Al-Quds Al-Arabi

مذكرات سليمان الشرفا )ابو طارق(: شهادة تاريخية من زمن البراءة

أحد مؤسسي حركة فتح

-

صــدر مؤخرا عن دار طباق للنشــر والتوزيع كتاب عنوانه «مذكرات سليمان الشرفا، وهو كتاب صغير الحجم )211 صفحة من القطع المتوســط( لكنــه ذو أهميــة كبيــرة، تكمــن فــي كونــه شــهادة تاريخية من أحد مؤسســي حركــة التحرير الوطني الفلســطين­ي «فتــح»، تلقي الضــوء علــى مراحــل مختلفة من تاريخ الثورة الفلســطين­ية، وتقدم تفاصيل عن بدايات تشكيل «فتح» وانطلاقتها، وعن أجواء عمله في العراق معتمــدا للحركة هناك في آب/ اغســطس 1968، ثم معتمداً للحركــة في ليبيا بعد أســبوعين على ثورة الأول من أيلول/ سبتمبر 1969. كما يتضمن الكتاب فصــا كاملا حول دور حركة فتــح في الوســاطة فــي حــلّ الخلافــات العربية، خاصة دوره في حل خلافات دول عربية مع ليبيا، من ضمنها قصة الوســاطة بين ليبيا والسعودية، وبــن تونس وليبيا، وبين مصر ليبيا، وبين المغرب وليبيا.

يتعلــق معظــم محتــوى الكتــاب بالفتــرة التي يمكن وصفهــا بزمن براءة العمــل الوطني الثوري في صفــوف حركة «فتح، قبل الدخــول في اتفاق أوســلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عــام 1993. ولعــل ممــا يؤكــد أهميــة المهــام التي اضطلــع بها المؤلف، أو شــارك فيها باســم «فتح» ومنظمــة التحرير الفلســطين­ية، تلك الصــور التي يتضمنهــا كتابــه، ويبــدو فيهــا مع عــدد كبير من الزعماء العــرب والأجانب الذيــن التقاهم، ومنهم مثالاً لا حصــراً: معمر القذافــي، الحبيب بورقيبة، عبد الناصر، أنور الســادات، حســني مبارك، أمير قطر الســابق الشــيخ حمــد بــن خليفــة، الرئيس اليوغســاف­ي جوزيــف تيتــو، الرئيــس الأوغندي عيــدي أمــن، الأمير فهد بــن عبد العزيــز )قبل أن يصبح ملكاً(، العاهل المغربي الحسن الثاني وولي عهده محمد )قبل توليه العرش ليصبح الملك محمد الســادس(، الرئيســن الجزائري هواري بومدين وعبد العزيز بوتفليقة، الرئيس الأمريكي الأســبق جيمي كارتر، رئيســة وزراء باكستان بنازير بوتو، العاهلــن الأردنيين الملك الحســن بــن طلال وعبد الله الثاني، رئيس وزراء السودان الصادق المهدي، رئيــس دولة الإمارات العربية المتحدة الشــيخ زايد بــن ســلطان آل نهيان، الرئيــس التركي ســليمان ديميريل، رئيس وزراء الهند راجيف غاندي، رئيس وزراء بريطانيــا الأســبق جــون ميجــور، الزعيــم الكوبــي فيديل كاســترو، رئيس كوريا الشــمالية كيــم إيل ســونغ، الرئيــس الموريتاني ولد ســيدي أحمــد الطايــع، والجنــرال الفيتنامي فــون نغوين جيــاب، وغيرهم، إضافة إلى صــور له مع عدد من كبار قادة «فتح» من بينهم ياســر عرفات، وصلاح خلف وخليل الوزير.

من بئر سبع إلى قطر

يصــف المؤلــف الحيــاة فــي مســقط رأســه بئــر الســبع قبل النكبة الفلســطين­ية، وصفا شيقاً دقيقــا، قبــل انتقالــه مــن هنــاك إلــى مدينــة غــزة لمتابعــة تعليمه وصــولا، بعــد إتمــام دراســته الجامعيــة في مصــر، إلــى انتقاله فــي صيــف عــام 1957 للعمــل في دولــة قطــر، حيــث التقــى كلاً مــن محمــود عبــاس الرئيــس الحالــي للســلطة الفلســطين­ية، وأبو يوسف النجــار أحد أبــرز قادة «فتــح». ونشــأت للمؤلف علاقــات وثيقة في قطر مع أميرهــا )من 1995 إلى 2013( الشــيخ حمد بن خليفــة آل ثاني، الذي كان أحد تلاميذه في ســتينيات القرن العشــرين. ويقر المؤلف بالفضل للشــيخ حمد، ليس بسبب إصراره على دفع تكاليف تعليم نجله طارق وابنته ميسون وحسب، لكن خصوصا بسبب سماح قطر في ذلك الحين لمن كانوا فيها من مؤسسي «فتح» بممارسة عملهم التنظيمي، وســماحها بدخول فصائل مثل الجبهتين الشــعبية والديمقراط­ية لتحرير فلسطين والبعثيين والقوميين والشيوعيين.

العراق وسوريا وفوضى الفصائل

يدل كتــاب الشــرفا، إلى أنــه بينما لــم تتدخل «فتــح» في شــؤون الــدول العربية، فإن عــدداً من تلك الدول تدخل في شــؤون الثورة الفلســطين­ية. عمــل الشــرفا ابتــداء مــن أغســطس 1968 ممثلا لحركــة «فتــح» فــي العــراق، حيــث أشــرف على تشــكيل لجــانٍ شــعبية عراقيــة مســاندة، تجمع المســاعدا­ت للثورة الفلســطين­ية، بتنسيق مع وزير الداخليــة العراقــي صالــح مهدي عمــاش. وعلى العكــس من عــدم ممارســة قطر أي ضغــوط على التنظيمــا­ت الفلســطين­ية فــي أراضيها، ســرعان ما اتضــح أن عمــاش كان يخشــى ان تتحول تلك اللجــان إلــى بــؤر معارضة لنظــام الحكــم. وعلى الرغــم مــن تقديم الشــرفا بيانــات كاملــة عن تلك اللجــان للحكومة العراقية، فقد أبلغ وزير الداخلية العراقي حركة «فتح» بأن العراق سيشــكل فصيلاً مــن الفلســطين­يين المقيمين فيه للعمــل على تحرير فلســطين، وأن ذلك الفصيل سيكون تحت اشراف العراقيين. وهكذا شــكلت جبهــة التحرير العربية» التابعــة للعراق، وكانت تلــك بداية تدخلات بعض الحكومات العربية في شــؤون الثورة الفلسطينية التي دأب تنظيمها الأكبر، حركة «فتح، على تجنب التدخل في شــؤون الــدول العربية. وســرعان ما شكّلت الحكومة السورية فصيل «الصاعقة، الذي

غدا جناحاً فلســطينياً مســلحاً تابعاً لحزب البعث الســوري، وأدى تكاثر الفصائل الفلسطينية «إلى تخبط ونوع من الفوضى، حسبما يقول الشرفا.

المعتمد في ليبيا

يؤكد الشرفا من خلال عمله معتمداً لـ«فتح» في ليبيا لســنوات، بعد أســبوعين على «ثورة الفاتح» في أيلول/ ســبتمبر 1969، على أن أعضاء مجلس الثورة الليبية كانوا متحمسين للثورة الفلسطينية، ودعموهــا بالأســلحة والمســاعد­ات الماديــة وفتح الأبــواب لقــادة «فتح» لإقامــة علاقات مــع زعماء الــدول العربيــة والأجنبيــ­ة. وانتهــز الشــرفا تلك الأجواء والفــرص للعمل بمبادرات ذاتية الســعي للحصــول على اعتــراف دولــي بمنظمــة التحرير الفلســطين­ية، وفتح مكاتب تمثيل لهــا في عدد من البلدان الأوروبية والافريقية.

يقــول المؤلف إن موقــف العقيــد القذافي تجاه «فتــح» تغيــر وصــار ســلبياً فــور زيــارة الرئيس المصري أنور الســادات لإســرائيل، إذ ظن القذافي أن وجــود «أبو عمار» في جلســة مجلس الشــعب المصــري التي أعلن فيها الســادات يوم 9 تشــرين الثاني/ نوفمبر 1977 اســتعداده لزيارة الكنيست الإســرائي­لي، معناهــا أن «أبو عمــار» كان على علم مســبق بنية الســادات زيــارة إســرائيل. والواقع أن «أبــو عمــار» فوجئ بإعلان الســادات ذاك مثله مثــل مئات ملايــن الناس فــي العالــم العربي، بل فــي العالم كله. منذ ذلك الحــن تدهورت العلاقات بين منظمــة التحريــر الفلســطين­ية وليبيــا وبلغت الحضيــض. ويشــرح الشــرفا بالتفصيــل مراحل ذلك التدهور وأســبابه، وأهمها سعي القذافي إلى الســيطرة على الورقة الفلسطينية واحتضان ليبيا القذافي للانشقاقات الفلسطينية.

فردان السوداء

من بين التفاصيل القاســية التي عاشها الشرفا ليلة التاســع من نيســان/ إبريل عــام 1973، يقول «يــوم اغتيال كل من أبو يوســف النجــار وزوجته وكمال عدوان وكمال ناصر، استشــهدوا وسُمّيتَ تِلك الليلة «فردان الســوداء، إذ كانوا يسكنون في عمارتين متقابلتين، في شــارع فردان في العاصمة اللبنانية بيروت، وهاجمتهــم القوات الصهيونية، حيث جــرت عملية إنزال من البحــر، وكانت عملية طويلــة ومدروســة ومُعدّة جيــداً. في الليلــة التي ســبقت هــذه العمليــة كنــا مجتمعين فــي بيت أبو يوســف النجار، نجلس على الشُرفة، كنا مجموعة منهم محمود عبــاس وكمال ناجــي مدير المعارف في قطر، ورفيق النتشــة وســعيد تيَّم مدير مكاتب وزارة التربية والتعليم فــي قطر، وأنا، وكان هناك آخرون، لكن لا أذكر الأســماء الآن، وكانت الشرفة مليئة بالجالســن وتحدثنا فعلا عن الساحة أمام العمــارة التي يســكنها أبو يوســف، ويســكن في بنايــة مقابلة تمامــاً، كمال ناصر وكمــال عدوان. وقال رفيق النتشــة، أو كمال ناجي، لأبو يوسف، يــا أخي من الخطأ أن تســكنوا أنــت وكمال ناصر وكمــال عــدوان في هــذه المنطقة دون حــراس، ما الــذي يمنع أن تأتــي طيارة هليكوبتــر وينزل منها مــن يقضي عليكم وتذهب، دون أن يحس بها أحد؟ ليس لديكــم حراســات كافية. أجمعَ الجالســون، على أن هذه ثغــرة أمنية ويجب معالجتها، وحينها رد أبو يوســف الرد التقليدي، عــن الإيمان بالقدر، وإرادة الله.

فــي الليلــة التي تلتها كنــا في فندق «ســتراند، جــاء أبو يوســف فقلــت له لنذهــب ونســهر معاً، وكان معي توفيق الشــهابي، فقال أبو يوسف أنه مرهق جداً، وقــال لنؤجلها إلى يوم آخر، وأنه يود ان يرتاح تلك الليلة، ودعاني لبيته، قائلا، تعال غدا صباحا لنفطر معك ومع توفيق، قلت له وهو كذلك، فذهب إلى بيته ولم أره بعدها».

ويضيــف عــن تلــك الليلــة «كان العدو قــد أعد مخططــاً واســعاً؛ يتضمــن إنــزالا علــى البحــر باللنشــات )القــوارب( الصغيــرة، عليهــا عدد من المســلحين، نزلوا ووصلوا حيث يســكن الشهداء، وكســروا الأبــواب المقفلــة، وأطلقــوا النــار علــى الأبــواب، فدخلــوا دفعة واحــدة على بيــت كمال عدوان، وبيت أبو يوسف، وبيت كمال ناصر.

كان ناصــر في طريقه للنــوم، فقتلوه فوراً وتم التنكيل بجثته، بينما شــعر كمال عدوان بهم وعاد إلــى غرفة نومه مســرعا كمــا أخبرتنــي زوجته أم رامي، قالت إنه أخذ بندقية )الرشــاش(، وقال لها ولأولاده «ابقــوا هادئــن دون أي صــوت وتخفوا فــي أي ركــن مــن أركان البيــت، وأخذ الرشــاش وخرج ولم يرجع، كانوا ينتظرونه عند باب الغرفة فقتلوه. استخدم أبو يوسف مسدسه ولم يكن معه رشــاش، وهاجمهم، أطلقوا عليه النار واستشهد، وعندما رأت زوجته هذا المشــهد، قفزت بشــجاعة نادرة، على رقبــة أحد المهاجمــن وطرحته أرضاً، لكــن زميله عاجلهــا بطلقات واستشــهدت بجانب زوجها».

مذكــرات الشــرفا كتــاب ملــيء بتفاصيــل عن الثورة الفلســطين­ية وعلاقاتها العربيــة والدولية، لم تــرد في مصادر أخرى، وهــو إضافة كبيرة إلى أحداث تلك الفترة.

٭

 ??  ?? الشرفا بعد تلقيه وسام الاستحقاق والتميز من الرئيس عباس
سليمان الشرفا مع ياسر عرفات ومحمود عباس وصلاح خلف وبعض رفاقهم في حركة فتح
الشرفا بعد تلقيه وسام الاستحقاق والتميز من الرئيس عباس سليمان الشرفا مع ياسر عرفات ومحمود عباس وصلاح خلف وبعض رفاقهم في حركة فتح
 ??  ?? المؤسسون الثلاثة لحركة فتح في قطر: سليمان الشرفا وابو يوسف النجار ومحمود عباس في فندق الدرويش في الدوحة عام 1961
المؤسسون الثلاثة لحركة فتح في قطر: سليمان الشرفا وابو يوسف النجار ومحمود عباس في فندق الدرويش في الدوحة عام 1961
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom