Al-Quds Al-Arabi

الأسد ليس إلى الأبد

-

■ «ملك على كومة من الأنقاض».. هكذا وصفت جريدة «لوموند» الفرنسية الرئيس السوري بشار الأســد بعد عشــر ســنوات من اندلاع الثورة ضد نظامه. وإذا ما بحثنا عن مثل شعبي عربي مرادف لهذا التشبيه فلن نجد أفضل من «خربها وقعد على تلتها».

المصيبة لا تقف عند هذا الحد ذلك أن الرجل مقر العزم تماما على الترشــح للانتخابات الرئاســية المقبلة في يونيــو / حزيران المقبل والتي لن تجري طبعا ســوى في مناطق ســيطرة النظــام ودون منافســة وبعيدا عن أي إشــراف دولــي ولا وفق دستور جديد للبلاد.

ومثلما تســاءل الدكتور ريــاض حجاب رئيس الوزراء الســوري الأســبق في لقائه التلفزيوني الأخير عما يمكن أن يتضمنــه البرنامج الانتخابي للأســد، فإن مــا هو متــاح حاليا فعــا ليعرضه الرئيس الســوري على شــعبه ليس سوى خراب البلد وتمزيقه وجعلهم ســاحة مستباحة للقاصي والداني وتشتيت شمل شعبه في الداخل والخارج، وأيضا القول لمناصريه في الداخل الذين ظلوا معه حتــى وصل البلد إلــى ما وصل إليــه، إنه لا يملك لهم إلا مزيــدا من التفقير والتجويــع. لقد وصلت الأوضاع المعيشــية، في حاضنة النظام نفسه، إلى درك لم تبلغه من قبل بعد اشــتعال أســعار المواد الغذائية وفقــدان الليرة الســورية كل قيمة أمام الــدولار في وقت يزداد فيه فســاد ونهــم الدائرة المحيطة بالأسد ولاسيما زوجته التي ازداد نفوذها بشكل ملحوظ ومستفز.

ورغــم كل ذلــك، هــا هي القــوى السياســية الكبرى في العالم تعترف بعد عشــر ســنوات من المأســاة الســورية بأنها عاجزة عمليا عن فعل أي شــيء فمجلس الأمن الدولي لم يأت في اجتماعه الأخير أمــس الأول بأي جديد ولم تجــد المندوبة الأمريكية ما تقوله سوى الدعوة إلى عدم الانخداع بالانتخابا­ت الرئاســية المقبلة في سوريا لأنها «لن تكون لا حــرة ولا نزيهة. ولن تُكســب النظام أي شرعية ولن تؤدي إلى أي تطبيع دولي معه.»

ليــس مهما أن يدعــو البيان المشــترك الصادر عــن وزراء خارجيــة الولايات المتحدة وفرنســا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة إلى مقاطعة هذه الانتخابات وإنما أن يشــرح معنى ما أورده من أن هذه الدول «لن تتخلى عن الشــعب السوري» لأن هذا الكلام قيل من قبل عشــرات المرات دون ترجمة فعلية على الأرض حتى فقد كل قيمة.

هذا العجز وقلة الحيلة امتد كذلك إلى المنظمات الدولية من ذلك ما قالتــه اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن مسار التسوية السياسية الذي يمهّد للســام في ســوريا «معطّل» ووصل إلى «طريق مسدود .»

من ناحية أخرى، لا أحد يــدري بالضبط ماهي

هذه «الصيغــة الدولية الجديدة» التــي دعا إليها موفــد الأمم المتّحــدة الخــاص إلى ســوريا غير بيدرسون لإحياء فرص الحل السياسي في سوريا، ومــاذا يمكن أن يقدمــه «اللاعبون السياســيو­ن الأساســيو­ن» الذين قال إنه يجب ان يشاركوا في هذه الصيغة لا ســيما الولايات المتحدة وروســيا وإيران وتركيا والاتحاد الأوروبي ودول عربية.

لا أحد يدري كذلك ما إذا كان الاجتماع الثلاثي الأخيــر في الدوحة بــن وزراء خارجية روســيا وتركيا وقطر يمكــن أن يمثل أي نــوع من البداية لمثل هذه الصيغة الجديدة، لا ســيما وأن ســيرغي لافــروف الذي قيل إن جولتــه الأخيرة تهدف إلى تعــويم نظام الأســد والدفع بعودتــه إلى جامعة الــدول العربية لم يجد فــي الدوحة ولدى الأتراك ولدى الدول الكبرى أي تجاوب لمثل هذا التمشــي، عدا التفهم الإماراتي المعزول.

في المؤتمر الصحافي في الدوحــة لهذا الثلاثي الجديــد، والذي ســتتواصل اجتماعاته في تركيا وروســيا، لفت انتبــاه بعض المتابعــن الجيدين للملف السوري أمران أساســيان: الأول التراجع النســبي لروســيا في إظهار الدعــم الكامل وغير المشروط لبشار الأسد، على الأقل مقارنة بما كانت تفعله طوال الســنوات الماضية، أمــا الثاني فكان عدم الإشارة إلى إيران وهي التي كانت لها من قبل مع موســكو وأنقرة مشاركة أساســية في كثير من الاجتمــــ­اعات المخصصة لسوريا.

ما فهم من الأمرين، وفق نفس المتابعين، أن موسكو قد تكون شرعت رويدا رويدا في استدارة هامة في تعاطيها مع الملف الســوري حتى لا تحرق مراكبها بالكامل مع المعارضة الســورية ولا تلعن المستقبل الذي لن يبقى فيه الأســد إلى الأبــد، كما أن إيران الغارقة في أزمتها الاقتصادية الحادة والمنغمســ­ة في البحث عــن مخرج مع واشــنطن لعودتها إلى الاتفاق النووي لم تعد في وضع يســمح لها بإبداء نفس القــدر من التصلــب في الدفاع عــن النظام السوري.

بالتأكيد، لا بد من النظر إلى ما ســبق بكثير من الحذر وعدم تحميله أكثر ممــا يحتمل، لكن الأكيد هو أن التغيير قادم في سوريا وأن أي دولة لا بد أن تعيد حساباتها بما لا يدمّر أي علاقات مستقبلية لها مع ســوريا فالدولة هي التي ستبقى، ولو بجروح غائرة، لكن بشــار سيرحل يوما كما رحل غيره من قبل.

الــكل يعيد ترتيــب أوراقه وحســاباته إلا ذاك الجالس في دمشق على كومة الخراب!!

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom