Al-Quds Al-Arabi

اقتراحات رئاسية لحلّ الأزمات العربية!

-

■ حســب صحيفــة «نيويــورك تايمــز» الأمريكية فإن رئيس النظام الســوري بشــار الأســد اقترح، فــي لقاء مع صحافيــن موالــن له حــول مظاهــر الأزمــة الاقتصادية فــي البلاد )من انهيار ســعر العملة إلــى النقص الحاد في الوقود والخبز( أن يكف الإعلام السوري عن عرض برامج الطبخ كي لا تزعج الملايين من مواطنيه المعدمين والجوعى والنازحين بصور مآكل يصعب عليهم شراؤها.

تنطق تصريحات الأسد ـ الذي تسبب بواحدة من أكبر الكوارث السياســية في التاريخ المعاصر ـ بما يســمّى في الأدبيات السياسية العالمية «تفاهة الشرّ» التي تكشف عن نفسها في تعليقات مخيفة في خلوها من العاطفة والمنطق معا، فالأســد، الذي روّج فــي بداية عهده لكونه مشــغولا بالتحديــث الرقمــي والتكنولوج­ــي لبــاده، يطلــق هــذا التصريح وهو يعلم أن السوريين، مثلهم مثل قبائل غابات الأمازون، وســكان الأصقاع المعزولة والبعيدة كســيبيريا وآيســلندا ومنغوليا، صارت لديهم أشــكال للتواصل مع العالــم ورؤية ما يحصل فيه، بما في الأســرار السياســية التي كانت أجهزة الأمن تستطيع محاصرتها في السابق، وأنهم ليسوا مســجونين، كما كان آباؤهم، في عهد والده المورث حافظ الأســد، في إطار مشاهدة تلفزيونهم المحلّي وحسب.

من هــذه التصريحات التي لا تكف عن مناقضة بعضها بعضــا، أن الأســد ألقى فــي اجتمــاع في كانــون الأول/ ديســمبر الماضي خطبة في جمع من رجال الدين أخبرهم فيهــا أن «العــدو الحقيقــي للإســام ليس الخــارج وإنما مــن أبنــاء الديــن الإســامي أنفســهم» وأن مــن خرجوا مــن المســاجد للتظاهر ضد نظامــه وهتفوا اللــه أكبر «هم ملحــدون » وبعــد تحميــل «العــدو الداخلــي » المســؤولي­ة وتبرئة الخارجي هاجم الأســد في الخطاب نفســه العدوّ الخارجــي الــذي يعمل «على نســف الديــن والمجتمع» هو «الليبرالية الحديثة» التي «تتناقض مع طبيعة الإنسان.»

إضافــة إلــى الخطابــات الأولــى التــي قدّمــت خطاب الأنظمــة العربية المعهود عن «الإرهاب» و«العمالة للخارج» أنتجت آلة خطب الأســد أفكارا تحسب له، من قبيل تشبيه المتظاهرين المعارضين بالجراثيم، وهذه الفكرة القادمة من إرث الطبيب الذي اســتدعي من لنــدن على عجلة بعد وفاة والــده ليرث الحكــم، تم تطويرها لاحقا بطبعــة أقرب إلى المفاهيم النازيّة، حين تحدث عن ســعادته بتخلّص مناطق ســيطرته من المعارضين، ومن «البيئة الحاضنة» التي تعدّ بالملايين، مما خلق، حسب قوله، «مجتمعا متجانسا».

فــي ســباق دفــاع الدكتاتــو­ر المســتميت عن نفســه، وتجريمــه لكل من يعارضه، يُفترض أن يبوأ الأســد مكانا عاليــا بــن أقرانه ونظرائــه العرب والأجانــب، ففي حين يكتفــي الرئيــس المصــري عبد الفتــاح السيســي بترديد أســطوانة مــن مقطعــن يحمّــل فيهمــا مســؤولية تردي الأوضاع في بلاده إلى الإرهاب وزيادة عدد السكان، فإن رئيس النظام السوري لا يكف عن الإبداع الذي يتفوق فيه على نفسه وأقرانه في كل مرة يتفوه بها بتصريح جديد.

من الفلتات الثمينة التي فاه بها الأسد في لقائه الأخير مع الإعلاميين الموالين كانت تأكيده لهم إن نظامه لن يعقد مصالحة مع إســرائيل )في الوقت الذي تتزايد الإشارات إلى طموح متزايد بأن تقوم إســرائيل بإنقاذه من أزماته( وأنه لن يشــرع زواج المثليين، كما لو أن مســألة المصالحة مــع إســرائيل وزواج المثليــن همــا مــن الحجــم والوزن نفسيهما.

يحب الأسد التصرّف مع الجمهور المجبور على سماعه على أنه فيلسوف يحاضر في الجهلة أو أنه فاز بالرئاسة بشــكل ديمقراطي، فيشــرح لرجال الدين معنى الإسلام، ويقــول لنظرائــه الزعماء العــرب إنهم «أنصــاف رجال» وينظر للإبادة بالحديث عن الجراثيم والمجتمع المتجانس، ولكــن هذا المحاضر العظيم الذي يتفلســف في كل شــيء لا يســتطيع أن يــرى الشــيء الوحيــد الحقيقــي وهو أنه مسؤول مباشر عن تدمير بلده وتحطيم شعبه وفوق ذلك كله الاستتباع للقوى الأجنبية التي تحافظ على حكمه.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom