Al-Quds Al-Arabi

الصحف الورقية في المغرب تحتضر ببطء ... وتساؤلات عن حرية الإعلام والبعد النقدي

- الرباط ـ «القدس العربي» من ماجدة أيت لكتاوي:

نزل خبر إغلاق صحيفة "أخبار اليوم" الورقية كالصاعقة على 54 من طاقمها الصحافي والإداري والتقنــي، قرار أعلنه محامي توفيق بوعشــرين مؤســس الجريدة الذي يقبع في السجن بسبب تهم "التحرش الجنســي والاغتصــا­ب والاتجار بالبشر"، وتصل مدة محكوميته لـ 15 سنة.

لا تعيش الصحافة الورقية في المغرب أحســن حالاتها ولا أفضــل ظروفها، وهي التي شــهدت تدهوراً كبيــراً خلال الســنوات الأخيــرة، زاد من وطأتــه تأثيرات جائحــة "كورونا" والحجر الصحــي المنزلــي، التــي أرغمت ناشــرين على تعليق إصدار ونشــر وتوزيع الطَّبَعات الورقية مكتفين بالنســخ الرقمية PDF"،" دون الحديث عن منافســة المواقع والجرائد الرقمية التي بات الولوج إليها أسرع ومجانياً، وكذلك العزوف على القراءة بشكل عام واللجوء للبحث عن المعلومة، رغــم عــدم مصداقيتها، علــى مواقــع التواصل الاجتماعي.

ما بــن عامي 2018 و2020، ســجلت الصحف الورقية فــي المغرب تراجعاً كبيــراً بتوقف زهاء 58 في المئة منها، حســب تقرير لــوزارة الثقافة/ قطاع الاتصال، أما الســبب الرئيسي فيعود إلى تراجع حجم المبيعات، ما نتج عنه انهيار عائدات الإعلان. ومن بين الصحــف التي كان عددها 252 صحيفة في عام 2018، لم يتبقّ منها ســوى 105 صحف ورقية عام 2020 قبل أن تحل الجائحة.

حنان رحــاب، نائبة رئيــس النقابة الوطنية للصحافة المغربيــة، قالت لـ"القــدس العربي"، إنه من الــازم التوضيح أن إغلاق "أخبار اليوم" غيــر مرتبط حصراً بأزمــة الصحافة الورقية في شموليتها، بقدر ما هو مرتبط باختلالات تدبيرية.

وترى المتحدثة أن مستقبل الصحافة الورقية غير مطمئن، ليس في المغرب فقط، بل في العالم، ذلــك أن التطور التكنولوجـ­ـي جعل كلفة الإعلام الورقي مرتفعــة مقارنة بالرقمي، ولذلك نشــهد

إغلاق مجموعة مــن الصحف الورقية في العالم، خصوصاً مع تراجــع العوائــد الإعلانية، حيث يفضل المعلنــون المنصّات الرقمية أو الســمعية البصرية.

وتعتقــد رحــاب أن الدولة المغربيــة مطالبة بالزيادة فــي دعــم الصحافة الورقية، ســواء عبر دعم الــورق والطباعــة، أو دعــم التوزيع وغيــره لتعويض الخســائر الناتجة عن ضعف الإشــهار والمقروئية، بالنظر للخدمات الإعلامية والاجتماعي­ة التــي تؤمنها الصحافــة الورقية، وإلا سنشــهد تحول المنابــر الورقية إلى منصات رقمية، مما يجعل مجموعة من الوظائف المرتبطة بالصحافة الورقية مهددة.

إرادة غائبة

وفي وقــت عانت فيــه الجرائــد المغربية من خســائر كبيرة جــراء تدني مســتوى المبيعات وحجم الإعلانات، قــَّررت الحكومة المغربية دعم الصحافة المكتوبة عبر تخصيص مبلغ 200 مليون درهم )ما يعادل 20 مليون دولار أمريكي( في إطار الحد من تداعيــات فيروس "كورونــا"، من أجل دعم الصحافيين ومساندة المطبعات ومؤسسات توزيع الصحف.

وتشــكو الصحافــة المكتوبة فــي المغرب من ســطوة الُمعلنــن. كما يزيــد احتكار الشــركات العالميــة العملاقــة مثــل "غوغل" و"فيســبوك" لسوق الإعلانات من تأزم وضعية الصحف التي تعتمد بشــكل كبير على مداخيــل الإعلان، حيث تستحوذ الشــركتان على نســبة 70 في المئة من ســوق الإعلانات فــي البلاد، بحســب تقديرات غير رســمية. ويعود ذلك إلى التكلفــة الزهيدة التي تعتمدها الشركتان في حملات الدعاية على منصاتها.

محمد العوني، رئيــس منظمة حريات الإعلام والتعبير )حاتم(، قــال إن غياب الإرادة والوعي اللازمين لدى النُّخب والدولــة بأهمية الصحافة الورقية، يُمثِّل إشــكالاً كبيراً يُغيِّبُ أي إجراءات حقيقية من أجــل النهوض بالصحافــة الورقية

ويوسع العناوين ويساهم في انتشارها.

وعــاد المتحــدث بالذاكــرة إلــى ســنوات التســعيني­ات وبداية القرن الواحد والعشرين، لافتاً إلى التَّصاعد المهــم، آنذاك، لقراءة الصحف والأســبوع­يات بالعربيــة والفرنســي­ة، "كان هناك شــبه انفجار وتكاثــر للجرائــد الورقية اليومية، وكذلك الأســبوعي­ات باللغتين العربية والفرنسية، هؤلاء القراء لم يذوبوا، فما يزالون بالمغرب، وبإمكانهم تجديد تواصلهم مع الصحافة الورقية"، يقول العوني لـ"القدس العربي".

ويرى أن ربط تراجع الجرائد الورقية بطغيان المواقــع والجرائد الرقمية عامــل حقيقي وكبير، لكنه لا ينفي عوامل أخرى، من بينها الاتجاه نحو تقليص مساحات حرية الإعلام، لأنه أصبح مؤثراً على جناح مُعيَّن مــن الدولة، فضلاً عن التضايق مــن وجود أصــوات نقدية، الأمر الــذي أدَّى في نهاية المطاف نحــو تنميط الخطاب وأُحاديته مع وجود الاستثناءا­ت.

وانتقــد رئيس منظمة "حــاتم" تقليص مجال حرية الإعلام وإذكاء الرأي الواحد، مع ما يتسبب بسحب كل عناصر الاستقلالي­ة من هذه الجرائد، والتحكم في الإعلانات وإغلاق الصنبور عليها.

ودعا إلى الفصل بين الإعلام الرقمي والوسائط الرقميــة، ومن ضِمنهــا الشــبكات الاجتماعية، على اعتبار أن الناس لا تُفــرِّق بين الاثنين، لافتاً إلى غيــاب التربية على قــراءة الجرائد الورقية واســتعمال­ها كأداة من أدوات النقاش العمومي، "أطلقنا نوادي للتربية علــى الإعلام والتواصل وحريــة التعبير، ومن بــن أهدافها الجواب على سؤال، كيف نخلق التواصل بين الإعلام المكتوب والناشــئة؟ نــوادٍ لا تلقــى أي تشــجيع بل يتم عرقلتها".

كورونا رصاصة الرحمة

فاقمــت جائحة "كورونــا" الأزمة التي كان يعرفها قطاع الصحافة علــى الصعيد الدولي والمغربــي، فعمّقــت مــن متاعــب المقاولات الصحافية التي فقدت جزءاً مهماً من عائداتها الماليــة، وعجــزت بعضها عن تســديد أجور مستخدميها، وكانت مُلزَمة بالتأقلم مع الوضع الجديد على مستوى التنظيم والمحتوى.

ومن خــال بحث ميداني قــام به "المجلس الوطني للصحافة"، تبــن أن جلّ الفاعلين في المنظومة الاقتصادية لقطاع الصحافة متفقون على أن الرؤية غير واضحة والمستقبل المهني غير متحكم فيه.

ويعتقــد مســؤولو الصحــف الورقية أن العودة إلى الوضع الســابق لما قبل "كورونا" ســيكون عســيراً بعد توقف لأشهر، تضررت فيه القدرة الشــرائية للمواطنين وتغيرت فيه عادة القراءة، وتناســلت فيه شائعات انتقال الفيروس عبــر الورق، وأضــاف التقرير أنه وعلى الرغم من الاســتئنا­ف الجزئي لأنشطة المقاهــي التي تمثل مــا يقــارب 20 بالمئة من المبيعــات، فإنه لن يحصل تحســن في تداول الجرائد.

ودعا المجلس عبــر تقريره، إلى العمل على إقرار المزيد من الشــفافية في سوق الإعلانات من خلال خلــق هيئة مهنية مســتقلة تتولى أساســاً الســهر على ضمان حياديــة قطاع الإشهار في علاقته بمختلف الفاعلين، وتعزيز التنظيــم الذاتي للمهنــة، وصياغــة ميثاق أخلاقيات وإرســاء قواعــد تعاقدية جديدة لعلاقــة المعلن والناشــر، مع إحــداث مكتب مغربــي للتحقق من الإشــهار فــي الصحافة الورقية والإلكترون­ية، يهتــم برواج ومراقبة شــفافية الأرقام الخاصة بالتوزيع والمبيعات والمقروئية.

وبخصــوص الدعــم العمومــي المقدم من طرف الدولة، اقترح تقرير "مجلس الصحافة" رفع ســقف الدعــم العمومي الذي لــم يتغير منذ 12 ســنة بالرغم من تزايــد عدد الصحف وخاصــة الإلكتروني­ــة، ومراجعــة منظومة الدعــم العمومي لفائــدة الصحــف الورقية والإلكترون­يــة من أجــل تطويــره ومواكبة التحول الرقمي وتشجيع الاستثمار في قطاع الصحافة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom