Al-Quds Al-Arabi

تركيا عدواً رئيسياً: وسواس المحور الرجعي العربي

- ٭ كاتب وأكاديمي من لبنان

■ خطيرٌ جداً الكلام الخاص بســوريا الذي أدلى به وزير الخارجية المصري، ســامح شــكري، أمام الدورة العادية لمجلس جامعة الدول العربية المنعقدة في الثالث من هذا الشــهر. فقد قال الوزير ما يلي، نقلاً عن نص كلمته الذي نشرته «بوابة الأهرام»:

«عشرة أعوام مرّت، ولا زالت الأزمة السورية تدور في حلقة مفرغة، والشعب الســوري وحده هو من يدفع الثمن بلا أي أفق يحمل على التفاؤل في المستقبل القريب، وأقول من موقعي هذا إن عودة ســوريا إلــى الحاضنة العربية كدولة فاعلة ومســتقرة لهو أمر حيــوي من أجل صيانة الأمن القومــي العربي، إلا أن ذلك يفترض أن تظهر ســوريا بشــكل عملي إرادة للتوجه نحو الحل السياسي المؤســس على قرارات مجلس الأمن، فاســتيعاب المعارضة الوطنية من شأنه تخفيف حدة النــزاع وتعبيد الطريق لكي تخرج ســوريا من أتون تلك الحرب المســتمرة إلى برّ الأمان، إذ أن وجود سوريا موحّدة آمنة قوية ومستقرة يجعل من المشــرق العربي خط الحمايــة الأول للمصالح العربيــة، ومن ثم فإن الحل السياسي ينبغي أن يسير قدماً بقدم مع إخراج جميع القوات الأجنبية من جميع الأراضي الســورية، وفي مقدمتها الاحتلال التركــي، والعمل الدؤوب من أجل دحر التنظيمات الإرهابية التي امتد لهيبها ليحرق الأخضر واليابس، ليس في سوريا وحدها، ولكن في جميع أرجاء المنطقة».

لاحظــوا أولويــات الوزير المصري: تقبع ســوريا تحت خمســة احتلالات، إســرائيلي وإيراني وتركي وروســي وأمريكــي، أما أخطرها فــي نظر الوزير المصري فليس الاحتلال الصهيوني )وإسرائيل بلا شك «دولة صديقة» في نظر الوزيــر( ولا حتى الاحتلال الإيراني، ناهيكم من الروســي والأمريكي التابعين لدولتين تربط الحكم المصري بهما علاقة وطيدة، إذ يتعاون مع إحداهما في دعم خليفة حفتر في ليبيا ويثمّن دعم الأخرى المالي والعســكري. كلا، بل إن أخطر الاحتلالات في ســوريا، حسب سامح شــكري، هو التركي بعينه، وهو الوحيد الذي نعته بالاحتلال مكتفياً بالإشــارة إلى «القوات الأجنبية» بما يخصّ سائر الاحتــالا­ت. وهذا يلقي ضوءاً خاصاً على ما يقصده الوزير المصري بإشــارته إلى جعل المشرق العربي «خط الحماية الأول للمصالح العربية».

فإيانا أن نظنّ أن أخطر ما تتعرّض له «المصالح العربية» ومعها «الأمن القومي العربي» من خطر أجنبي في المشــرق هو دولة الاحتلال الصهيوني التوسّعي، كلب حراســة مصالح الهيمنة الأمريكية على أمــوال النفط العربي؛ أو الولايات المتحدة التي دمّرت العراق وخرّبت المنطقة بما أوقعها في أسوأ انحطاط شهدته فــي التاريخ الحديث؛ أو إيــران التي عملت على اســتغلال العصبية الطائفية بغية بســط نفوذها على الشــرق العربي من العراق حتى البحر المتوسط؛ أو روسيا التي ساهمت بأكبر قسط في تدمير سوريا والتي تسعى وراء مدّ نفوذها الرجعي في المنطقة بالتعاون مع حليفيها المميّزين، الإمارات المتحدة ومصر، وقد عقدت اتفاقاً مع حكام الســودان العسكريين كي تبني على شاطئ البحر الأحمر مرساً ثانياً لسفنها الحربية في دولة عربية، بعد مرساها السوري القديم، بينما يســاهم «مرتزقتها» شــبه الرســميين بدعم حفتر إلى جانب قوات محمد دقلو الجنجاويدي­ة السودانية والقوات المصرية والإماراتي­ة.

إنما أخطر ما يتعرّض له «الأمن القومي العربي» في المشــرق العربي في نظر الوزير المصري هو تركيا، وهي العدو الرئيســي ذاته الــذي تواجهه الأطراف سابقة الذكر في ليبيا، بوابة المغرب العربي. هذا المنطق الخاص بالحكم المصري والحكــم الإماراتي، والذي يرتبــط ارتباطاً وثيقاً بعدائهما الشــديد للإخوان المسلمين، الذين يريان فيهم ألدّ أعدائهما على الإطلاق، هو الذي جعلهما بصورة طبيعية يتقرّبــان إلى الحكم الســوري ويدعوان إلى إعادتــه إلى «الحاضنة العربية». ومن المعلوم أن حكم عبد الفتّاح السيســي وحــكام الإمارات حافظا على علاقة بنظام آل الأسد، باعتباره حليفاً في العداء المشترك لتركيا والإخوان المسلمين، ويدعمان مسرحية «التسوية السياســية» المتمثّلة بما أسماه الوزير المصري «اســتيعاب المعارضة الوطنية» وهو يعني احتواء «المعارضة» التابعة للقاهرة وأبو ظبي وموسكو بفصلها عن المعارضة التابعة لتركيا.

ومن الطريف للغاية أن الحكمين العربيين الأوثق ارتباطاً بالدولة الصهيونية هما اللذان يدعوان اليوم إلى إعادة حكم آل الأســد إلى «الحاضنة العربية» بل يحثّانه بالتعاون مع موســكو على تســوية علاقته بإسرائيل بما يُلحق دمشق رســمياً بالمحور الإقليمي الرجعي الذي يشكّله الحكمان المذكوران بالتحالف مع الحكــم الصهيوني، ويدعمه نظام فلاديمير بوتــن الذي يراهن على الجفاء في العلاقة بين الأطراف الإقليمية الثلاثة والإدارة الأمريكية الجديدة.

وإذا لم تلتحق المملكة الســعودية بهذا المحــور، فلأنها ترى أن أخطر ما يهدّد مصالحها هو إيران، فيرتهن أمنهــا بالتالي بالحماية الأمريكية. هذا ما عبّر عنه على طريقة الشــيفرة وزير الخارجية الســعودي فيصل بن فرحان، بمناسبة زيارة نظيره الروسي ســيرغي لافروف للرياض، وذلك بتصريحه أن «المملكة تؤكد أهمية اســتمرار دعــم الجهود الرامية لحــل الأزمة الســورية، بما يكفل أمن الشــعب الســوري الشــقيق ويحميه من المنظمات الإرهابية والميليشيا­ت الطائفية» حيث ترمز «الميليشيات الطائفية» إلى القوات التابعة لطهران بخلاف اكتفاء الوزير المصري بما أســماه «التنظيمات الإرهابية» وهو يقصد الأطراف المرتبطة بأنقرة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom