Al-Quds Al-Arabi

حادثة «السلط»: نختلف مع «الدولة» أم عليها؟

-

■ صعــب جــدا اليوم وفــي مواجهــة الواقع والحقيقة أردنيا القول بأن «تغيير النهج» مســألة يمكن تقزيمهــا على قدر مجرد هتاف أو شــعار أو بيان سياســي مغرض، وله أجندة ويمكن تقليص أهميتها القصوى على بيكار الرغبة فقط في إزعاج وإقلاق السلطة.

«تغيير النهج» بعد سلســلة من الأحداث التي تصدمنا جميعا كأردنيين فــي وجه الحقيقة ليس مجرد عبــارة لا لزوم لهــا اليوم، لا بــل التركيز على إطلاقها من باب المناكفة أحيانا فقط يســيء لمنطوقها وللنهج وأصحابه. مجددا الأخطاء عندما تحصل سواء أكانت فاضحة أو ضخمة أو صغيرة بائسة، تولد وتنمو وتنضج وهي أردنية.

الموظف المخطئ أردني، كذلــك الوزير والغفير، وتغييــر النهج بصــورة حقيقية عميقــة منتجة إيجابيا يبدأ من الإيمان بالمنشأ الأردني للمشكلات قبل أي خطوة أخرى، لأن الحديث عن مؤامرات من تيارات هنا وهناك في الداخل والخارج، تريد خلط الأوراق في البلاد، أكثر حمقا من الأخطاء نفسها.

النهج نفســه الآن وفي ظل مستودع الذكريات الحزينة التي لطمنا بها مجددا حادث مدينة السلط الأليــم الأخير بحاجــة ملحة للإيمــان بالتغيير، فنحن للمرة الألــف لا نختلف علــى الدولة حتى عندما نختلف معها. ولا نختلف على الشرعية ولا نســمح لأنفســنا بالتفكير ببدائل عن النهج، ففي النهاية النهج الذي ينتقــده اليوم بعض محترفي الشــغب والنميمة، هو نفســه النهج الذي أسس التجربة الأردنية بدولة عمرها 100 عام، يحترمها الجميع في الداخل والخارج وتمثل هوية شــعب يتطلع للمستقبل ويؤمن بأن مؤسساته تعبر عنه سياسيا.

أي خطاب يتحــدث عن إســقاط النهج وفقط، يسقط بامتياز في رذيلة التســييس والأجندات. والأردنيــ­ون النبــاء يريــدون تحديــث النهج ومراجعته وليــس القفز عنــه أو عليه فذلك خط أحمر.

ينبغــي على الألســن التي تلوك قصــة النهج بمناســبة أو بدونهــا وبدون تفصيــل أو انطلاقا من دوافع خبيثــة ومريضة أن تصمــت. وينبغي بالمقابل على الدولة ومؤسســات القــرار التمييز والتفريــق بين عبــارة شــاذة أو مطلب مغرض، يصــدر هنــا أو هنــاك بنية ســيئة أو مــن هواة المعارضة غير المحترفين تحديدا في الخارج، وبين تلك الشــخصيات الوطنية التي يعتــد بها والتي تؤمن بالنظــام والدولة والشــعب معا، وتحاول منذ ســنوات طويلة لفت النظر إلــى أن مقاربات التحديثــا­ت اختلفــت والنهج يحتــاج فعلا إلى تصويب وتعديل، والأهم قبل ذلك لا بد من تعريف ما ينبغي للاقتراحــ­ات أن تعمل علــى تعديله أو تغييره.

إدارة الأمور في المملكة الأردنية الهاشــمية على المســتوى الإداري تحديدا، وعند سكان الطبقات، الإدارة العليــا بالطريقــة المتواصلــ­ة الحالية لم تعد نافعة، ولا تــؤدي الغرض، بل تراكم الإحباط وتؤدي إلــى تخزين الاحتقــان، وتدفع المراهقين والطفيليــ­ن مــن دعاة التحدث باســم الشــعب الأردنــي ومكوناته إلــى الصــدارة بميكروفون مختــل، تزيد فرصته في الظهــور والحضور، لأن الميكروفون الوطني العاقل الراشد يقمع ويمنع أو يتعرض للإقصاء بدون أي سبب مفهوم.

نعم نقولها وبكل وضــوح الآن، لا بد من تغيير النهج في إدارة الملفات والأمور والنخب والأدوات وأجهزة ومؤسســات الدولــة، لكن تلــك عملية ينبغي أن تشــرح فيها التفاصيل لأن التغيير الذي نقصــده إيجابي ونبيــل، وتحت ســقف ثوابت الدولة، ويهدف للبناء وليس للهدم، ويســتند إلى قواعد تصويب الأخطاء والتخلص من المشــكلات وتصويب الجبهة الداخلية الواحدة.

نصوت لتلك الدعــوات الصادقة الوطنية التي تقترح على مؤسســات القــرار اليــوم المراجعة وإعــادة النظــر والتصويب، فبعض الأســاليب والأنماط والتقاليد التــي كانت تصلح في الماضي القريب، لم تعد تصلــح الآن، والإصرار على بقاء واســتقرار وتغذية أزمة الأدوات تحديدا، لم يعد مفهوما لا بل أضراره تنمو وتزيد وتتوسع، ولهيبه يكاد يحرق أطراف ثوب الوطن والدولة.

أزمة الأدوات هي الأساس والإصرار على وجود نوعيات محددة من الأشــخاص في مفاصل القرار الاستشاري والتنفيذي قد يكون في صلب المشــكلة، وفي جوهر المساحات التي لا بد من التوافق على أنها تحتاج لتصويب وتعديل.

أزمــة الأدوات عنــد الحفــر العميق قــد تكون هــي التي تقــف وراء النكد الذي يجتاح مشــاعر الأردنيــن، ويعزز قلقهــم ومخاوفهــم، في وقت يترقبون فيه الاحتفال بالمئوية الأولى لدولتهم.

أي معالجة تحت عنوان القناعة والتوافق على تصويب النهج، تبــدأ من توقف الإنــكار وإعادة النظر بالطريقة التي يختار فيها المســؤولي­ن وهم يعتلون أكتاف الدولــة والناس، فمن غير المعقول أن تستمر آليات وتقنيات اختيار النخب بالصورة الحالية للأســف، فيما يتم بالتوازي تفريغ الحياة الحزبية والنقابية من خطابها ومضمونها الوطني.

انتهى تقصيــر موظف صغيــر بمراقبة لوحة إلكترونية تتحكم بالغاز الطبي بجريمة وشهداء. لكم من العار علينــا أن نعتبر أن التقصير والخطأ على قدر هذا الموظف الصغير فقط.

من غير المعقول مواجهة كل الامتحانات الصعبة بدون رجال دولة ومثقفين وبالإصرار العنيد على المحاصصة والإعلاء من شــأن الولاء على حساب المهنية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom