Al-Quds Al-Arabi

مسيرة الأعلام الاستفزازي­ة: حلقة جديدة في المعركة على الوعي والرواية حول القدس

- الناصرة ـ «القدس العربي» من وديع عواودة:

تعتبر حكومة الاحتلال الجديدة مســيرة الأعلام الاســتفزا­زية امتحانا لها ولقوتها وهيبتها وســط مزايدات مــن المعارضة عليها، ودعــوات لمنع حركة حماس من بنــاء روايتها كحاميــة للقدس، ومقابل تهديدات المقاومة الفلســطين­ية بالرد على انتهاكات الاحتلال في المدينة المحتلة. وفي الوقت نفســه فإن هذه المسيرة الاستفزازي­ة المصادق عليها رسميا هي اختبار لقدرة الشعب الفلســطين­ي في طرفي الخط الأخضر علــى مواصلة الدفــاع عنها، كمــا هبّ في الجولات السابقة.

وعلــى خلفية ذلك صــادق عومر بــار ليف وزير الأمــن الداخلي في حكومة الاحتــال الجديدة على ما تسمى بمســيرة الأعلام للمستوطنين في القدس، وذلك رغم تحذيــرات فصائل المقاومــة والخارجية الفلسطينية، والدعوة للنفير العام وسط ترجيحات إسرائيلية بأنها لن تشعل النار مجددا بعد تعديلات في مسارها.

وجــاء قرار بــار ليف بعد مشــاورات مــع قادة المؤسســة الأمنية، بحيث تبقى المسيرة في موعدها عصر الثلاثــاء، حيث من المنتظر أن تمر في شــارع الســلطان ســليمان قبالة باب العمود الذي سيتم إغلاقه أمام الفلسطينيي­ن لكن دون دخوله والانتقال عبر حيّ المصــرارة إلى باب الخليــل والامتناع عن دخول البلدة القديمة.

وكانــت حكومة بنيامــن نتنياهو الســابقة قد غيرت قبل شــهر مسار هذه المســيرة الاستفزازي­ة، التي يحتفل فيها المتطرفون الإســرائي­ليون بذكرى احتلال القدس وضمها إلى السيادة الإسرائيلي­ة بعد توحيد شطريها. وصدرت الأوامر للشرطة والأجهزة الأمنية الإسرائيلي­ة برفع جاهزيتها وحشد تعزيزات على جانبي الخــط الأخضر والقدس المحتلة وتعزيز منظومــة القبة الحديدية تحســبا لانفجــار الموقف وإطلاق الفصائل الفلسطينية صواريخ من غزة.

وكشــفت الإذاعــة العبرية أن هناك مشــاورات إســرائيلي­ة مســتمرة. وقد انتقدت الإذاعة طريقة معالجة الحكومة لهذه المســألة الحساســة، خاصة في ظل عدم ترتيب اجتماع رســمي لمتابعة مســيرة الأعلام، مكتفية بمشــاورات وبالاعتقاد بأن الأمور تحت السيطرة.

وحــذرت الأمم المتحدة من هشاشــة اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين الفلســطين­يين والإسرائيل­يين فجر21 مايو/ أيار الماضي، داعية إلى ضبط النفس.

وأصــدرت وزارة الخارجيــة الأمريكية أمرا بمنع موظفيها وأســرهم من دخــول البلــدة القديمة في القدس المحتلة وذلك بســبب الدعوات إلى المســيرة الإســرائي­لية والمظاهرات المضــادة المحتملة. ودعا المجلس الوطني الفلسطيني المجتمع الدولي، خاصة مجلس الأمن، إلــى التحرك لمنع «مســيرة الأعلام» واصفا إياها بأنها « ضرب من الجنون الإســرائي­لي» معتبرا «أن الإصرار على تنظيم تلك المســيرة دعوة لاســتمرار الاضطهاد والإرهاب والعدوان على أبناء شعبنا في المدينة ومقدساتها الإسلامية والمسيحية». وشدد على أن «أبناء شــعبنا، مسلمين ومسيحيين، قــادرون على مواجهة وإفشــال هذه المســيرة كما أفشــلوا بصدورهــم العاريــة، وإرادتهــم الصلبة كافة المحاولات الســابقة التي اســتهدفت المقدسات المسيحية والإسلامية، وبشــكل خاص الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك».

ومجددا ســعى رئيس حكومة الاحتلال الســابق بنيامين نتنياهو يوم الخميس الماضي إلى الســماح بتنظيمها قبــل أيام وفق اتفاق محدد بين الشــرطة والمنظمين. وتسبّب إصرار نتنياهو وقتها على تنظيم المســيرة باتهامه من قبل خصومــه بتأجيج الوضع واتباع سياسة «الأرض المحروقة».

وأوضحت صحيفة «معاريــف» أنه بعد مصادقة وزير الأمن الداخلي على مسيرة الأعلام الاستفزازي­ة فــي مســارها المذكــور قــرر الجيــش والمخابرات الاســتعدا­د لســيناريو التدهور الأمني بما في ذلك إطلاق صواريخ من غزة.

وقالــت إن شــرطة الاحتــال دفعــت 2500 من عناصرهــا للقدس المحتلة وســتقوم بإغلاق الكثير من شــوارعها مبكرا، منوهة لنصــب بطاريات القبة الحديدية.

ونقلت عن بــار ليف قوله في ختام تشــاوره مع المؤسسة الأمنية إن انطباعه هو أن المؤسسة الأمنية مستعدة جيدا، لافتا إلى أن الشرطة ستعمل قصارى جهدها من أجل حفظ أمن الجمهور والنظام العام.

وقال موقع» والا «الإســرائي­لي في هذا الســياق إن المؤسســة الأمنية ترجح أن قائــد حماس يحيى السنوار قد خرج من عدوان «حارس الأسوار» دون منجزات جوهرية وما زال يصارع من أجل تســوية وترميم قطاع غزة، بما يشــمل إعــادة فتح معبري بيت حانون وكرم سالم، اللذين أغلقهما الاحتلال في الشهر المنصرم.

وحســب تقديرات المؤسســة الأمنية وفق «والا» فإن الســنوار «يخشــى جدا من التحــرش بجيش الاحتــال بواســطة إطــاق صواريخ، ومــع ذلك

سيحاول تعزيز الرواية حول البعد الديني للقدس، ولذا تتوقع أن تقع مناوشــات على الحدود وإطلاق بالونات حارقة وقذائف قصيــرة المدة» منوهة إلى أن حماس هذه المرة لــم تهدد بإطلاق صواريخ نحو القدس بخلاف المرة السابقة.

وينقل «والا» عن مصادر أمنيــة ترجيحاتها بأنه من غير المســتبعد أن تقوم حركة الجهاد الإســامي بإطلاق بعض الصواريخ نحو العمق الإســرائي­لي، ولذا تم رفع درجة تأهب سلاح الجو الإسرائيلي قبيل المســيرة الاســتفزا­زية وذلك ضمن تطبيق تعليمات قائد الجيش افيف كوخافي للقيام بالاستعداد­ات لكل الخيارات.

الرد بحذر

وحســب هذه المعطيات عمم رؤســاء المؤسســة الأمنية رســالة علــى القــوات الميدانية بتحاشــي التســبب بقتلى وجرحى في الجانب الفلسطيني لأن المشاهد القاســية في القدس من شأنها أن تصب الماء على طاحونة المتطرفين في الضفة وغزة.»

وحــذر الموقع الإســرائي­لي من هشاشــة الوضع الأمنــي ومــن الأجــواء المتفجــرة فــي الجانــب الفلسطيني. واستذكر ما سبق وقاله بار ليف أول من أمس حول تسيير المسيرة لأن ذلك مسموح في النظام الديمقراطي طالما أن ذلك ضمن القانون.

وردا على ســؤال قال بــار ليف حــول تهديدات حماس بإشــعال القــدس مجــددا إن « القدس هي عاصمة إسرائيل الأبدية». وكشف أن افيف كوخافي قائــد الجيش ونائب رئيس «الشــاباك» أوصيا أمام المجلس الوزاري الأمنــي المصغر بعدم المصادقة على المسار الأصلي لمســيرة الأعلام داخل البلدة القديمة وباب العمود، ونوها لإمكانية تعديل مسارها.

وخلال الاجتماع المذكور أوضــح مدير عام وزارة الخارجية في حكومة الاحتلال ألون أوشبيز إن إدارة جو بايدن توجهــت للوزارة وأعربت عــن قلقها من مجرد القيام بالمسيرة، مشــددة على أنها غير معنية باشتعال جديد في المنطقة.

وقــال ما يعــرف بالمنســق الســابق للجيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة الجنرال ايتان دانغوت إن المسيرة باتت حقيقة لكن سنحكم عليها لاحقا بعد تســييرها. وزعم في حديث إذاعي أن تأجيل المسيرة ليس بصالح إسرائيل ولا حكومتها.

وتابع «نريد أن تكون المســيرة خاصة أن الشرطة تصادق عليها رغم المخاطر وبحق لأنه من غير المقبول تثبيت هذا الأمر في الوعي وكأن حماس هي حارسة القدس. وفي حال قامت حماس بالتحرش بنا، فعلى

إسرائيل أن تثبت سيادتها والرد بقوة لمنع حماس من فرض وصايتها علــى القدس وهذه صيرورة طويلة. علينا إبداء الاســتقلا­لية وتحجيــم حماس كمنظمة إرهابية وليــس بضربة واحدة. لا أعــرف إذا كانت حماس سترد لكن علينا الاستعداد بكل الأحوال.»

وقال مدير منظمة «إم ترتسو » الإسرائيلي­ة المتطرفة متان بيلغ لإذاعة جيش الاحتــال إنه يقبل بتعديل مسار المسيرة الاستفزازي­ة التي ينظمها « لأننا نحترم الشرطة وعلينا التسوية فقد قبلنا تسويتها القاضية بعدم دخول باب العمود والانتقال لباب الخليل ومنه لساحة البراق وســنقوم بفصل مسار المسيرة لاحقا لاعتبارات تتعلق بعدد المشاركين.»

وردا على ســؤال الإذاعة حول الجــدوى من هذا الاستفزاز في لحظة حساسة ومتفجرة قال «لن نأتي للاستفزاز بل جئنا للاحتفال في عاصمتنا ولن نسمح للإرهابيين بالقــرار داخلها. ننظر للموضوع بصورة أوسع بســبب تراجع الجيش عن مناورات في النقب بســبب الخوف من البدو ولا نســتطيع الاقتراب من المثلث والجليل بات إقليما عربيا مســتقلا وفي المدن المختلطــة يعيش اليهــود في خوف. لــم نعاند على المســار الأصلي وأبدينا تســوية رغم أنها عاصمتنا الســيادية وقد أقيمت إسرائيل لتكون ملجأ آمنا حرا لليهود .»

بيان المشتركة والموحدة

في المقابل حــذرت القائمة العربية المشــتركة في مذكرة لبــار ليف ولرئيــس الحكومة الإســرائي­لية الجديدة نفتالــي بينيت مــن مغبــة المصادقة على مســيرة الأعلام الاســتفزا­زية، وقالت إنها ستفضي لتصعيد جديد وخطير. وقالت المشــتركة إن سفك أي قطرة دم سيكون على مسؤولية من يصادق على هذه المسيرة الاستفزازي­ة.

وقــال رئيس القائمــة العربية الموحــدة منصور عباس لراديو تل أبيب إن حزبه يعارض هذه المسيرة الاستفزازي­ة، وإن الكل يعرف ما هي مراميها.

عباس الذي يشارك في دعم الائتلاف الإسرائيلي الحاكم بشكل مباشــر ووفق اتفاق رسمي، حذر من تبعات المسيرة الاســتفزا­زية على كل المنطقة، معربا عــن أمله بأن تمــر على خيــر. وتابــع «القدس هي مدينة حساســة وخاصة وكل العالم ينظر لها اليوم، والمســيرة ليســت شــأنا خاصا بحماس. هذا ليس موضوع عاصمة إســرائيل أو عاصمة فلسطين، فهنا يوجد صــراع لا يمكن تجاهله وكل من يطمر رأســه بالرمل هو ســاذج، إذ يمكن إدارة هذا الصراع طيلة عقود لكنه سينفجر بنهاية المطاف في الوجه.»

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom