مصدر استخباري عراقي رفيع لـ«القدس العربي»: لا علاقة للمركز الرباعي باستهداف البوكمال
كشــفت مصادر مقرّبة من الفصائل الشيعية المســلحة، أن القصف الأمريكي الذي اســتهدف «نقاطاً حدودية» تخضع لســيطرة مسلحين عراقيين في الشــرق السوري، أســفرت عن مقتل عنصر تابع لـ«كتائب حزب الله العراقي» وإصابة آخرين، وفيما لم تُفصح السلطات العراقية عن الجهة التي منحت المعلومات للقوات الأمريكية بشــأن الاستهداف الأخير، أفادت تحليلات بأن الضربة الأمريكية لم تكنّ مؤثرة.
وحصلت «القــدس العربي» علــى معلومات من مصــادر مقرّبة من «الفصائل الشــيعية المسلحة» بأن الضربة الأمريكية استهدفت نقطتين أمنيتين يشــغلها مســلحون يتبعون لـ«كتائب حزب اللــه/ العراقي» و«كتائب سيد الشــهداء» عند الحدود العراقية السورية، وتحديداً في منطقة البوكمال. ووفقاً للمصادر التي فضّلت عدم الكشــف عن هويتها، فإن الهجوم أسفر عن مقتل )راهي سلام الشريفي( بالإضافة إلى إصابة آخرين )لم تُفصح عــن أعدادهم( بـ»جروحٍ طفيفــة». وتناقلت مواقع إخبارية مقرّبة من الفصائل الشيعية المسلحة، صوراً تنعى «الشريفي».
ما دور «الرباعي» والكاظمي؟
وكشــف وزيــر الدفــاع الأمريكــي لويد أوســن، أمس، عــن دور للاستخبارات العراقية، في الضربة الأمريكية التي وجهتها ضد أهداف في شرق سوريا.
وذكر أوســن، في تصريحــات أعقبت الغارات التي شــنها الجيش الأمريكي على ســوريا، أن «القوات الأمريكية نفذت الضربة اســتناداً إلى معلومات اســتخباراتية وفرها الجانب العراقي» مؤكداً أن «الهدف الذي اســتهدف في ســوريا كانت تســتخدمه نفس الميليشــيات التي
نفذت الهجمات الصاروخية في العراق». وأضاف: «ســمحنا وشجعنا العراقيين علــى التحقيق وجمع المعلومات الاســتخباراتية، وكان ذلك مفيداً جداً لنا في تحديد الهدف». ويمتلك العراق مؤسسات استخبارية عــدّة، توفر المعلومات للســلطات الأمنية والعســكرية، وأيضاً لقوات التحالف الدولي، بقيادة واشنطن.
وبالإضافة إلى ذلك، يرأس العــراق «مركزاً رباعياً» يضم ممثلين عن ســوريا وإيران وروسيا، يتولى مهمة «التنســيق الأمني والمعلوماتي» فيما يتعلق بتحــركات عناصر تنظيم «الدولة الإســامية» لملاحقتهم واســتهدافهم. غير أن هذا المركز لم يقدّم أية معلومات للجانب الأمريكي عن الضربة الأخيرة في العمّق السوري، خصوصاً وأن التحالف الدولي «متحفظ» على تشــكيله، ولا يمتلك تمثلاً فيه، وفقاً لمصدر استخباراتي رفيع، تحدث لـ«القدس العربي» شــريطة عدم الافصــاح عن هويته. ورجّح المصدر أن يكــون مصدر المعلومة الاســتخبارية العراقية، التي تحدث عنها أوستن، قد حصل عليها من جهاز المخابرات العراقي، برئاسة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أو من خلال العمليات المشتركة، التي تجمّع المؤسســات العراقية الأمنيــة والعســكرية، بالتحالف الدولي. وحتى وقت إعداد التقرير، لم يصدر العراق أيّ تعليقٍ بشــأن القصف الصاروخي الأخير، ودوره في تزويد الجانب الأمريكي بالمعلومات.
وفي وقت ســابق من ليل الخميس، أفاد مســؤولون أمريكيون بأن الضربــات الأخيرة هي رد فعــل «صغير للغاية» تمثل في «إلقاء ســبع قنابل على مجموعة صغيرة من المباني على الحدود الســورية العراقية تستخدم لعبور مقاتلي الميليشيات والأسلحة داخل وخارج البلاد».
وحســب مســؤولين، فقد عرض البنتاغــون مجموعــات أكبر من الأهــداف، لكن الرئيــس الأمريكي جو بايدن، أعطــى الضوء الأخضر لضرب «أصغر» هذه الأهداف.
في المقابل، حذّر محلل سياسي عراقي، من خطورة «سيناريو أمريكي جديد» يسعى لخلق فجوة بين الأجهزة الاســتخباراتية العراقية؛ من جهة، وبــن الفصائل المســلحة، التي تمتلك تمثيلاً في «هيئة الحشــد الشعبي» من جهة ثانية.
وتمتلك «فصائل المقاومة الإســامية» الشــيعية، تمثيلاً رسمياً في «الحشد» الذي يرتبط مباشرة بالقائد العام للقوات المسلحة العراقية، مصطفى الكاظمي، وتأتمر بأوامر القادة العســكريين في تنفيذ مهامها. غير إن أغلب تلك الفصائل تمتلك مســلحين يقاتلــون في جبهات «غير عراقية» كســوريا واليمن، يرتبطون بقادة فصائلهــم وليس بجهات عسكرية أو أمنية عراقية رسمية.
خلط الأوراق ورسائل
المحلل السياسي العراقي، الدكتور حيدر البرزنجي، يقول لـ«القدس العربي» إن «الاســتهداف الأمريكي للفصائل العراقية في ســوريا، هو خلط أوراق، ومحاولــة لخلق فجوة بين الجهاز الامني الاســتخباري العراقــي، وبين الفصائل» مبينــاً أن «هناك محاولــة أمريكية للضرب من الداخل». وشــكك البرزنجي بتصريح وزير الدفــاع الأمريكي، لافتاً إلــى إنه «ليــس بالضرورة أن تكون معلوماته بشــأن تقــديم العراق معلومات اســتخبارية لواشنطن بأنها صحيحة» منوهاً بأن «العراق لا يقدم المعلومات لواشــنطن بل العكس. التمكين الجوي بيد الأمريكيين، فمــن المفتــرض أن يقدموا هــم المعلومــات للجانب العراقــي، كما هو معتــاد». وأضاف: «هناك تضخيــم للعملية التي نفذهــا الأمريكان في الشــرق الســوري، خصوصاً إنهم اســتندوا على إن العملية تأتي ردّاً على اســتهداف أربيل، وهذا يتنافى مع تصريحات رئيس وزراء إقليم كردســتان مســرور بارزاني، الذي أكد أن التحقيقات فــي الجهة التي استهدفت أربيل لم تكتمل».
وفــي منتصف الشــهر الجاري، ســقطت مجموعة مــن الصواريخ علــى مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردســتان العراق، مســتهدفة مصار المدينة الدولي وقاعدة أمريكية، بالإضافة إلى مناطق ســكنية. وتسبب الهجوم الصاروخي، بمقتل متعاقد مع الجيش الأمريكي، وإصابة جنود
أمريكيين ومدنيين. وعقــب بضعة أيام، ســقطت صواريخ - من طراز كاتيوشــا - على المنطقة الخضراء المحصنة - قرب السفارة الأمريكية - دون وقوع إصابات.
سيناريو جديد
ووفقاً للبرزنجي، فإن «هناك ســيناريو جديداً لاستهداف الفصائل العراقيــة بطريقة مُبطّنة، الهــدف منه التأثير على القــدرات الدفاعية للقوات المتواجدة عند الحدود العراقية ـ السورية، وخلّق ثغرات بينية لتسلل إرهابيي داعش. غاية القصف إضعاف القوات المتواجدة هناك».
وربــط المحلل السياســي العراقي «التصعيد الأخيــر» بتصريحات متلفزة لوزير الخارجية العراقي، فؤاد حســن، مساء أول أمس، وصف فيها المقاومة بـ«الإرهاب». وقال وزير خارجية العراق فؤاد حسين، إنه «لا توجد مقاومة في العراق، ومطلقــو الصواريخ إرهابيون» مبيناً أن «الحكومة العراقية دعت الأمريكيين لمساعدتها.
وأشــار الوزير الى، انه «بإمكان الرافضــن للوجود الامريكي اتباع الطــرق الدســتورية والقانونية لاخراج القوات الأمريكيــة» مبيناً ان «تخفيض القــوات الأمريكية من 5000 عنصر إلــى اقل من 2500 عنصر جاء نتيجة مباحثات الحوار الاستراتيجي وليس نتيجة الصواريخ».
وحذّر البرزنجي من «مرحلة جديدة تتمثل بالتنســيق السياســي لتصعيد من نوعٍ آخر» مســتنداً بذلك على «عدم اســتهداف الأمريكيين للفصائل العراقية المسلحة في الداخل العراقي، حتى لا تثبّت واشنطن نقطــة جديدة ضدهــا». وأتمّ يقول: «العملية لا تتعــدى كونها محاولة واشــنطن لحفــظ هيبتها أمــام المجتمع الدولــي، بعد ارتفــاع وتيرة استهداف مصالحها في العراق. فقد كان بإمكانها أن تستهدف الفصائل في العراق وتحقق خســائر أكبر». وحتى وقت إعداد التقرير، لم تُصدر السلطات العراقية أي توضيحٍ بشأن الغارة الجوية الأمريكية الأخيرة، قرب الحدود العراقية ـ السورية، والدور العراقي فيها.