Al-Quds Al-Arabi

المنافسة بين الوزارات على جيب المواطن ستنتهي ببركان غضب... وزيادة في الرواتب والقطاع الخاص يطالب بالمثل لن يتركنا

مفاوضات تبويس اللحى لن تحفظ للمصريين نصيبهم من المياه... وثمن الصمت ضياع النيل

-

كفى ابتزازاً

بصوت غاضب انفجرت منال لاشين في وجه الحكومة مطالبــة عبر "الفجــر" أوقفوا حالة اســتحلاب المصريين وصراع الجبابــرة على جيوبهم، حقيقــي المصريون في حاجة إلى فترة نقاهة ما بين الرسوم والضرائب، المثير أن الصراع، أو بالأحرى المنافســة بين وزارات الحكومة على جيب المواطن انتقل إلى الأحــزاب والبرلمان، يطلع حزب يتقدم بمشروع قانون بدل ما يساعد الفلاح، يزيد متاعب وأعباء الفلاحين، في مواسم كورونا السيئة، الحزب يقدم مشروع قانون يسمح للحكومة ببيع مياه الري للفلاحين، المشــروع العجيب يقرر أن كل من يســتخدم طلمبة على الترع الرئيســية يدخل فلوس، فعلا أنا مش عارفة الناس دي بتفكر إزاي، وهل لها علاقة بالواقع الذي يعيشه الفلاح والمواطن، في ظل جائحة كورونــا، الأكثر إثارة أن ممثل الحــزب أنكر حكاية بيع مياه الــري للفلاحين في برنامج تلفزيونــي، ثم عاد في الحوار نفســه وأقــر بالفضيحة. الأكثر خطورة أن الحكومة عاملة "ودن من طين وودن من عجين" على رأي أهالينا، لم نســمع تعليقا من وزارة الري عن مشروع القانون، الذي نوقش من حيث المبدأ في لجنة الزراعة، لم ترفض الــوزارة مبدأ بيع مياه الري للفلاحين خلال الطلمبات على الترع الرئيسية، لم يستنكر المتحدث الرســمي للحكومة فكرة بيع مياه الري، ومن قبل مشروع القانــون قام البرلمان بزيادة رســم الملصــق الإلكتروني للسيارات، تصوروا الحكومة تضع مبلغ الرسم بناء على دراســات، فيجيء البرلمان ليرفع الرسم. بصراحة حاجة تجنن أحزاب تســعى لزيادة الأعباء على المواطن، مباراة يتنافس الجميع فيها على جيوبنا الفارغة.

بعد الغزل

حاول عماد الدين حســن في "الشروق" أن يجيب على السؤال المهم: في غمرة موجات الغزل السياسى المتلاحق من قبــل جميع المســؤولي­ن الأتراك بحق مصــر في الأيام الأخيــرة، نســي كثيرون أن يســألوا الســؤال الأهم في الموضوع وهو: هل ســوف تتخلى تركيا عن ورقة جماعة الإخوان وبقية الجماعات التي تستثمر فيها منذ عام 2011 ؟ كبار المســؤولي­ن الأتراك يتحدثون طوال الشهور الماضية عن أهميــة مصر وموقعها ودورهــا وثقافتها وحضارتها، وضرورة أن تكون هناك علاقات طيبة بين البلدين لمصلحة الشــعبين، لكن تركيا لم تتحدث تفصيــا عن الثمن الذي يجب أن تدفعه لمصر لإصلاح الأخطاء الفادحة، بما يجعل العلاقات جاهزة للتحسن. نظام الرئيس التركي أردوغان اســتثمر كثيرا في جماعات العنف والتطرف، منذ ثورات الربيــع العربي. وحاول أن تكون هــذه الجماعات ذراعه الأساسية في سبيل إقامة مشروعه الإقليمي لحكم المنطقة، كان من الطبيعي أن يجن جنون أردوغان بســبب الثورة المصرية، التي بعثرت كل آماله السياســية. ولذلك لم يكن غريبا أن يكون انحيازه لجماعــة الإخوان أكثر تطرفا من بعض قادة الجماعة أنفســهم. هو جاء بهم من كل المنطقة، وفتح لهم أبواب وفنادق بلاده، وقدم لهم كل أنواع الدعم، وتجــول في أوروبــا والعديد من دول العالــم مدافعا عن قضيتهم، ورأيناه يرفع علامة رابعة بصورة مســرحية في أكثر من مكان، وشــنّ هجوما حادا ضد الرئيس السيسي الذي لم يــرد عليه إطلاقــا، بل إن السيســي رفض قطع العلاقات الاقتصادية مع تركيا، التي كانت تستثمر حوالي 5 مليارات دولا في الأســواق المصرية. التقديرات تقول إن هناك بين 5 ــــ 7 آلاف مصري معــارض، مقيمين في تركيا وقرأنا وسمعنا قصصا بقلم هؤلاء يقولون إنهم لا يجدون المــأكل والملبس والــدواء، وبعضهم يفتــش في صناديق القمامة عن الأكل.

حوار طرشان

لم تتمكــن وزارة الخارجيــة المصرية، كما قــال محمد عصمت في "الشــروق" من تفنيد الانتقــاد­ات التي وجهتها 31 دولة من بينها أمريكا وفرنســا لســجل مصر الحقوقي، والتي تضمنها بيان مشترك وقعت عليه كل هذه الدول يوم الجمعة الماضية، خلال اجتماعات مجلس حقوق الإنســان التابع لــأمم المتحدة. ففــي البيان المضاد الــذي أصدرته الخارجية، ردا على بيان هذه الدول، بدا الأمر وكأنه «حوار طرشــان»، فقد كان كل بيان فيهما يتكلم بـ«لغة» لا يعرفها الآخــر، وبـ«أولويات» محل خلاف كبيــر بينهما، ففي حين كان «البيان الأجنبي» يتحــدث عن قلق هذه الدول العميق مما ســمته "لجوء الســلطات المصرية إلى قوانين مكافحة الإرهاب ضد الحقوقيين والمثليين والصحافيين والسياسيين والمحامــن »، و«اتباعهــا سياســة التدوير لإطالــة فترات الإيقاف للمعتقلين، بعد انتهــاء المدة القانونية لاحتجازهم عبر حيل إجرائيــة»، فاجأتنا الخارجيــة بتجاهل كل هذه الانتقــاد­ات، واعتبرت كل ما تضمنــه البيان الدولي مجرد أحاديث مرسلة تستند إلى معلومات غير دقيقة، وأنه مجرد مزاعم وادعاءات، وأنه يعبر فقط عن توجه سياســي غير محمود، رغــم أن البيان الدولي تعــرض إلى نقاط محددة لا يمكن أبدا اعتبارها كلاما مرســا، كان ينبغي الرد عليها وتفنيدها بالتفصيــل، لكن المفاجأة الكبــرى التي تضمنها بيــان الخارجيــة تمثلت في تأكيــده علــى أن ممثل مصر سيســلط الضوء فــي كلمته أمام اجتماعــات المجلس على الممارســا­ت المعادية لحقوق الإنســان في هذه الدول، رغم تأكيــد البيان في فقرته الأخيرة علــى أنه لا توجد دولة في العالم بإمكانها تنصيب نفســها مقيما أو حكما في شــؤون حقوق الإنســان في الــدول الأخرى، بــدون أن يوضح لنا كاتب هذه البيان تفسيره لأسباب تدخل مصر كـ«حكم» في شؤون حقوق الإنسان في الدول الأخرى.

في انتظار العدالة

تابــع محمــد عصمت كلامــه، منقبــاً عن أخطــاء الرد المصري على البيــان العالمي الذي أفــزع الحكومة المصرية بســبب الانتقادات الشــديدة التــي وجهتها لهــا 31 دولة بشــأن أوضاع حقوق الإنســان في مصر، اللغة الخشــنة والصياغات العنيفة، التــي وردت في كلا البيانين لن تضع حلولا لهذه الأزمة بين الطرفين، ولا بالقطع لتحسين أوضاع حقوق الإنســان في العالم، فالدول العظمى هي التي تنتهك حقوق الإنســان في دول العالم الثالث، ســواء باستغلال ثرواتهــا الطبيعيــة، أو بفرض شــروط اقتصادية صعبة عليها، لكي تحصل على مســاعداته­ا المالية، وهي التي تدبر الانقلابات فيها، وتشــعل الحروب بينها لتنشــط صناعة الســاح فيها، فــي حين تكابد شــعوب العالــم الثالث من أوضاع اقتصادية مريرة، وانهيارات في الخدمات الصحية والتعليمية والثقافية، تؤثر بالســلب في أوضاع الحريات العامة وحقوق الإنســان فيها. وبانتظار نظام عالمي جديد أكثر عدالة وأقل وحشية، ســتظل سجلات حقوق الإنسان موضــع اتهامات متبادلة، لكن هناك حــدا أدنى من المعايير الديمقراطي­ــة، أصبح متفقــا عليه في وقتنــا الحالي، وهو مجال من الممكن، وفق ما أوضــح الكاتب محمد عصمت، أن تلعــب فيه مصر دورا حيويا بالنظر إلــى تاريخها القيادي والملهم في المنطقة.

حصارها لا يكفي

من معارك امس هجوم عنيف شــنه وجدي زين الدين فــي "الوفد" ضد منظمــات حقوق الإنســان التي وصفها بالمشــبوه­ة، ما تفعله هذه المنظمات من تدخل ســافر في شــؤون مصر، جاء تنفيذًا لتعليمــات الجماعة الإرهابية التــي أصابهــا الشــذوذ الفكري والنفســي مــن جراء الإنجــازا­ت الضخمة التــي تحققت علــى أرض الواقع، خلال الســنوات القليلــة الماضية، والحقيقــة أن البيان الصادر عن حزب الوفد على لســان المستشار بهاء الدين أبو شقة رئيس الوفد، أن البيان الصادر عن بعض الدول والمنظمات المشبوهة بالتدخل في الشأن المصري في واقعه وحقيقته يمثل مغالطــات لا تمت للواقع أو الحقيقة بأدنى صلــة. والرائع في حديث أبوشــقة، أنه قــال إن المواطن المصري ينعــم بأمنه واســتقرار­ه ويتمتع بــكل حقوقه الدســتوري­ة والقانونية في ظل ســيادة القانون وقضاء مستقل. وفي مصر نصوص دستورية وقانونية تضاهي، بل تفــوق حقوق الإنســان في أكبر الــدول الديمقراطي­ة في العالم، يجري التعامل بها في مصــر، فالنيابة العامة هي التي تمــارس طبقًا للقانون ســلطتها فــي التحقيق وعليها التزام قانوني بالإشراف على السجون والالتقاء بالمســاجي­ن، وتقديم تقرير دوري في هذا الشأن، واتخاذ ما يلزم من إجــراءات قانونية ضــد أي مخالفة لأي ملف أو معاملة دائرة أيا كان قدرها ضد أي مســجون، أيا كان نــوع الجريمة. كما أن هناك قضاء مصريا عادلا مشــهودا له في تاريخه بالنزاهة، هو الذي يفصل طبقا للدســتور والقانون. إن ما أكده أبو شــقة في هذا الصدد، يؤكد بما لا يدع أدنى مجال للشك، أن كل ما تروجه المنظمات المشبوهة الهدف منه هــو النيل مــن الدولة المصريــة وإنجازاتها وإعجازاتهـ­ـا العظيمة والرائعة، التي تحققت على الأرض بفضل القيادة السياســية الحكيمــة والواعية، وبفضل صلابة وإرادة المصريين التي لا يستطيع أحد أن يقهرها.

الموقف الأمريكي بالنسبة للســد الإثيوبي غير مطمئن، وبدوره يــرى عبد القادر شــهيب في "فيتــو"، أنه بعد أن طلب الســودان رسميا من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأمريكا الوســاطة في أزمة ســد النهضة الإثيوبي، وصفت الخارجيــة الأمريكية الطلب الســوداني بأنه مقبول، وفي الوقت ذاتــه، قالت الخارجيــة الأمريكية إنها ســتواصل الجهد للحد من الخلافات حول الســد الإثيوبي لضمان عدم التصعيد فــي المنطقة.. وهذا يعد تطورا جديدا مهما في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة. غير أن ملامح هذا التطور سوف تتضح عندما يتبلور في موقــف واضح.. والموقف الواضح بالنســبة لنا هو أن نرى جهودا أمريكيــة لتفعيل الاقتراح الســوداني عمليا، الذي يلقى تأييــدا مصريا، أي أن تنجح واشــنطن في إقناع إثيوبيا في أن تقبل وســاطة الرباعية الدوليــة المقترحة )أمريــكا والاتحــاد الأوروبي والاتحاد الافريقــي والأمم المتحدة( وتســتأنف المفاوضات في مدى زمنــي محدد للتوصل إلى اتفاق قانونــي ملزم حول قواعد تشــغيل وملء الســد الإثيوبي، قبل الموعــد الذي حددته إثيوبيــا لبدء الملء غيــر التجريبي لبحيرة الســد. وتابع الكاتــب: أمريكا لديها مــا تقنع به إثيوبيــا للانخراط في تلك المفاوضات الجديــدة، للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ينهي أزمة الســد، لكن الأمر مرهون بحدود الدور، أو الجهد الذي ترى الإدارة الأمريكية أنه يتعــن عليها القيام به في هــذا الصدد.. فإذا كانت ترى أن هنــاك تصعيدا يهدد الأمن والسلم الدوليين في المنطقة، بسبب هذه الأزمة سوف تبذل جهدا غير شــكلي وفاعل من أجل حل هذه الأزمة، وســوف تعطي لهــذا الجهد أولية علــى غرار الأولويــة التي بدأت تمنحها لمســألة البرنامج النووي الإيراني. أما إذا تعاملت

بروتينيــة إزاء هذه الأزمة ولم تقــدر خطورتها، فلن يكون ما تبذله من جهد في هذا الصدد فاعلا.. ونحن والســودان في يدنا إقناع الإدارة الأمريكية الجديدة بالخطورة الكبيرة لهذه الأزمة.

جبروت إثيوبيا

حذّر محمود الحضري في "المشهد" من خطور الانصياع للتعنت الإثيوبي: لم تمر ســاعات على لقاء الرئيس عبد الفتاح السيســي، ورئيس مجلس الســيادة السوداني عبدالفتــا­ح البرهان، في الخرطوم قبــل أيام، والخروج برؤية مشــتركة حول الملفــات الخاصة بســد النهضة، وكيفيــة مواجهة التعنــت الإثيوبي، ومحــاولات فرض الأمر الواقــع، حتى خرجت أديس أبابــا، كما تعودنا في هذا الملف برفض أي وســاطة. وخرجت وزارة الخارجية الإثيوبية، على لســان المتحدث الرسمي، برفض مقترح الخرطوم المتعلق بتوسيع الوساطة في أزمة سد النهضة، وهو ما يسفر عن اعتزام الاستمرار في تعنتها للدخول في مرحلة الملء الثاني للسد، بعد قيامها بكامل المرحلة الأولى ، في حالة من التجاهل لكل مخاوف دول المصب "القاهرة والخرطــوم"، وهو ما يهدد حقــوق الدولتين. وفي حالة من التبجح الشديد، خرج المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإثيوبيــ­ة دينا مفتي، معلنا فــي حالة ابتزاز شديدة أن بلاده أبلغت وفد الكونغو الديمقراطي­ة برفضها مقترح السودان بشأن الوساطة الرباعية المتعلقة بإدارة أزمة سد النهضة، والتمسك بوســاطة الاتحاد الافريقي. وتنســف أديس أبابا بهذا أي شــكل من أشــكال حلحلة الأزمة، بما يراعي حقوق دول المصب، وتصر على الانفراد بكل القــرارات، مخالفة بذلك كل الأعــراف الدولية، وفي حالة تبحج أكبر قال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، "لا يمكــن أن يتم إقحام أطراف أخرى في مفاوضات ســد النهضــة في ظل قيام وســاطة افريقيــة يجب أن تحترم وإعطائها فرصة للنجاح"، كما ادعى أن الوفد الكونغولي بشــأن الوســاطة في ســد النهضة لم يطرح أي مبادرة حول عمليــة التفاوض المرتقبة، وما نقله هو وجهة النظر المصرية والسودانية.

وهم لا يتحقق

تزعم أديس أبابا، كما أشــار محمــود الحضري إلى أنه تمت معالجة مســائل سلامة الســدود وتبادل المعلومات، التي أثارها الجانب الســوداني بشــكل ملائــم، في ما لم تلتفت أديس أبابا لتوافق القاهرة والخرطوم على اقتراح إشــراك الأمم المتحــدة والاتحــاد الأوروبــي والولايات المتحدة مــع الاتحاد الافريقي، للتوصل إلى اتفاق بشــأن أزمة ســد النهضة. وتغض إثيوبيا الطــرف عن أن المظلة الافريقية لحل الأزمة المســتمرة منذ حوالي 10 ســنوات، لم تتوصل إلى شــيء محدد، في ما أن الحل الذي أسفرت عنه الوســاطة الأمريكيــ­ة، تهربت منها أديــس أبابا، بل قامــت بفعل ينم عن فهــم للعمل الدبلوماسـ­ـي، بالتخلف عن حضور توقيع الاتفاق، وبشــكل عمدي، بعد شهور من ماراثون المفاوضات. وسط هذا اللعبة التي اعتادت عليها إثيوبيا، يخرج مســؤول أخر، ليقول إن بلاده مســتعدة للحوار مع القاهــرة والخرطوم، بل ذكر أحد المســؤولي­ن الإثيوبيــ­ن أن المفاوضات ســتعقد خلال أيــام. وبدا من الــكلام أن إثيوبيا تعمل على كســب الوقت كالعادة. ومن الملاحظ أن الحكومــة الإثيوبية اعتادت في كل مرة يحدث فيها حــوار أو تصريحات، أن تخــرج بموقف، رافض لأي حلول تصب فــي صالح الــدول الثلاث، وعندما تشــعر بتضيق الخناق، تخرج بتصريحات "دغدغة" سياسية، لا تليق بقضية أمن قومي لدول شــريكة في مصب نهر النيل، وتعيــش حوله. وينتهي الكاتب إلــى أنه لا أمل مع دولة لا ترى إلا نفسها، وتســتند إلى أنها قاب قوسين أو أدنى من اســتكمال مشــروعها، ضاربة عرض الحائط بأي مصالح أخرى، ويجب أن لا نعلق مصالح شعبي مصر والسودان، على وهم اسمه مفاوضات "تبويس اللحى"، ومن الواضح أن انتظار "حسن النوايا"، مجرد وهم لن يتحقق.

ضحية حكوماتهم

الأوضــاع في لبنان تثيــر مخاوف الكثيريــن من بينهم الدكتــور محمود خليل فــي "الوطــن"، اللبنانيون ضحية الحكومــات المتعاقبــ­ة التــي وصلــت بالبلاد إلــى حافة الإفلاس، ضحية التشكيلات المتعاقبة لمجلس النواب الذي لم يحاســب الحكومات كما ينبغى أن يفعل، ضحية القوى السياســية التي ترجِّح ولاءها للخــارج على ولاء الداخل، ضحية العديــد من الدول المحيطة التي تضع أقدامها في هذا القُطر، خدمة لمصالحها الخاصة بعيداً عن الشعب اللبناني. وكما أن اللبنانيين ضحية فإن جانباً من المســؤولي­ة في ما وصلت إليه الأمور في البلاد يقع على عاتقهم.. قد تســأل: ومــا ذنب الشــعوب.. ولماذا تقــع عليهم مســؤولية تردِّؤ الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وهم مغلوبون على أمرهم أمام الحكومات، وفؤ مواجهة مؤسسات الدولة وغيرها من القوى التي تتحكم في أمورها؟ تابع الكاتب: ســأقول لك إن الســكوت على الفساد والتهاون في الحقوق، يمنح الفرصة لبعض الفاسدين من المسؤولين ليواصلوا فسادهم، وبعض الطامعــن لتحقيق أطماعهــم، وبعض المخرِّبــن لمواصلة تخريبهم. سكوت الشعوب على الفساد جوهره تناغم قطاع من أبنائها معه، واســتفادت­هم منــه، وتربحهم من خلاله.. كذلك شأن الفساد في كل بلاد العالم. المسؤول الكبير ينهب المال والمقدّرات، فيسكت عنه من يليه لأنه ينهب هو الآخر.. وهكذا تتواصل حلقات السلســلة حتــى تصل إلى الصغار الذين يجدون في الفســاد وسيلة سهلة للحصول على المال بأقل مجهود.

عاقبة الصمت

مؤكــد والكلام لا يــزال للدكتــور محمــود خليل، أن الرابحين من الفســاد مــن بين أبناء الشــعوب أقلية وأن الأغلبية الكبرى تعاني منه، لكن مشكلة الأغلبية هنا تتمثل في السكوت على أشــياء يجب مواجهتها. تأخُّر المواجهة عادة ما يعقّد المشــكلة أكثر وأكثــر، حتى تصل الأمور إلى ما هي عليــه الآن، ليس في لبنان وحدهــا، بل في لبنان وسوريا والعراق ودول عربية أخرى. أما سكوت الشعوب عن الحقوق فيعني تراخياً مقابلاً في أداء الواجبات، فمن يؤدي واجبه على أكمل وجه لا بد أن يدافع بشراســة عن حقوقه.. كما أنه ليس من السهل عليه السكوت على فساد. أكذوبة كبــرى عاش عليها ولم يزل العديد من الشــعوب العربية تتمثل في أن «الســكوت يؤدي إلى الاســتقرا­ر.» هذه الأكذوبة تحتــاج مراجعة وإعادة نظر.. الســكوت فضيلــة إلا أن يكون على خطأ.. وأمامنا المشــهد اللبناني ومشــاهد شــبيهة في دول أخرى.. فطول السكوت على الفســاد وهدر الحقوق أدى إلى تضعضــع أحوال البلاد، ووضعها في دائــرة خطر مبين.. الســكوت هنا أدى إلى إرباك الأحــوال والوقوف على حافة الانهيار. الشــعوب ضحيــة نعم، لكنها أيضاً مســؤولة.. وعليها أن تتعلم من تجاربها.. فتركُ الأخطاء الصغيرة حتى تســتفحل يجعل مــن القطرة نهراً ومن الحبة قبة. أهــم ما يجب أن تتعلمه الشــعوب العربية على وجه الخصوص من هذه المشاهد، أن تآكُل المؤسســات المسؤولة عن محاســبة الحكومات، وتحليل أدائها وتوعية الناس بإيجابياته وســلبياته هو المقدمة الكبرى للمعاناة والتوجع.

ناجحة بشروط

زيارة عبدالله حمدوك إلى القاهرة كانت مفيدة ومثمرة رغم قصرها، وقد زار مؤسسة الأهرام، وأجرى نقاشا معمقا مع خبراء مركز الدراســات السياســية والاســترا­تيجية، وألقى الضوء على قضايا كثيرة. وشــارك في النقاش عمرو الشــوبكي الذي أفصح فــي "المصري اليوم" عــن رأيه في حمدوك قائلا، انطباعي عن الرجل أنه يحمل سمات فريدة، فهو الســوداني الأصيل رغم ســنوات الغربــة والوظيفة الدولية، وهو ليس مجــرد تكنوقراط له تاريخ مهني حافل كأمين عام سابق للجنة الاقتصادية الافريقية التابعة للأمم المتحدة، إنما أيضا يمتلك حســا سياسيا واضحا. وقد تكلم عن التحديــات التي تواجــه المرحلة الانتقاليـ­ـة، بما فيها تحدى إبرام الســام مع الفصائل المسلحة، وأشار لما سماه المســكوت عنه في العلاقات المصرية الســوداني­ة، والدور المصري في افريقيــا، وغيرها من القضايــا التي تكلم فيها بشــفافية واحترام. وأشــار الرجل إلى تحدي سد النهضة الذي أكد أن بلاده ســتعمل بالتعاون مع مصر من أجل ثنى إثيوبيا عن ملء الســد في يوليو/تموز المقبل بشكل أحادي ولم يســهب كثيرا في هذه القضية، حتى إنــي قلت له إنك تحدثت تفصيلا في باقي النقاط وهذه النقطة تحدثت عنها بشكل ســريع، فهل ذلك مصدره ثقة زائدة أم ماذا؟ ولم يكن هناك وقت للرد والاستفاضة.

خوف مشروع

وواصل عمرو الشــوبكي كلامه عن ذلــك اللقاء، بأن أبرز هواجســه بالنســبة لمآلات الأوضاع في الخرطوم، يتمثل فــي المخاطر الناجمة عن طــول المرحلة الانتقالية في السودان )39 شهرا( وأن «تطويل» المرحلة الانتقالية أكثر من تلك المدة، كما تطالب بعض الفصائل المســلحة، ســيفرض تحديات جديدة على المجلس السيادي الذي يضم مدنيين وعســكريين، كما ســيعمق مــن الخلافات بين فصائل وتيــارات مدنية من قــوى الحرية والتغيير والحكومة، وســنجد بعض من كانــوا داعمين لحمدوك سيعودون لخطابهم الثوري القديم وسيسحبون دعمهم له، فيضعفون موقف التيار المدني برمته )بمن فيهم هم( في معادلة الســلطة في السودان. يقينا حين يكون رأس السلطة موزعا على 10 أشــخاص في المجلس السيادي، بجانب الحكومة، فإن هذا سيعني صعوبة اتخاذ قرارات حاسمة، وستحتاج البلاد لمواءمات كثيرة حتى تستطيع أن تخرج قــرارا سياســيا أو اقتصاديا كبيــرا، في بلد يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية عميقة، وأيضا من حروب وانقسامات عرقية وجهوية. لقد اختار السودان الخيار الأصعــب باختيار فترة انتقاليــة طويلة، حيث تكون الســلطة غير منتخبة وغيــر مركزية، وغير قادرة على اتخاذ قرارات حاســمة، وهذا في حــد ذاته يخلق حالة ســيولة ورغبة البعض في البحث عن المخلص، أو رجل النظــام العام القوي بديلا عن انقســامات المرحلة الانتقالية المعطلة. أما العلاقات المصرية الســوداني­ة فقد اعتبرت أن بناء شــراكة اقتصادية تنموية بين البلدين، تقوم على الاحترام المتبادل، ويســتفيد منها الشــعبان ستخفف من حدة التراشقات وغياب المصالح المشتركة. ورغم صعوبــة المرحــة الانتقاليـ­ـة، إلا أن فرص نجاح التجربة السودانية، ما زالت كبيرة، في بلد يتسم شعبه بأنه سياســي بالفطــرة، ولديه اعتــزاز بكرامته، رغم ظروفه الاقتصادية الصعبة.

وهم يهدد الرياض

حذر ســليمان جودة في "المصري اليوم" من أن جماعة الحوثي تعربد فــي أرض اليمن، وأن هذه العربدة التي لا تتوقف إنما تجــري عند مدخل البحر الأحمر في الجنوب، وبالتالي ففي لحظــة من اللحظات يمكــن لهذه الجماعة غير المســؤولة أن تغلق مدخل البحــر، أو تعرقل الملاحة فيه على الأقل، وســاعتها ســوف يكون لذلك أثر مباشر في الملاحة في قناة الســويس. وهل ننســى أن الحوثي يحتجــز ناقلة النفــط صافر بالقرب من مينــاء الحُديدة اليمني على البحر، ويمنع خبراء الأمم المتحدة من دخولها للقيام بأعمال الصيانة؟ وهل ننســى أن تسرب النفط من الناقلة وارد في أي لحظة، وأن ذلك سوف يلوث ماء البحر الأحمر كله؟ ونخطئ أيضاً إذا تصورنا أن جماعة الحوثي تعمل من دماغها، أو أن الصواريخ صواريخها والطائرات طائراتها.. فالجماعة لا تخفي علاقاتها بإيران، وليس سراً أن هــذه الطائرات والصواريخ مقبلة من حكومة المرشــد خامنئب في طهران بشكل مباشر. ونخطئ للمرة الرابعة إذا تصورنا أن حكومة المرشد تســتهدف الخليج عموماً، والأراضى الســعودية خصوصاً، في إطــار مواجهة بين الشيعة في إيران والسُنة في الخليج، لا.. فالقصة أساسها فُرس وعرب، وليست حكاية الشيعة والسُنة سوى لافتة لإمداد المواجهة بالوقود اللازم، وعلينا ألا ننسى أن إيران الموجودة عند مدخل البحر الأحمر في الجنوب، هي نفسها الموجــودة عنــد رأس البحر ذاته في الشــمال، من خلال علاقتها المعلنة مــع حركة حماس في غــزة على حدودنا المباشرة، آخر استهدافات الجماعة الحوثية جرى قبل أيام قليلة، بقذف المدنيين في مدينة خميس مشيط السعودية، وبعدها صادف الموضوع اســتنكاراً عربياً شديداً وتنديداً أكثر شــدة.. وكان مما قالته الخارجية الإماراتية، إن على المجتمع الدولــي أن يخرج عن صمته تجاه ما يحدث، وأن يمــارس مســؤوليات­ه.. والحقيقة أن الرهان على شــيء اســمه مجتمع دولي في ملــف الحوثي، أو فــي أي ملف سواه، هو رهان على وهم كبير..

مآس قديمة

انتبه محمود زاهر في "الوفد" إلى أســباب عديدة وراء المآسي التي يتعرض لها أصحاب القلم، لم يحدث على مدار ثمانية عقود ارتبط فيها اســم نقابــة الصحافيين بـ«قلعة الحريات» و«حرية الرأي والتعبير» و«الســلطة الرابعة،» أن فقــدت كثيــرا من ألَقِهــا وبريقهــا المعهودَيْــن، كمعنى ورمز، خلال الســنوات الأخيرة، للمــرة الأولى في الدعاية الانتخابية للمرشــحين، نرى تغييرا طارئا، بسبب جائحة كورونا، ليلجأ المرشــحون إلى «السوشــيال ميديا»، التي لم تكن بديلًا كافيا عن التواصل الشــخصي والمباشــر مع أعضاء الجمعية العمومية. وبما أن الترشــح حق مشروع، لكن الملاحــظ عودة ظهور وجوهٍ مقررة ومكررة، إلى جانب بعض المرشــحين الجدد.. لكن البرامج «تشــابهت علينا،» بوعودٍ حالمة، وغيــر واقعية، يصعــب تنفيذها على أرض الواقع! إننا أمام تحدٍ بالغ الصعوبــة، وفرصة مهمة لإنقاذ الصحافة المصرية، التي تمر بأســوأ فتراتهــا، في ظل أزمة اقتصادية طاحنــة، تهدد انتظام الإصــدارا­ت، بعد تعويم الجنيه، وتضاعُف تكلفة الطباعة، وارتفاع أســعار الورق، وانخفاض عائــد الإعلانات. تلك الأزمــة ألقت ظلالها على الصحافيين، الذيــن يعانون أوضاعــا اقتصادية متردية، ورواتب هزيلة، هي الأسوأ على الإطلاق، إضافة إلى توقف التعيينات، وانخفاض الأجور، ولجوء كثير من المؤسسات إلى التقشف، ســواء أكان بالفصل التعسفي أو الاستغناء عن البعض.. لخفض التكلفة.

هيبة ضائعة

وانتهــى محمود زاهر في كلامه، إلــى أن أزمة الصحافة الحقيقية تكمن في عدم وجــود محتوى متنوع وجذاب، أو خط تحريري مختلف ومهني، لتتحول إلى مرحلة «الصوت الواحــد»، وبالتالي عــزوف القراء، وانخفــاض معدلات التوزيــع، لتدخل المهنــة في خطرٍ حقيقــي، والصحافيون في نفــقٍ مظلم. وبالعــودة إلى المرشــحين، ذوي البرامج المتطابقة، أو المتشــابه­ة للغاية على أقــل تقدير، نجد اتفاقًا ضمنيًا في الشعارات، حول ضرورة تحسين أوضاع الزملاء الاقتصادية، اللافــت أنه تعالت أصوات مرشــحين، كانت بالأمس القريب «صامتة»، وفي أحســن الأحوال «هَمْسًــا» في الغرف المغلقــة، لتطالب جَهْرًا بـ«الإفــراج عن الزملاء المحبوســن »، و«كرامة الصحافيــن »، و«هَيْبَــة النقابة ،» لاســتعادة دورهــا التاريخــي فــي الدفاع عــن الحريات والحقوق ولمّ الشــمل. وتبقى المعضلــة الأكبر أمام الجميع الســابقين واللاحقين، هي أزمــة الصحافيــن الحزبيين، المتوقفة جرائدهم عن الصــدور، مع كل تجديد نصفي، رغم كثرة وعود النقبــاء بالحل على مدار عشــرة أعوام، فإنها تتبخر بعــد إعلان النتائــج. أضيفت إليها مؤخــرًا أزمات «القَيْد» و«التكويد» و«الشــهادات المزورة» و«السَّقَّالات». أخيرا.. نعتقــد أن الانتخابــ­ات الحالية، فرصــة حقيقية لمراجعة أنفسنا وتحكيم ضمائرنا، في اختيار كفاءاتٍ قادرةٍ على العطــاء، ترتقي بالمهنــة والنقابة وأحــوال الزملاء.. فالتجربة علّمتنــا أن الاهتمام بالملفــات الخدمية وأحوال الصحافيين البائسة، لا تقل بحالٍ عن أهمية وجود صحافة حــرة، وحفظ وصَــوْن الحريات. فــي جميع المهــن هناك صراعات وحروب نفســية، لكن في «مهنــة المتاعب» تكون أكثر شراسة.. بسبب الأضواء.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom