Al-Quds Al-Arabi

تركيا عدوا رئيسيا: وسواس المحور الرجعي العربي

-

■ كان اقتحام قصر المعاشــيق الرئاســي في مدينة عدن بمثابة الصورة المكثفة لتضافر أزمات عديــدة راهنــة وجوانب أخــرى قديمــة وحديثة من معضلات سياســية واقتصادية وعســكرية تعصــف بمحافظات جنــوب اليمــن عموماً. على رأس هــذه الأزمــات والمعضــات يأتــي الواقــع المعيشــي المتدني الذي يعاني منه السواد الأعظم من أبنــاء المنطقــة، والــذي يتجلى فــي الارتفاع الجنوني للأســعار والمشــتقا­ت النفطية وتدهور الخدمات وتوقيف صــرف الرواتب للعاملين في قطاعات الدولة المختلفة وانقطاع الكهرباء خلال فتــرات بلغ بعضها 15 ســاعة يومياً، هذا عدا عن انحطاط العملة الوطنية إلى رقم غير مسبوق هو 900 ريال مقابل الدولار.

لكن المعاشــيق ليــس قصراً رئاســياً فقط، بل هــو مقــرّ الحكومــة أيضاً، ولهــذا فــإن اقتحامه كان تعبيــراً واضحاً عن ســخط جماهيري تجاه

مسؤولية الوزارات المختلفة عن الأوضاع المتردية وكذلــك تقصيــر رئيــس الحكومــة شــخصياً، وهذا هو المســتوى الثاني من حالــة التأزم. ومن المعــروف أن الحكومة الحالية كانت قد تشــكلت في 18 كانون الأول/ ديســمبر الماضي وعكست التفاهمات التي تم التوصل إليها بموجب اتفاقية الريــاض مطلع تشــرين الثاني/ نوفمبــر 2019، وخاصة اقتســام الحقائب مناصفة بين شــمال اليمــن وجنوبــه، بالإضافــة إلى خمــس حقائب انتزعهــا المجلس الانتقالــ­ي الجنوبي المدعوم من الإمارات. وبذلك فــإن الاحتجاجات الجماهيرية علــى تقصيــر الحكومــة هي مــن وجهــة أخرى احتجاجــات علــى الفاعليــة المتدنيــة لمخرجــات اتفــاق الريــاض ذاته، أيــاً كانت المكونــات التي انخرطت فيه.

مســتوى ثالث لحالة التأزم تجلى في ســلوك القــوات الســعودية التــي ترابــط فــي القصــر،

وكذلك عناصــر المجلس الانتقالي الذي تشــارك فــي حراســته، إزاء تدفــق المتظاهريـ­ـن وعــدم اتخــاذ أي إجــراء يحــول دون اقتحامهــم مقــارّ الــوزارات ومكاتــب الــوزراء أنفســهم، بالمقارنة مــع الرصــاص الحــيّ الذي ســبق أن اســتُخدم لتفريق المتظاهرين في أماكن أخرى من الجنوب. ويُفهم من هذا الســلوك أن المواجهات العسكرية المباشرة بين قوات الانتقالي وقوات الشرعية قد توقفت بموجب اتفاق الرياض، ولكنها تتواصل بصفة غير مباشــرة عبر ركــوب الانتقالي موجة الاحتجاجــ­ات وتجييرهــا لأغــراض سياســية وكأوراق ضغط بصدد مــا لم يتم تنفيذه بعد من بنود الاتفاق.

ومــن الواضح، في مســتوى رابــع، أن موقف البيــت الأبيــض المســتجد الــذي تبنتــه إدارة الرئيــس الأمريكــي جــو بايدن قــد خلــق زخماً جديــداً أو إضافياً ســمح لجميع الأطــراف على الســاحة اليمنيــة بتصعيــد خياراتهــا أو بلــورة تكتيــكات جديدة على الأرض، الأمر الذي شــجع الحــراك الشــعبي علــى اغتنــام الفرصــة أيضاً. وليســت معزولــة عن هــذا الســياق اســتئناف الحوثــي عمليــات القصــف بالطائرات المســيرة ضــد أهــداف فــي العمــق الســعودي، وكذلــك إشــعال جبهــات القتال فــي منطقة مــأرب التي لا تعــدّ العاصمــة الثانية للشــرعية فقــط بل هي كذلك إحــدى حواضن النفط فــي اليمن. كل هذا يفســر من جانب آخر اســتئناف نشاط المبعوث الأممــي مارتن غريفيث بدعم واضح من الولايات المتحــدة، وبتشــديد متجــدد على أهــداف كبيرة مثل وقــف إطلاق النار ورفع الحصار عن الموانئ وإعادة تشغيل مطار صنعاء.

كأنمــا كان اقتحام قصر المعاشــيق أقرب إلى ضــارة نافعة، لأنه كشــف الكثير من مســتويات التأزم المستترة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom