه الإعدام الميداني في ظروف كانت تعبر عن زمن صدام

وطبيعة سلطته.

خيارات الضيفة التي اســتقطبت الاهتمام، لم تكن موفقة للغاية التي ظهرت من أجلهــا، ابتداء من المظهر وحتى نبرة الحديث، حتى ظهرت وكأنها في بعض اللحظات تقدم نفسها وريثة لعصر صدام، وصاحبة دور مســتقبلي محتمل، وهو الأمــر الذي لم تتوجه إلــى نفيه، بل أكدت علــى حقها فيه، والثقــة التي ظهرت منهــا يمكن أن تخيــف العراقيين، لا أن تشــعرهم بالأمان، خاصة أنهم يعيشون منذ أشهر في خضم حالة من الحراك الشــعبي لم يخفف من وطأته سوى تفشي وباء كورونا، كمــا أن لغتها بدت أحياناً اســتفزازي­ة عندما استخدمت ألفاظاً مثل )أسياد بلد( و)مس خطوط السلطة( وما إلــى ذلك من عبارات، ما زالت تشــكل امتــداداً لطريقة الرئيس العراقي السابق، عدا بالطبع عن فلتات لسان أخرى لم تكن موفقة على الإطلاق.

الحنين إلى الديكتاتور­ية ليــس ظاهرة ينفرد بها العراق بين الدول العربية، ففي ليبيا واليمن يعود البعض لاستدعاء فضائل الديكتاتور والتغاضي عن أخطائه، ويبدو أن العزف على هذا الوتر أصبح خياراً من أجل تصفية «الربيع العربي» بالكامــل، ومع أنه من الضروري الاعتــراف في هذه المرحلة بأن «الربيع العربي» كان يقف على رمال متحركة كانت جزءاً طبيعياً من البنيــة المائعة والرخوة للدولــة الديكتاتور­ية بشــكل عام، دولــة القبيلــة أو العائلة أو الحــزب، التي لا تســتطيع أن تســتجمع كياناً صلباً يمكنه الصمود في وجه التحديات والتقلبات. يغيــب عن رغد وعن غيرها في لحظة اســتثمار لحظة الحنين للديكتاتور­ية، أن الجســد المحترق للتونســي محمد بوعزيزي كان انطلاقة لصيرورة تاريخية

يجب أن تمضي إلــى مداها الحتمي، ولا يمكــن لأي قوة في العالم أن تعطلها، أو تعيــد الأوضاع إلى ما قبل 2011، يمكن أن تمضي إلى الأســوأ في بعض الأحيان، ولكن لن تستعاد إطلاقاً الظروف نفســها التي كانت قائمة مــن قبل، حتى لو كان ما حدث في العراق خــارج نطاق «الربيع العربي»، فإن تاريخه الســابق أصبح من الأوراق المحترقــة من تاريخ لا يمكن استعادته بعد ثورات الربيع.

فــي الحنين إلى الديكتاتور­ية ليبيــاً أو يمنياً، ومن يدري أين أيضاً، يجب التأكيد أن كثيراً من ثورات العالم أثبتت أن الثورة ليســت حدثاً، يمكن أن تحدد بدايته ونهايته، فهذه أمور تقوم على أســاس تقديري، يمكــن أن يصبح موضوعاً لرأي المؤرخــن، أو تقديراتهــ­م، ويبقى الثابــت أن الثورة تحــدث للتعبير عن الغضــب عن وضع خاطــئ وغير قابل للاســتمرا­ر من غير أن تقدم بالضرورة وصفة لتصحيحه، فالأمر يتطلب عمليات تفاعل كثيرة على المستوى الاجتماعي ومعطياته الاقتصادية والسياسية. الحنين الذي خرجت به رغد حسين وبافتراض حســن النوايا، بخصوص حيثياته لا يمكن أن يعيد عقارب الســاعة للــوراء، فالرجل الناضج يمكن أن ينقلب طفلاً في لحظة يأس أو نشــوة، ولكنه ذلك لا يعني أنه ســيلقي بجميع تجاربه وخبرته في الحياة جانباً ليعود طفلاً بشــكل دائم، والشعوب كذلك، فلا أحد يمكنه أن يلقي وراء ظهره بكل شــيء وأن يعود لوضع تجاوزه، مهما استشــعر في لحظات، تحت وطأة فداحــة الثمن والضياع المرحلي الذي يعيشه، شيئاً من الحنين إلى الماضي.

الحنين الذي خرجت به رغد حسين وبافتراض حسن النوايا، بخصوص حيثياته لا يمكن أن يعيد عقارب الساعة للوراء

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom